عبدالمنعم المحجوب - ذات يوم صائف..

فى يوم صيف كانت "الحمادة" متّقدةً. وصلتُ مع الغروب إلى علامة اللقاء ولم أجد أحداً، أقمتُ خيمتى وانتظرتُ.. لم أنمْ.
عند الخامسة من فجر اليوم التالى بدأتُ أشربُ.. وصلَ ابن آوى. عند السابعة صباحاً كنتُ ثملاً، ولترٌ من اللهبِ يغلى فى جوفي، وابن آوى نائمٌ يحلمُ بالعَرَبِ.
عاندتْ نسمةُ الصباحِ الشمسَ لساعةٍ كاملةٍ. فى التاسعةِ بدأتُ أعرقُ. فى التاسعة والنصف خُيّل لى أن الشمس تخبّ السير كى تستقر على كفي، وكفى كانت مرفوعةً لا أدرى لماذا، ولكن وضع "سبتيموس" هذا، وهو جدير بتمارين التأمل، أضاف إلى حالتى بعض التاريخ، وإمكانيةَ العلاجِ بالصلاة.
لنصف ساعة أخرى فقدت صِلتى بالأرض. هكذا وقفتُ فى انتظار العاشرة. رسَمَتْ قطراتُ العرقِ سوراً منقّطاً حول ظلّي. سورٌ كأنه عِقْدُ لؤلؤ. قفزتُ خارج السّور. رأيتُ دائرةً تتخلّلُها الثغرات. قلت: من موقعى الاستراتيجى الجديد سوف أحصّن ثغوري.
بدأ العرقُ ينزّ.. وأنا باسم ألف ليلة ونهارٍ منحرفٍ أحاولُ أصوّبُ جيّداً، وأبنى من قطرة عرقٍ حجراً. ابنى من حجارتى جداراً، فإذا تبخّر حجرٌ ألعنُ الشمس خائفاً أن تصّاعد بقية الحجارة.
تذكّرتُ صديقاً شيوعيّاً. قلتُ ما العمل؟ هنا والآن؟ تركت ظلّى يخدعُ سورَ العرقِ ورُحْتُ أبنى سوراً آخر. قلتُ سأدْعَمُ تحصيناتى بالمزيد من الحجارة والذكريات، وفى سمتِ الارتفاع راقبتُ الشمسَ وكان العرقُ جديداً وجيّداً.. وابن آوى يلهث فى ظلّى متربّصاً عقباً يلائم فكّيه.


* منقول عن:
بوابة الحضارات | ذات يوم صائف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى