أسامة محمد لبيب - لعنة السيدة العجوز.. قصة قصيرة

فى يوم يوليوى قائظ، كان الشارع خالياً إلا من بضعة أوزات تصطك أجنحتها من وهج الحر، حينما أرهفت العجوز "فتاتة" السمع لطارق يدق بابها، فنهضت العجوز التى تقيم بمفردها ونظرت من خصاص الباب فوجدت الطارق سائلاً فزمت شفتيها وعادت إلى موقعها من الموقد الخشبى تراقب غليان الماء الذى ستسلخ فيه أرنباً عثرت عليه نافقاً صباح اليوم فى منور الجار.
"فتاتة" هى أشهر عجوز بالقرية، فهى بخيلة قحة، وهى مرابية تقرض الناس بالفائظ، ويتكدس تحت سريرها الحجرى أوانى النحاس التى رهنتها النسوة عندها لموعد والتى تصادرها عند حلول الأجل وعدم وفاء صاحبها بالدين، وكان لديها نهم جنونى فى اغتيال القطط، ولها فى ذلك حيلة عجيبة تتوسل بها فى اصطياد القط إلى الدار، إذ بمجرد أن تلحظ قط يمر بالشارع كانت تلوح له بفأرة ميتة تربطها بخيط رفيع ينتهى إليها وكانت تجهزها لهذا الغرض وتجذب به القط إلى باحة الدار ثم تغلق عليه الباب وتنهال على رأس القط بعصاتها المعقوفة فى ضربات متتالية محكمة فتصرعه ثم تلقى به فى وسط الشارع مهشم الرأس والعظام.
وقد ألمت بمحمود العسكرى ضائقة مالية فنزعت زوجته صفية فردة الحلق من أذنها وذهبت الى العجوز تسترهنه لديها مقابل جنيه واحد فاختبرت العجوز فردة الحلق بين طاقم أسنانها وقبل أن تمنح صفية الجنيه ضربت لها موعداً فى أول رجب:
ـ يعنى شهر بالتمام والكمال بعدها لا تسألينى عن حاجتك.
وحل الموعد المضروب ولم تف صفية بالمبلغ ورهنت فردة الحلق الباقية وأخذت جنيها آخر وطلبت أجلاً واسعاً حتى تسدد الجنيهين دفعة واحدة وتسترد حلقها لكن فتاتة لا تعرف الأعذار وهى وحدها من تحدد مواعيد السداد والمواعيد كالسيف قاطعة ولا تلوم الضحية إلا نفسها.
لكن حادثة جلل وقعت صباح يوم لم يكن عادياً إذ سمع الناس صراخ العجوز فتاتة وهو يكاد يشق الأجواء صخباً وحسرة، فقد سطا اللصوص على دارها وسرقوا صندوق أموالها، وفوهت الأنظار نحو محمود العسكرى وزوجته صفية وجاء الخفر واقتادوهما من الدار وكان الرجل حينها طريح الفراش من حمى أصابته، وتم حبسهما فى حجرة التليفون ببيت العمدة وجاء نفر من الهجامة السود وراح يضرب الرجل وزوجته بالكرباج حتى ينتزع منهما اعترافاً بالجريمة ولكن دون جدوى.
وبعد فترة أطلق سراح محمود العسكرى وزوجته فقد أثبتت التحقيقات أن اللص الذى سرق النقود لم يكسر باب الدار ولا يمكن أن يمرق من فتحة المنور كما أن العجوز لا تبارح دارها لأى سبب ويرجح أن الواقعة تمت وهى موجودة بالدار ثم ضد مجهول قيدت القضية.
وطفقت العجوز لأيام وليال تجوب الشوارع حاسرة الرأس، عارية القدمين، تسأل كل من يقابلها أين نقودي، زهوة العمر وتعب السنين فأخافت الأطفال، ووجلت منها النساء، وتجنبها الرجال، وكان يتناهى كل حين صراخها الملتاع فى هدأة الليل الغميق، فتقض مضاجع النائمين، حتى عثروا عليها ذات يوم ميتة عند الساقية القبلية، و كانت الغربان تنكأ جثتها.
وزعم الناس وقتها أن قطاً من القطط التى دأبت على صرعهم كانت تتلبسه روح جنية مريدة، عزم أهلها على الثأر ممن اغتال ابنتهم غيلة، فسرقوا مالها وسرقوا عقلها ثم قتلوها جزاء بما فعلت.


* نقلا عن :
بوابة الحضارات | قصة قصيرة.. لعنة السيدة العجوز

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى