أدب المناجم مجدالدين سعودي - رواية ( أهل العتمات ) للأديب عبدالرحمان مسحت.. ارتباط بالواقع المعيشي

برولوغ
تكمن أهمية رواية ( أهل العتمات ) للأديب عبد الرحمان مسحت في انحيازها الطبقي العضوي للمهمشين وارتباطها الوثيق بالفئات المسحوقة والمهمشة والتي توفر – وبمشقة الأنفس – لقمة العيش عبر العمل في الكهوف والمغارات والتعرض للموت البطيء..وحميمية الرواية في التصاقها الوثيق بالأديب عبد الرحمان مسحت لأن بطلها الظاهر والمستتر هو والده.. ورواية ( أهل العتمات ) تبقى : ( أقرب إلى طقوس القصة منها إلى الرواية…ص7 ) حسب الناقد نجيب العوفي الذي يتابع في مقدمته للرواية : ( رواية صغيرة تقارب موضوعا كبيرا وثريا وبكرا، هو معاناة عمال مناجم الفوسفاط بخريبكة ، والفواجع التي يتعرضون لها تحت الأرض وفوقها، من أجل لقمة العيش الشقية العصية، ولأجل أن يتحول التراب الأسود ذهبا ابريزا عند الاخرين…ص7و8..) والرواية كذلك : ( تحكي عن حيوات ومصائر ثلاثة من العمال ” العطاشة ” الأصدقاء…يكدحون نهارهم وسط مغاور وكهوف الفوسفاط….يحكي كل واحد منهم حكايته المريرة الضنكة لمواجهة الموت ومقاومته…ص8و9 )، وهي باختصار – حسب الناقد نجيب العوفي – : ( رواية صغيرة، لكن متعتها كبيرة. ص11 )

لقد اشتغل الأديب عبدالرحمان مسحت على عدة تيمات يمكن تلخيصها كالتالي :

1 ادانة الاستغلال :
يصف الأستاذ عبد الرحمان مسحت الاستغلال البشع لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط على الشكل التالي : (عشرات الهكتارات ابتلعتها آلة الغول الكبير وحولتها إلى مغاور امتدت تحت الأرض، واضطر الفلاح في هذه الحالة إلى بيع أرضه بثمن زهيد اتقاء شر هذا الغول المفترس…يذكر
الغول آلاف الهكتارات لتأمين “ممتلكاته “…ص33 و34 ) وكذلك : ( لم يبق في القرية سوى بعض الدواوير القليلة التي قاومت إغراءات الغول وتشبتت بالأرض مصدر الرزق ومنبع ذكريات الطفولة والشباب…رغم تسمم التربة وموت البهائم…ص34 ) وفي بعض اللحظات ينتفض العامل الفوسفاطي قائلا : (يالوفيس…طز…في ذهبك عندما يصبح وسيلة لسحق كرامة العامل الشريف، وأداة لقتل الأبرياء داخل أغوار الموت…ص20 ) ومع هذا يعترف قائلا : ( إننا كنا ضحية ” لوفيس “…هذا الغول الذي اغتصب حقنا في الحياة من أجل أن يحيا هو، ليكبر، ويبتلع المزيد من الضحايا…ص76 و 77 )..
الاستغلال لا وطن ولا اسم له، فالعمال الفوسفاطيون لم يتعرضوا فقط لاستغلال شركة الفوسفاط بل تعرضوا لاستغلال المرابين كذلك : ( اسم بوعو الزبال الحقيقي هو حمو ” الزيطا”، هو أحد المرابين الذين اشتهروا بهذا النوع من المصارفة، وخصوصا مع العمال – العطاشة بالتحديد – الذين يعملون في الأغوار مقابل حفنة من الدريهمات…ص42 و 43)

2 مفارقات :
يمكن تقسيم حياة الفوسفاطيين إلى مرحلتين رئيسيتين، مرحلة ما قبل الغار، حيث القوة والشباب والسعادة : ( كان قبل أن يعمل في الغار، مثل حصان قوي، يأكل جيدا ويصل قمة نشوته أكثر من مرة دون ملل، كل النساء اللواتي عاشرهن اعترفن بفحولته…ص22 ) ومرحلة الغار حيث : ( أصابته لعنة الحشة بعجز جنسي…ص22 )..
وأبطال الأديب عبد الرحمان مسحت يقومون بمحاولة نكران الذات ونسيان الواقع المرير عبر الالتجاء إلى النساء والكيف والخمر والعيش في الأحلام والمتمنيات..

3 جمالية اللغة :
تتميز كتابات الأديب عبد الرحمان مسحت بلغة عذبة ذات مسحة رومانسية إذ يقول : ( قل للشمس، عندما تجنح للمغيب : إننا مستعدون للتضحية والنضال في سبيل المبادئ الإنسانية الرفيعة…ص77 ) وكذلك : ( أنا ابن الشمس والنور، رسول السلم والعدل للإنسانية. أنا هنا لأضيء هذه المغارة، الحد الفاصل بين الحياة والموت…ص78 ) وأيضا : ( قل للشمس : إن أرواحنا مازالت حية مؤمنة بالله وإنها تنتظر الفرج…ص79 )…
اللغة عند الأديب عبد الرحمان مسحت واقعية وبسيطة لصيقة بواقع الفوسفاط : (الحشة..كومبليزو…جينيورات…شاف بوست….)
4 شخوص الرواية :
– الرحالي : بطل ( أهل العتمات ) شخصية ذات تناقضات كثيرة ومزاج متقلب وحاد : ( وجه المثقف، الهادئ المناضل…ووجه الصعلوك المشاغب السادي…ص36 )..ولنسيان واقع الفوسفاط المرير يلتجئ إلى مخدر الكيف الذي : ( ينعش روحه وينسيه متاعبه وآلامه…ص30 )…
– عبد الغفور : إنسان أمي بسيط عاش منبوذا ومظلوما ومحتقرا مات تحت أنقاض ركام التراب…..
– علال : أصيب بمرض الربو جراء العمل بالغار..رغم سهرات الكيف والخمر يبقى مخلصا ووفيا لزوجته…
– رحيمو : عشيقة الرحالي، حيث : ( المسكينة لا يهمها سوى إشباع بطنها وفرجها…ص30 ) ولا تعترف بالعلاقات الإنسانية حيث : ( تنكرت له بعدما علمت بعاهته وتوقفه عن العمل…ص149)…
– فاطمة : عشيقة عبد الغفور تتميز ب : ( عدم تعلمها القراءة…ص29 ) ومع هذا : (كانت ذكية وموهوبة…ص29 )..وظلت : (وفية لروح عبد الغفور وجاءت لمساندة أصدقائه في النضال..ص149 )..

خاتمة
تبقى رواية ( أهل العتمات ) بسيطة في لغتها وحبكتها الروائية لكنها مشحونة وعميقة في طرحها لمعاناة العمال…

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى