باقر صاحب - حبُّ سيَابي.. قصة قصيرة

كان يحبُّها، جارته، التي هي في مثل صفه الدراسي في المرحلة الثانوية، كتب قصيدةً، كانت من بدايات شعره، عن ولهه بها ولوعته فيها، حار في كيفية إيصالها إليها، فالأمر خرج عن معضلة التعبير إلى الإرسال، الذي وجد مخرجاً له أيضاً بعد تفكّر..

كانت في بعض كتبه المدرسية، ومنها كتاب الأدب، صفحات ممزقة طلبت منه كواجبٍ مدرسي، هكذا قال لشقيقته الصغيرة أن تقول لجارته السمراء الفارعة، ففعلتْ، واستجابتِ الجارة وسلَّمتِ الصغيرة الكتاب الجديد.

وضع القصيدة- الرسالة، ولكنها الخالية من الظرف البريدي، فقط ورقة دفترٍ مدرسي، في وسط الكتاب .

أعاد الكتاب بوساطة الرسولة الصغيرة أيضاً، منتظراً بلهفة، لما تكون عليه ردة فعل الجارة المعشوقة، مثلاً، دعوتها لشقيقته كي تحمل الرد. وبدأ بإحراق الانتظار برسم السيناريوهات...

لم يعرف أن جارته كسولة، أولا مبالية، فقد انقضت أيامٌ وليس هناك من رسالة، أو دعوة للرسولة، التي لا تعرف ما الأمر، وحلَّت الليلة التي يجب عليها فيها تحضير درس الأدب بحسب الجدول، ولكنها رمت الكتاب في الحقيبة، على أن تقرأ التحضير، ولا تدري ما هو، في الفسح بين الدروس، ولكن ذلك لم يحصل.

حان الدرس، وكان الواجب تحضير أبيات من شعر بدر شاكر السيّاب أو نازك الملائكة أو نزار قبّاني، من دواوينهم، المهم أبيات من الشعر الحر، مدونة في ورقةٍ خارجية.

طلبت منها مدرسة اللغة العربية النهوض وقراءة تحضيرها. ارتبكت وهي تفتح الكتاب لتجد ورقةً... فيها أبيات شعر، فبدأت تقرأ متلعثمةً مصفرّة الوجه يابسة الشفاه...أكملت قراءة الأبيات المكتوبة بخطٍّ واضحٍ وجميل، فسألتها المدرسة، لمن هذه الأبيات؟ حارت.. ماذا تقول، لمع لها اسم في المكان الذي رفعت منه الورقة، فقالت: نزار قباني.. أرادت المدرسة تذكر الأبيات... هي غزل فعلاً، ولكن هل هي

لنزار قباني، لكنها قالت للطالبات: صفقْنَ لها.. جلستْ بارتياح، فقد أنقذتها رسالة

أدركت أنها من الجار العاشق النحيل من ورطةٍ كبيرة.. وطلبت المدرسة منهنَّ في نهاية الدرس تحضير أبياتٍ من شاعر آخر، تشجيعاً لهنَّ على القراءة بالاستعارة الخارجية من المكتبة العامة في المدينة.

قال في نفسه:

- سيكون الأمر كذلك.

عرف من شقيقته، أن اليوم لديها درس الأدب. ستمرّ على بيتهم ونظرات الاستحسان تشرق من عينيها.. أو هي لا تودُّهُ، فتفكّر بردٍّ مهذَّب، مثلاً: لماذا تنقلْ لي شعر قباني، هو كتب لحبيبته وليس لي...

وجاء الرد...عاد إليه كتابها من جديد، وانفرد به في خلوةٍ، ليقرأ رسالتها الجوابية.. صفعته ثلاث صفعات.. فقد كتبتْ بخطِّ سيئٍ، أسفل رسالته ذاتها من دون كلمة شكرٍ أو عرفان:

أرسلْ لي، أبياتاً خارجيةً من شعر السياب.. ذاك الذي

عرفتُ من قراءة حياته في هذا الكتاب أنه أحبَّ سبع نساءٍ ولم تحبه إحداهن..


*شاعر وقاص وإعلامي عراقي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى