ابراهيم محمود - عيب – قصة

فوجئت به، وهم يدخلونه إلى المربَّع الفارغ المجاور لمربّعها. شعرت بإحساسها الحيواني أنها تعرفه منذ زمان. سرت رعشة في جسمها الرشيق. إنما أين وكيف؟

ما أن رآها هو الآخر، وهو يجاورها بدوره، داهمه شعور مماثل.استيقظ كامل جسمه الدقيق كسهم لمرآها. إنها ليست غريبة علي. هكذا خاطب نفسه بكلام خاص به .

كانا مميَّزين حقاً. هي بلون الدم الأحمر القاني، وهو بلون العنبر.

ما أن تُركا بمفردهما. نظر كل منهما إلى الآخر، كأن كلاهما يريد اختبار نفسه والتأكد من صدق شعوره .

هز كل منهما رأسه، وهو بعُرفه الموجي الطويل والممشَّط.

في اللحظة ذاتها تبادلا النظرات، ثم ركَّز كل منهما عينيه على الآخر.

اتسعت نظرات أعينهما بعد زمن وجيز. وقرَّبا خطميهما من بعضهما بعضاً:

كنت َ أنت بالذات ؟

وكنت ِ أنت بالذات ؟

لقد جاؤوا بك إلي، وليس لي قدرة على الرفض. وقد أثرتِني بالفعل .

مثلما أنهم ساقوني إليك َ. كما لو أنني كنت أحلُم بك من زمان طويل.

كانوا يتفرجون علينا في ذلك الموقف. يا لهم من كائنات غريبة، وهم يتلمظون لمرآنا.

أرأيتَ ؟ هكذا كان شعوري تماماً.

إنهم لا يقيمون لنا وزناً، رغم أنهم يهتمون بنا كثيراً .

هكذا قالت له، وهي تهز رأسها .

يهتمون بأنفسهم، كونهم أنانيين .

هكذا رد عليها.

وفي الحال أطلق هو ريحاً ملأت المكان، انفتح لها منخراها.

رائحتك شهية، شهية ليس كأي رأئحة أخرى، ليس كرائحتهم الكريهة، هم أنفسهم ينفرون منها، ويسخرون ممن يطلقها، ويعتبرونها عيباً. يا لخفتهم. كيف ينفرون من شيء هم سببه؟!

رد عليها بعينين اتسعتا لمرآها :

لكل منا رائحته. غير أننا نحن الحيوانات نعرَف بروائحنا. وقد أطلقتُها حباً بك. لكم أحن إلى تلك اللحظة.

هزت رأسها هي الأخرى علامة الموافقة قائلة :

أحس بنشوة في كامل جسمي، إنما هل سيبقوننا معاً ؟ فهم معتادون على إحداث الشقاق .

قرَّب كل منهما خطمه من الآخر، وهو يكاد يستحيل شماً بكامله، حيث حرارة أنفاسهما غمرت المكان، وقد زادا اقتراباً، سوى أن الحاجز الخشبي كان مانعاً لأن يتبادلا وصالاً من نوع آخر.

استغرقا في متعة خياليهما المتجاورين، متعة تليق بهما. هي الفرس ذات الصيت، وهو الحصان ذو الصيت. متعة حيوانية غامضة .

صدم ذو اللون العنبر حين لمح اثنين يدخلان المكان، ويخرجانها، شاديْن إياها إلى جهة لا يعلمها، ولا تعلمه هي.

لم يكن في مقدوره الرفض، ولا كان في وسعها الرفض بالمقابل.

النظرة الأخيرة التي تبادلاها كانت حارقة، سال دمع من أعينهما.

كيف لهما أن يفعلوا بنا هكذا؟

تساءل كل منهما في اللحظة ذاتها، وهو يستشعر عزلة ضاغطة، وقهر حيواني لا يعلَم بحقيقته سوى الحيوان نفسه !

ابراهيم محمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى