ابراهيم محمود - نوافذ المعنى

وأنتَ تبحث عن كلمة
كلمة لا على التعيين
مهما كان لونك، جنسك، لغتك، هيأتك
احرص على أن تكون لها نافذة
نافذة بكل معنى الكلمة
ثق تماماً أنك لن تندم على هذه اللحظة
الكلمة تتنفس مثلي ومثلك
وفي بعض الأحايين أكثر
في بعض الأحايين أفضل
في بعض الأحايين أحلى
مني ومنك
حينها ستعيش ما ليس في الحسبان
ستفاجَأ بإشراقة غامرة
إنها فضيلة النافذة
نافذة للكلمة
لها عين واحدة ترى أبعد من أفق حسّك المباشر
تبقيك في نهر الحياة
الحياة ذاتها ستسجلها لك وتهبُك ضوءاً من الداخل
كي تبصر كيف يتفتح اليخضور في النبتة الفتية
الكلمة لن تخيب ظنك
وقد أوليتَها نافذة من هذا القبيل

وأنت بصدد الإتيان بجملة
جملة مفيدة طبعاً
" بالمناسبة، ليس هناك من جملة غير مفيدة
كل الجمل مفيدة إذا أدركت حقيقتها "
إنها النافذة ثانية
أن تقدّر أن للجملة نافذة
لن يكون هناك هدر للمعنى
اللغة عينها ستعترف لك بنباهتك هذه
الجملة ستنعش فيك أخرس الحجر
سترفع من شأنك في عين الثانية
فراشة المعنى ستضع على نافذة جملتك
مهودجة بلطيف الخفة
ثمة نمر سيتمسك بنافذتك وهو يشتعل نبعاً
ربما يقال لك: أيها الملعون لكم أنت نبي رؤيا
كي تراني بحكمة وبري
وأنا أشهر لك الدلالة السانحة
كي تحلّق بنافذتك في فضاء المقابل

وأنت تكتب نصاً
هذا إذا نشدتَه نصاً
إياك ونسيان نافذة
تكون على حجم نصك
" عفواً، اجعلها نوافذ !"
لأنك في حضرة نص
نص يفيض نهراً يزحف إليك وديعاً
شرساً لا يجرح إن أردت
ذلك يتوقف على ألم مخاضك الروحي
للنص نوافذ لا تحصى
وليس من نص دون نوافذ
الكثرة ليست حكمة النصوص
إنما مقام كل نافذة
ما يبقي النص ناطقاً باسمك
ما ينفذ بك إليك عليك بالمعنى
هو جلاء تفهمك لنبالة النوافذ
النوافذ ستجعل لأناملك مفرشاً من حرير
وقد أودعتها ناراً وماء بداية
النوافذ ستدثر روحك بأكثر من سماء
ستأتي ينابيع الدهشة
وهي تترقرق في مباذلها
لصق نوافذك الموزعة في كل جغرافية نصك
لا بد أنك ستقف مبهوراً إزاء هذا الانفجار الكبير للمعاني
لك أن تقف ذاهلاً
وملء جسدك أمم المعاني
إنه آخرك الذي يربض داخلك
آخرك الذي يصلك بالجهات الست
آخرك الذي له حسب ونسب لا ينقسمان
وحدتك الناطقة بلغات الكائنات أجمع
نوافذ تغري التماسيح بالقدوم إليك
باخة عليك بذنبها الصلد
أكثر من موجة بهجة
يقدّم إليك الظلام من جهات غير محتسبة
وهو يتحلل ضوء على مرأى منك
مسلّماً نوافذة مفاتيح الفضاء
حينها ستغيب في نصك
وسيتحرى آخرون رحابتك التي لا تحَد
حيث تتكاثر نوافذك ما بقي دهرك


ابراهيم محمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى