ثقافة شعبية ثقافة شعبية : قصة الأخوين.. من نصوص الأساطير المصرية القديمة - محمد أبورحمة

يحكى أنه كان هناك أخوان من نفس الأم ومن نفس الأب . كان الأكبر يدعى (أنوبيس) ، أما الأصغر فكان يسمى (باتا) .
وكان لـ(أنوبيس) بيت و امرأة ، وكان أخوه يعيش لديه مثل ابنه . وكان هو (الأخ الأصغر) الذي يحيك له الثياب ويرعى له الماشية في المراعي ، وكان هو أيضاً الذي يحرث ويحصد له ، أي أنه كان هو الذي يقوم بكل أعمال الحقل من أجله .
كان أخوه الأصغر شاباً قوياً وكان يعود – مثلما تفعل ماشيته كل يوم – إلى الدار في المساء ، حاملاً كل صنوف العشب من الحقل، واللبن ، والخشب ، وأشياء كثيرة جميلة من الحقل . وكان يضعها أمام أخيه الأكبر ، الذي يكون جالساً مع زوجته . ثم يشرب ويأكل ويخرج لينام في حظيرته وسط ماشيته .
فإذا ما أشرقت الشمس وبدأ يوم جديد (جهز) طعاماً ووضعه أمام أخيه الأكبر . فيعطيه هذا طعاماً يأخذه معه إلى الحقل . ويأخذ هو– (باتا) – أبقاره لترعى في الحقل . وبينما كان هو يمضي خلفها كانت تقول له : " العشب طيب في هذا وذاك المكان " . كان يسمع كل ما تقوله ، فيسوقها إلى مكان العشب الطيب ، التي كانت ترغبه .
وهكذا كبرت الأبقار التي يرعاها على نحو عظيم ، وكانت تدر لبناً كثيراً للغاية .
وذات مرة ، أثناء وقت الحرث ، قال له أخوه الأكبر :
" جهز لنا بعض الأبقار للحرث ، فقد انحسر الماء (ماء الفيضان) وصارت الأرض صالحة للحرث . ثم تعال إلى الحقل بالبذور ، لأننا سوف نجتهد صباح الغد في الحرث " . هكذا قال له .
ففعل أخوه الأصغر كل ما قال له أخوه الأكبر : " افعله " .
وفي صباح اليوم التالي مضيا بالبذور إلى الحقل ، وأخذا يجدان في الحرث . وكانا سعيدين للغاية بعملهما ، أي بحرث الربيع .
وبعد أيام عديدة ، وبينما كانا في الحقل ، احتاجا لشيء من البذور، فأرسل (أنوبيس) أخاه الأصغر ، وقال له : " امض وائت لنا ببذور من القرية " .
فوجد الأخ الأصغر زوجة أخيه الأصغر جالسة تمشط شعرها . فقال لها : " انهضي لتعطيني بذوراً ، لأعود بسرعة إلى الحقل ، فأخي الأكبر في انتظاري ، فلا تتأخري " .
فأجابته : " اذهب ، وافتح مخزن الغلال ، وخذ ما تشاء ، ولا تجعلني لا أتم تمشيط شعري " .
فمضى الفتى إلى حظيرته ، وأحضر وعاءً كبيراً حتى يضع فيه البذور الكثيرة . ثم حمل الشعير و القمح و خرج . فقالت له : " ما وزن هذا ، الذي تحمله على كتفك ؟ " . فقال لها : " ثلاثة قناطير قمح وقنطارين شعير ، أي خمسة ، أحملها على كتفي " . هكذا قال لها .
هنا بدأت حديثاً معه ، فقالت له : " إنك تملك قوة عظيمة ، بل إني أرى قوة رجولتك كل يوم " .
وشاءت أن تتعرف عليه كرجل . فنهضت ، وأمسكت به ، وقالت له : " تعال ، لنقض ساعة سعيدة معاً ، وننام سوياً . وسوف أكافئك على ذلك ، وأحيك لك ملابس جميلة " .
فصار الفتى كفهد صعيدي غاضب ، بسبب هذا الطلب الوضيع الذي طلبته منه . فاستبد الخوف بها . ثم قال هو لها : " انظري ، إنك لي مثل أمي ، و رجلك مثل أبي ، هو – الذي أكبر مني – قد رباني . فما هذه الخسة الدنيئة التي تفوهت بها ؟ . فلا تقوليها لي ثانية ، وأنا لن أذكر ذلك لأحد . لن يفوه بها لساني لأي إنسان " .

و رفع حمله ومضى إلى الحقل . و وصل إلى أخيه ، فجد الاثنان في عملهما .
وفي المساء عاد أخوه الأكبر إلى الدار ، بينما كان أخوه الأصغر يرعى ماشيته ، ويحمل كل صنوف الأشياء من الحقل ، و يسوق قطيعه أمامه ، لينام في حظيرته في القرية .
أما زوجة أخيه الأكبر فكانت خائفة مما اقترفته . ولذا أتت بشيء من الدهن و عصابة ، وتظاهرت بأنها ضُربت ، لتقول لزوجها : " كان هو أخوك الأصغر ، الذي ضربني " .
فلما عاد زوجها كعادته إلى الدار ، وجد امرأته بالدار راقدة متظاهرة بالإعياء . فلم تصب ماءً على يديه ، كما اعتاد منها . ولم تشعل له نوراً ، فكانت داره غارقة في الظلام . وكانت هي راقدة تتقيأ .
فقال لها : " ماذا دهاك ؟ " .
فأجابت : " ما أصابني كان بسبب أخيك الأصغر ، الذي راودني عن نفسي ، عندما جاء ليأخذ بذوراً من أجلك ، فوجدني وحيدة ، فقال لي : " تعالي ، لنقضي ساعة سعيدة سوياً و ننام معاً ، حلي شعرك " . هكذا قال لي . فقلت له : " ألست بمثابة الأم لك ، وأخوك الأكبر بمثابة أبيك ؟ " . هكذا قلت له . فخاف وضربني حتى لا أبلغك بذلك . فإن تركته على قيد الحياة سوف أموت . انظر ! إذا أتى فلا تسمع له أبداً ، لأني إذ رميته بهذه الجريمة فسوف يبدلها إليّ افتراءً عليّ " .
و هنا صار أخوه الأكبر كفهد صعيدي . فسن رمحه وأمسك به . وكان أن وقف الأخ الأكبر خلف باب حظيرته ، ليقتل أخاه الأصغر إذا ما عاد مساءً إلى الدار ، وساق الماشية إلى الحظيرة .
عندما غربت الشمس ، حمل الأخ الأصغر – كعادته كل يوم – كل صنوف العشب من الحقل . و عاد للدار ، فدخلت أولى أبقار القطيع الحظيرة وقالت لراعيها : " احذر ، فأخوك الأكبر واقف أمامك برمحه ليقتلك ، فاهرب " .
فسمع ما قالته البقرة الأولى . ثم دخلت الثانية وقالت له نفس الشيء . فنظر أسفل باب الحظيرة ، و رأى قدميّ أخيه الأكبر واقفاً خلف الباب ممسكاً برمحه .
فرمى حمله على الأرض و لاذ بالفرار . فجرى أخوه الأكبر خلفه ممسكاً برمحه .
وهنا تضرع الأخ الأصغر إلى "رع حورآختي" ، فقال :
" سيدي الفاضل . إنك أنت الذي يفصل الحق عن الباطل " .
فسمع "رع" كل دعائه ، فجعل ماءً عظيمة بينه و بين أخيه الأكبر، وملأها بالتماسيح . فصار أحدهما واقفاً على ضفة ، بينما وقف آخر على الأخرى . فضرب الأخ الأكبر كفاً بكف ، لأنه لم يستطع قتله .
أما أخوه الأصغر فناداه من الناحية الثانية ، وقال :
" لتبق حيث أنت ، حتى ينبلج الصباح ، فإذا ما أشرق رب الشمس، سأختصمك لديه . ولسوف يسلم هو الظالم للبريء . حقاً ، لن أعيش معك ثانية في مكان واحد أبداً . لن أكون معك أبداً في نفس المكان ، لأني ماضٍ إلى وادي الأرز " .
وعندما انبلج الصباح ، وبدأ اليوم التالي ، أشرق "رع" ، فرأى كلٌ منهما الأخر . فاتجه الفتى إلى أخيه الأكبر بتلك الكلمات : "لماذا تسعى خلفي ؟ لتقتلني بالباطل ؟ و دون أن أدافع عن نفسي؟ . ألست أخوك الأصغر ، وأنت لي مثل أبي ، وامرأتك مثل أمي ! أليس ذلك كذلك ؟ عندما أرسلتني لإحضار البذور قالت زوجتك لي : " تعال ! ودعنا نقضي ساعة سعيدة سوياً وننام معاً" . انظر ! فالآن جعلت الأمر أمامك على نقيضه " .
و قص عليه كل شيء حدث بينه وبين زوجته .
ثم أقسم بـ"رع حور آختي" : " أحقاً جئت برمحك لتقتلني بالباطل من أجل امرأة وضيعة ؟ " .
و أخذ منجلاً وقطع به ذكره . وألقى به في الماء فابتلعته سمكة . فصار سقيماً تعساً .
فأشفق عليه أخوه للغاية ، وأخذ ينتحب مولولاً . ولكنه لم يستطع العبور إليه خوفاً من التماسيح .
فصاح به أخوه الأصغر : " إن كنت تستطيع تذكر شيئاً سيئاً فعلته بك ، فلن تستطيع تذكر شيئاً طيباً ، أو أي شيء فعلته من أجلك . فعد لدارك واهتم بنفسم وبماشيتك ، لأني لن أبقى في نفس المكان الذي أنت به . فإني ماضٍ إلى وادي الأرز . أما الذي تستطيع فعله من أجلي هو : أن تأتي إلي وتهتم بي عندما تعلم أن مكروهاً أصابني . فلسوف آخذ قلبي وأعلقه على برعم شجرة أرز . فإذا قُطعت الشجرة و هوى (قلبي) على الأرض ، فتعال للبحث عنه ، حتى لو قضيت سبع سنوات في البحث عنه ، فلا تيأس . فإذا ما عثرت عليه ، و وضعته في إناء ماء طازج ، فإني سوف أسترد حياتي ، لأنتقم ممن ألحق الأذى بي . وسوف تعلم أن مكروهاً مسني إذا قُدم لك قدح من الجعة ففاض . فلا تتوانى ، و هذا ما سوف يحدث لك يقيناً " .
ثم مضى إلى وادي الأرز ، بينما عاد أخوه الأكبر لداره ، وقد لُطخ بالتراب واضعاً يديه فوق رأسه . فدخل الدار و قتل زوجته ، وألقى بها إلى الكلاب . ثم جلس حزيناً على أخيه .

بعد أيام عديدة كان أخوه الأصغر يعيش في وادي الأرز . ولم يكن أحد معه . فكان يصطاد الحيوانات البرية في الصحاري نهاراً ، ثم يعود مساءً ليرقد تحت شجرة الأرز ، التي علق قلبه على أحد براعمها .
وبعد أيام عديدة بنى في وادي الأرز لنفسه قصراً ، به كل الأشياء الطيبة آملاً في الزواج .
و ذات يوم خرج من قصره وقابل التاسوع ، الذي كان يجوب البلاد من أجل رعايتها .
وكان أن تحادث أرباب التاسوع ، ثم قالوا له :
" يا (باتا) ، ثور التاسوع ، إنك هنا وحيد تماماً ، بعد أن هجرت بلدك بسبب زوجة (أنوبيس) ، أخيك الأكبر . انظر ! لقد قتل زوجته ، وهكذا رددت عليه كل ما لحق بك " .
وأشفقت قلوبهم (التاسوع) عليه إشفاقاً عظيماً ، فقال لـ"خنوم" : "فلتصنع امرأة لـ(باتا) ، حتى لا يسكن وحده " .
فأبدع "خنوم" امرأة فاق جمالها كل نساء البلاد كافة ، وباركها كل الأرباب . وجاءتها "الحتحورات السبع"(1) ليرونها ، وقلن في نفسٍ واحد : " سوف تلقى موتاً عنيفاً " .
أما هو – (باتا) – فقد أحبها حباً جماً . فسكنت بداره ، بينما كان هو يصطاد الحيوانات البرية في الصحراء نهاراً ، ويحضرها ليضعها أمامها .
وكان أن قال لها : " لا تخرجي ، فيخطفك البحر ، وأنا لا أستطيع إنقاذك منه لأني امرأة مثلك . فقلبي معلق في برعم شجرة الأرز . فإذا ما عثر أحد عليه فلابد أن أصارعه " .
وباح لها بكل مكنون قلبه .
وبعد أيام عديدة ، مضى (باتا) ليفعل ما اعتاده من صيد . فخرجت الفتاة لتتنزه تحت أشجار الأرز . فإذا بها ترى خلفها البحر هادراً ، فلاذت بالفرار وركضت إلى دارها . ولكن البحر نادى شجرة الأرز وقال لها : " أمسكي بها " .
فأخذت شجرة الأرز خصلة من شعرها .
فجلب البحر (خصلة الشعر) إلى مصر ، و تركها حيث تُغسل ثياب الفرعون .
فنفذ عبق خصلة الشعر إلى ثياب الفرعون . ونشب شجار بين غاسلي ثياب الملك : " لقد علق عطر بثياب الفرعون " .
وصار هذا شجاراً كل يوم ، ولم يعرفوا ماذا يفعلون . وفي نهاية الأمر مضى رئيس الغسالين إلى الشط وقد امتلأ قلبه بالغضب ، من جراء ما يوجه إليه كل يوم من سباب .
وهناك ظل واقفاً على الرمل ، تماماً أمام خصلة الشعر التي كانت في الماء . فأرسل أحدهم إليها ، فأحضرها إليه . فوجد عبقها لطيفاً للغاية ، فجاء بها إلى الفرعون .
وجيء بكتاب وعلماء الفرعون ، فقالوا له :
" خصلة الشعر هذه ، إنها لابنة "رع حور آختي" ، المباركة من كل الأرباب ، إنها تحية لك من بلدٍ آخر . فابعث برسل إلى كل البلاد ليبحثوا عنها . أما رسولك إلى وادي الأرز فابعث معه أناساً كثيرين ، ليحملوها إلى هنا " .
فقال جلالته : " إنه حسنٌ ، ما تقولون ! " .
فأرسل (الرسل) على وجه السرعة .
وبعد أيام عديدة عاد الرجال ، الذين أُرسلوا إلى البلاد ، ليخبروا الملك بما حدث . أما الذين ذهبوا إلى وادي الأرز فلم يرجعوا ، لأن (باتا) كان قد قتلهم . إلا أنه أبقى على واحدٍ منهم حتى يخبر جلالته بما جرى .
فأرسل جلالته ثانية جنوداً كثيرين وعربات حربية ليحضروها . وكان من بينهم امرأة ، حملت معها كل صنوف الزينة .
واستطاعات هذه المرأة العودة بها (زوجة (باتا) ) إلى مصر . فاحتفلت بها البلاد كلها .
و شغف بها الملك حباً ، وصارت سيدة الحريم العظمى .
ثم كان أن حادثها لتبوح بسر زوجها ، فقالت لجلالته : " لتقطع شجرة الأرز وتحطمها " .
فأرسل الجنود بعتادهم ليقطعوا شجرة الأرز .
فلما جاءوا إلى شجرة الأرز ، وقطعوا البرعم ، الذي كان به قلب (باتا) ، وقع في نفس اللحظة صريعاً .
و عندما انبلج الصبح ، وبدأ اليوم التالي ، ولما كانت شجرة الأرز قد قطعت ، دخل (أنوبيس) ، أخو (باتا) ، داره وجلس ليغسل يديه، ثم قُدم إليه قدح من الجعة ففاضت أمامه . فأُعطي قدحاً آخر من النبيذ فإذا به يفسد .
فأخذ عصاه ونعليه وثيابه كذلك وسلاحه ، ومضى إلى وادي الأرز . ثم دخل إلى قصر أخيه ، فعثر على أخيه الأصغر راقداً على سريره ميتاً . فبكى عندما رأى الأخ الأصغر راقداً بلا حراك . ثم ذهب ليبحث عن قلب أخيه تحت شجرة الأرز ، التي كان ينام أخوه الأصغر تحتها في المساء .

فقضى في ذلك ثلاث سنوات دون أن يعثر عليه . وعندما بدأ العام الرابع اشتاق للعودة إلى مصر ، فقال : " غداً أذهب " . هكذا قال لنفسه .
وعندما انبلج الصباح ، وبدأ اليوم التالي ، نهض ثانية ليمضي إلى شجرة الأرز ، فقضى هناك اليوم كله في البحث عنه . وعندما أراد في المساء العودة إلى الدار ، بحث عنه مرة أخرى وأخيرة ، وهنا عثر على ثمرة ، فأخذها إلى الدار . وكانت هذه قلب أخيه .
وأحضر وعاءً به ماء طازج و وضعها فيه . ثم جلس كما كان يفعل كل يوم .
و في الليل كان القلب قد امتص الماء ، فارتعدت أوصال (باتا) ونظر إلى أخيه الأكبر ، بينما كان قلبه مازال في الإناء . ثم حمل (أنوبيس) ، أخوه الأكبر ، الإناء بالماء الطازج ، الذي به قلب أخيه الأصغر ، وجعله يشربه .
فلما استقر قلبه في مكانه الصحيح ، صار مرة أخرى كما كان .
فعانق كلاهما الأخر ، وتناجيا .
ثم قال (باتا) لأخيه الأكبر : " انظر ! سوف أصير ثوراً كبيراً ذا ألوان كثيرة جميلة ، ثوراً فريداً . فارتق ظهري ، حتى تشرق الشمس . ثم نكون هناك ، حيث زوجتي ، التي أريد الثأر منها . ثم تذهب بي إلى حيث يوجد (الملك) . ولسوف يحفظ لك كل صنيعٍ حسن ، ولسوف تمنح وزني ذهباً وفضة ، لأنك جئت بي إلى الفرعون . لأنني سوف أصير أعجوبة عظيمة ، وسوف يُحتفل بك في البلاد كافة . بعد ذلك ستعود إلى دارك في قريتك " .
وعندما انبلج الصباح وبدأ يوم جديد ، استحال (باتا) إلى الصورة التي ذكرها لأخيه . فارتقى (أنوبيس) ، أخوه الأكبر ، ظهره حتى أشرقت الشمس . فوصل حيثما كان الملك . فأخبر جلالته بذلك . فنظر إليه وفرح به فرحاً عظيماً ، و منحه أضحية عظيمة ، وقال : " لقد حدثت معجزة عظيمة " . واحتُفل به في البلاد كافة .
وأُعطى أخوه الأكبر وزنه ذهباً وفضة ، فمضى إلى قريته ، بعد أن أُعطي أناساً كثيرين وهدايا كثيرة ، و فاق حب الفرعون له حبه لكل الناس في البلاد كافة .
وبعد أيام عديدة دخل الثور إلى المطبخ ، ووقف حيث كانت السيدة، ثم قال لها : " انظري ! إني مازلت حياً " .
فقالت له : " من أنت ؟ " .
فأجابها " أنا (باتا) . وأنت تعلمين أنك عندما جعلتِ الفرعون يحطم شجرة الأرز ، أن ذلك كان من أجلي ، حتى لا أحيا . انظري ! ، إني أحيا ، كثور " .
فأصاب الذعر الشديد المرأة ، من جراء ما أخبرها به زوجها . أما هو فغادر المطبخ .
وكان أن جلس جلالته واحتفل معها بيومٍ جميل .
وكانت تصب الشراب لجلالته ، الذي كان راضياً عنها غاية الرضا . وهنا قالت لجلالته : " أقسم لي بالله : ما تقوله (السيدة) سوف أفعله من أجلها " .
فوافقها . فقالت : " لتجعلني آكل من كبد هذا الثور ، فهو عديم النفع " . هكذا قالت له .

فحزن الملك حزناً شديداً لما قالته ، و صار قلب الفرعون مليئاً بالشفقة عليه .
وعندما انبلج الصباح ، وبدأ اليوم التالي ، نودي بحفل أضحية كبير من أجل أضحية الثور . فأرسل أفضل قصاب ملكي من أجل ذبح الثور . فضُحى به . و بينما كان هو محمولاً على الأكتاف ، هز عنقه وجعل نقطتي دم تسقطان بجوار قائمة باب جلالته . فسالت إحداهما إلى جهة من الباب الكبير للفرعون ، و جرت الثانية إلى الناحية الأخرى .
وكان أن نمت الاثنتان إلى شجرتي سنط رائعتين . و ذهب من يقول للملك : " هناك شجرتا سنط كبيرتان نمتا ليلاً ، كأعجوبة من أجل جلالته ، بجوار الباب الكبير لجلالته " .
فاحتفل بهما في البلاد كافة ، وأحضرت لهما الأضاحي .
وبعد أيام عديدة برز جلالته من باب اللازورد مزداناً بإكليل من زهور عديدة حول عنقه . وارتقى عربة ذهبية ، وغادر القصر ليرى شجرتي السنط . ومضت السيدة في عربة خلف الفرعون . وجلس جلالته تحت إحدى شجرتي السنط . (والسيدة تحت الأخرى) .
و هنا بدأ (باتا) في الحديث إلى زوجته قائلاً :
" أيتها الخائنة ، أنا (باتا) ، أنا أحيا رغماً عنك ، أنت تعلمين أنك ، عندما جعلتي الفرعون يقطع شجرة الأرز ، كان ذلك من أجلي ، فكان أن تحولت إلى ثور ، فجعلتني أُقتل ثانية " .
وبعد أيام عديدة ، كانت السيدة تصب الشراب لجلالته ، الذي كان راضياً عنها . فقالت لجلالته : " أقسم لي بالله : أن ما تقوله السيدة سوف أفعله من أجلها " . فوافقها على كل ما قالته .
فقالت له : " لتُقطع شجرتي السنط ليصنع منهما أثاثاً جميلاً " .
فوافقها على كل ما قالته .
وعلى الفور أرسل جلالته عمالاً مهرة ، فقطعوا شجرتي سنط الفرعون . بينما كانت السيدة الملكية تراقبهم .
وهنا طارت شظية إلى فم السيدة ، فلما ابتلعتها صارت حبلى في الحال .

وبعد أيامٍ عديدة ، ولدت صبياً . وذهب من يبلغ جلالته : " وُلد لك ابن " .
فحُمل وسُلم إلى مرضعة وخادمات . واحتفل به في البلاد كافة . وجلس الملك وقضى يوماً جميلاً ، وحمل الطفل على حجره . وأحبه الملك حباً عظيماً منذ أول لحظة . ثم جعله ولي عهد النوبة .
وبد أيام عديدة جعله ولي عهد البلاد كلها .
وبعد أيام عديدة ، بعد أن قضى سنوات كثيرة ولياً لعهد البلاد كلها، صعدت روح جلالته إلى السماء .
وهنا قال (الملك الجديد (باتا) ) : " فليحضر إليّ جميع كبار جلالته ، لأقص عليكم كل ما جرى لي " .
فأُحضرت إليه زوجته كذلك . فمضى معها إلى المحكمة ، فوافقت على حكمه ضدها .
وأُحضر إليه كذلك أخوه الأكبر ، فجعله ولياً لعهده في البلاد كافة .
وظل (باتا) ملكاً لمصر ثلاثين عاماً ، ثم مضى بعد ذلك إلى الحياة الأبدية . فحل أخوه محله يوم وفاته .

تعليق الناسخ : " لقد انتهت نهاية سعيدة و بسلام ، برعاية كاتب الخزانة (كاجاب) ، من إدارة خزانة الفرعون . وكذلك برعاية الكاتب (حورس) ، كاتب (مر إم إبت) . وقد أنجزها الكاتب (إنانا)، مالك هذه البردية . من يذكر هذا الكتاب بسوء ، سيكون "تحوت" خصماً له " .


* عن موقع الحضارات
بوابة الحضارات | النصوص الأصلية للأساطيرالمصرية القديمة 9- قصة الأخوين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى