محمود العزازمة - الأستاذ

مهتم بصورة جنونية بتاريخ القضية الفلسطينية ،ومتعمق في تفاصيل احتلال فلسطين ،والاتفاقيات الدولية التي حدثت.
قال :يجوز ما تصدقني ،الموساد الإسرائيلي يراقبني ،لحقوني مرة حتى باب المخيم الكشفي ،تخيل ؟ولما أحسوا أنني كشفتهم عادوا.
ومرة ثانية لقيت جهاز مثل الراديو مدفون أمام عتبة الحوش.
ومرة رحت على الدكان ،وحسيتهم يراقبونني ،يريدون معرفة كل شيء عني ،يهمهم أن يعرفوا شو باشتري من الدكان.
- شو اشتريت؟
- دخان .
- فقط ؟
- وكبريت.
- وبعدين؟
- أنا كاشفهم ،معقدهم ،ما قدروا يعملوا أي شيء معي.
- مصدقك.
- صدق أو لا ،أنت حر.
- أصمت.
- أنت قلت ماذا تدرس؟
- عربي ،تخصص أدب.
- ما بتحس أن في الأدب ثرثرة .
- ممكن.
- التاريخ أمر آخر تماما.
- نحن نترك أثرا حاسما في الحياة والأمة ،نسجل تاريخها ،ونقدم رأي ورؤية ونصيحة.
................-
- الأدباء مثل العازفين ،لاحظ مثلا الشعر لازم موسيقى وكلام فارغ. ثم قال: تعال.
وأمسك يدي ومشيت بمحاذاته حتى وصلنا إلى سيارة بيجو قديمة ومتهالكة ،أفلت يدي وانبطح تحتها وأشار علي أن أنبطح مثله ،مد إصبعه السبابة قريبا من اكزوزت السيارة وقال :فككت من هنا ثلاثة أجهزة تنصت حتى الآن ،وقال مؤشرا على سلك مقطوع :هذا مكانه هل رأيته.
الأستاذ شحادة علي شحادة ،يعمل في التربية والتعليم ،آخر حياته الوظيفية أصبح مديرا للمخيم الكشفي الدائم بمنطقة الكرامة.
منذ شهرين وحالة من الشغف تحتلني نحو ما يطلق عليه إصدارات مطبعة بولاق التي انشئت في مصر قبل مئة سنة ،وقد فتشت مرارا عن بعض هذه الإصدارات في مكتبات عمان ،معظم من قابلتهم أكدوا لي أن المشكلة تكمن في ورق مطبعة بولاق ،ورق ضعيف ورخيص لم يستطع الصمود والاستمرارية مع الزمن ،انقرضت هذه الإصدارات بسبب تلف الورق ،ونصحني محمد الخالد أحد الأصدقاء العاملين في مجال دور النشر أن أبحث عن هذه الإصدارات في البيوت ،وفي مكتبات الناس الخاصة.
ماجستير في التاريخ القديم ،وأعلم أنه مبدع كبير في مجاله ومخلص ،لحد أنه لم يستطع رعاية أسرته كما يجب ،كان يعود من العمل في التربية والتعليم ،فيجد في بيته رجالا غرباء برفقة زوجته ،يطرح عليهم السلام وينسحب إلى غرفته ،عالمه الحقيقي.
رجال شبان مفتولو الشوارب والعضلات ،ونساء يرتدين تنانير قصيرة ،ينتشرون في فسحة أمام البيت ،وموسيقى فجة (دبكات من غير مناسبات) وفي الوسط منضدة عليها زجاجات بيرة أمستل من الحجم الطويل ذي الرقبة المديدة ،قابلني شاب في منتصف العمر ؛أحد أبناء الأستاذ ،وفي يده كأس .
- فوت اشرب لك كاسة.
قلت :الوالد كيف حاله؟
- بخير
- هو موجود؟
- لأ
- كان بودي أن أسلم عليه.
- مرة ثانية
- بكرا؟
- لأ
- متى؟
- لما يفرجها ربك.
- ليكون مات؟
- الوالد لم يمت ،بل هو مريض ،لا يتذكر شيئا .
- تريد كتب ؟الكتب موجودة عندي.
- فوت بس اشرب لك كاسة ،ومد الكأس باتجاه فمي.
- أشكرك ،خلينا في الكتب.
- اطلعت على كراتين الكتب ،فوجئت أنه رتبها حسب التقادم الزمني ،كرتونة للتاريخ الجاهلي ،وأخرى للأموي ،وثالثة للعباسي ،ورابعة للحديث ،في كرتونة الحديث وجدت عشرات الكتب من إصدارات مطبعة بولاق ،وقد عمل الأستاذ على تجليد كل صفحة بالشمع كي لا تتلف.
- حملت الكرتونة ووضعتها في حقيبة السيارة.
- وصوت الشاب المنقبضة أصابع يده على الكأس ،يردد :
- فوت اشرب لك كاسة.
أثناء وقوفنا بجانب السيارة ،اقبل علينا رجل متسخ الهندام كأنه خارج من مفحمة ،يرتدي بلوزة طويل جدا ،قاربت أن تكون ثوبا لولا أنها قصرت قليلا ،وشعر أبيض وطويل ومهمل ،يضع بين قدميه عمود في وضعية ركوب ،يصدر من فمه أصوات كوابح ،ويقول :ابعدوا عن السيارة لا تدهسكم.
قلت أهلا أستاذ شحادة.
- وقف في وضع استعداد والعمود بين فخذيه ثم رفع بصره لي وقال: كيف حالك أستاذ محمود؟
- الحمد لله ،وأنت كيف حالك.
قال الشاب: سيبك منه ،فوت اشرب لك كاسة.
- أشكرك يا عمي خلينا في الكتب.
- ابتسم ،وقال :مش قلت لك الوالد تعبان.
- قلت للأستاذ المتأبط العمود ،جئت لأسلم عليك وأطلع على بعض الكتب ،قال:
- الكتب كبرت وجوزناها.
قبل أن ينطلق وتحته العمود ،قال:
- أي خدمة؟
- شكرا.
بقيت أنا والشاب والسيارة واقفة ،تلفت حوله كم يريد إفشاء سر ،وقال:
- الوالد انجن مثل ما أنت شايف ،وأضاف :إلا نقولها لحضرتك بالبنط العريض ؟

وأضاف :فوت اشرب لك كاسة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى