رسالة من توفيق الحكيم إلى انيس منصور

"عزيزي أنيس منصور..

مقالك نموذج يجب أن يوضع تحت أعين من يمارسون النقد، والنقد أحيانًا أصعب من التأليف. لأن التأليف يعتمد في الأغلب على ذات المؤلف وشخصيته ومواهبه. أما النقد فهو ذاتي وموضوعي، والموضوعية فيه أن الناقد الحق لا ينظر إلى المؤلف نفسه فقط، بل هو يحيط بالعالم الثقافي كله الذي يعيش فيه. ويجب أن يكون في رأسه وذاكرته نوع من الأرشيف يحوي الملف الكامل لأعمال المؤلف الذي يتناوله وعصره. وكذلك ملفات الآخرين الذين يعيشون وينتجون معه في نفس المحيط الزمني لبلده والبلاد الأخرى.

هذا الجانب الأهم وهو التكوين الثقافي والفكري المتين. ولقد كان لك أيها العزيز أنيس منصور هذا التكوين ببدايتك بالفلسفة دراسة وتدريسًا. ومن هنا كان تعلقك بالعقاد. وإن كان العقاد قد غلب التفكير عنده على الأسلوب. أما أنت فقد امتزت بالأسلوب الرشيق. ولأعد إلى مقالك الذي وصفتني فيه بجملة واحدة هي العنوان "توفيق الحكيم ينظر وراءه راضيًا وأمامه يائسًا"، وهذا صدق وحق استطاعت نظرتك الثاقبة أن تكشفه في الحال.
وربما استطعت أنا أيضًا في جملة أن أوضح السبب وهو: كانت البطولة عندنا في الماضي هي بطولة القلم أما بطولاتنا اليوم فهي بطولة القدم، وكانت الكرة في الماضي هي الأفكار، أما اليوم وغدا فهي في الأجوال.
وأكرر لك الشكر والتهنئة بالجائزة العالمية التي تستحقها عن جدارة.

توفيق الحكيم
18 يناير 1984".


الرسالة.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى