غنوة فضة - الصُّعود إلى البِئر

لا لشيءٍ ,
لأنّي كنتُ سربَ حَمَامٍ , وكانَ حقلْ . وكنتُ فيضاً , وكانَ سمَاءْ . لأنّي كنتُ بين أَمداءِ راحتيهِ أُرَاوحُ كنسمةٍ دافئة ٍ؛ كَنسمةٍ هاربةٍ منْ ربيعِ نيسان ؛ كانَ ( آيوسَ ) الإله .
لا لشيءٍ ,
فقط لتلكَ الأشياءِ الخَفيفةِ , لأشيائِي الرّهيفة ؛ أشيائِي الحبيبة الحبيبة . لأجلهَا , كان بزَهوهِ اللّامنكسرِ , يقفُ متحايلاً كغجريٍّ , لعوباً كنَرد , كذوباً كسارق . لأنّهُ أبداً , كانَ عصيّاً مثلَ بقعةِ صَدأ, وَمُتَشابِكاً مِثلَ عقدة سيّارات .
لأنَّي كنتُ أمَام ناظريهِ أقترفُ وَ إيّاكَ خطيئةَ السّذاجة ؛ نُفسِّرُ الغرابةَ بالهوَس , و نَمزجُ ما بين الحبِّ والجُنون . فَهَاأنذا أعْتَلي بعَدَسَتًيْ نظارتِهِ صورةَ العالم قبلكَ , وصُورَه بعدَكْ . أعاينُ أحوال الأشياءِ قبلكَ وبعدكْ . كيف كانَ البُنُّ قبلك , وكيف كانَ الطّريق . كيف حالُ القرية وَ الجديلة الغضّة , كيفَ كانَ وجه السَّماءِ وصوتُ السَاقية . وها أخرجُ ممَّا جرى و رَاح , كرمادٍ تذروه الرَّياح , أُعاينُ بعَدَسَتَيَّ المُهَشَّمَتَين ,أقداحَ البُنَّ اليابسَ , والطّرقَ الهائمة . أُعاينُ الجدائل المُخشوشنة و وجه السّماء الكَدِر . أُعاينُ أكمة قلبي التَّي انكمشتْ كَجَنينٍ تحتَ وَطأة الغياب , وصارت تتثَنَّى على نفسها مثلَ نرجسةً غريبةٍ رثَّةً ., أُرَاقبُ معها بأسىً صوتَ (آيوسَ) المتلبِّس بالأزرار والقميص ؛ صوتَ (آيوسَ) المُضمحلّ المُتَخَفِّي ما بينَ فيافي ذاكرتي البعيدة .
فقط لأجلِ كلّ تلك الأحوالِ الغريبة .
فقطْ لأجلِ كلِّ تلكَ الأحوال العتيقةِ العتيقَة ؛ أبداً كانَ يزُجُّ أشواكَهُ بحشريّةِ صبّارة , يُغَلّفُ الأقدارَ بالخَيْشِ , ويُلطِّخُ بالقارِ القاتمِ عناوينَ السّطور القادمة .
ذاك الزَّمان الرّدِيء
ذاكَ الزَّمان البعيدُ القريب
ذاكَ الزَّمان الواقفُ ما بَينَ حافَّة روحي الشَّفيفَة وَ بينَ ساكنِ بئرها العميقة..!

غنوة فضة | روائية سوريّة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى