تيسير النجار - خروج.. قصة قصيرة

رفعت وجهها نحوى وبكت، حاول مساعدتها فى الوقوف، لكنها نهرته، بهت حين قفزت من الكورنيش فجأة، سبحت الأوراق على سطح النهر مثل سمكة مقتولة، كنت كما صورتنى امرأة تفيض أنوثة، رسمت تفاصيلي، جعلت أنوثتى سلمًا لمطامع أرادتنى أحلم بها، تخطط لزواجى من رئيس مجلس إدارة الشركة، الأرمل الخمسينى الذى لديه أبناء فى عمري، أعرف أننى لولاها ما كنت، لكننى أكرهها، أكره عقلى الناقص الذى اختارته لي.
رسبت أكثر من مرة فى دراستى الجامعية ونجحت بمعاونة الدكتور الذى أحبني، ثم أرغمتنى على هجره، لأنه فقير، ما شعورك أن كنت لعبة خيوطها بيد إنسانة مريضة؟ تقتص من نقصانها فيك، أحب القراءة، لكنها ملأت غرفتى بالثياب الحديثة والإكسسوارات وأدوات التجميل وهاتف غال جدًا لا يفارقني، أضعت عمرى فى النظر إليه والحديث إلى كل ذكر يظهر أمامي، لا تملنى فهى تعيش بي، تسللت يومًا خارج الأوراق، كانت غرفتها مغلقة النوافذ، مكدسة بالكتب والمراجع، سرير غير منظم ودولاب مغلق بالإرغام، عود حزين وجهه للحائط أظنه مهجورا منذ زمن، لم أسمعها تعزف من قبل.
فجأة فتحت الباب، قفزتُ داخل الأوراق، كانت عرجاء بسبب قصر ساقها اليمنى، ولا تستخدم العكاز، تميل بخطواتها وتتأفف، ترتدى النظارة عند ولوج عالمي، هناك حرق فى وجهها ممتد إلى عنقها وبداية صدرها، بحثت عن سببه فى أوراقها القديمة ولم أجده، تسهر متحدثة فى الهاتف، تجيب على قراء قصصها، تخبرهم أنها تفضل العزلة وزوجها لا يحب خروجها، لم أر هذا الزوج المزعوم من قبل، تعيش مع والديها العجوزين، تعاملهما بجفاء واضح ثم تبكى وتكتب، سقطت دموعها فى عينى يومًا وأحرقتنى كثيرًا.

حملتنى صباح اليوم بعد ارتداء النقاب والإسدال الأسود، أرهفت السمع بعد أن أمرت جميع زملائى بالسكوت، كان رجلاً يتبعها وهى تصده بعنف، أخبرها أنه يود الزواج منها حقًا، فهو عاشق لقصصها، حاولت الركض لكن ساقها العرجاء أعاقتها، كيف عرف أنها هى ؟ تكتب باسم مستعار ولا تنشر صورها، تمنت لو تزوجته لتكف عن البكاء وعن خلق المعذبين، أريد أن أكون أنا لا ذاتها التى تحلم بها، بلا أصدقاء هي، تصفنا على سطورها فى قصص بلا عنوان، إن قررت النشر تكتب أول ما يأتى على خاطرها، لا أعرف لماذا صندوق بريدها الإلكترونى متكدس؟ هل هذيانها يسمى إبداعًا؟
كانت تمشى على الكورنيش وصوت تنفسها عال، أسرع الرجل خلفها، همت بالهروب، تعثرت بطرف الإسدال، ارتبك جسدها، ارتخت قبضة يدها، سقطت وفى لمح البصر طارت الأجندة عاليًا، غرقت فى النهر، وقفت أخيرًا مستندة على الكورنيش والسيارات المسرعة ترفع الإسدال وتلفه حول جسدها النحيف، وصديقها الذى لا أعرفه مضى نحو الجهة الأخرى، ترى بماذا حدثته؟ شردت قليلاً فى مستقبلي، كان نقابها مبتلاً عند وجنتيها، تأملتها قليلاً وذهبت.


* قصة "خروج" من المجموعة القصصية "خلف الباب المغلق" التى سوف تصدر قريبًا للقاصة "تيسير النجار".


* منقول عن بوابة الحضارات
بوابة الحضارات | قصة قصيرة.. خروج

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى