أدب المناجم السهلي عويشي - بولامبة صاحب لحية لايت

"اللي سرا سرا واللي طرا طرا أصاحبي "
هي لازمة ظل يرددها أمامي صاحبي كلما رآني أراوح المكان في دائرة مغلقة من عمل إن وجدته إلى مقهى بالكاد أحصل على مصروفه ،بعدما فقدت البوصلة وتهت في زمن صرت فيه لا أملك حيلة ولا نعمة بعد هول الصدمات والهزائم واللكمات التي تعرضت لها ولا زلت وفي بعض الأحيان أتساءل أما زلت واقفا وأقوى على الحركة والوقوف ؟؟ ثم يجيب نفسه :"البركة وصافي كل شي مشى " وهو يتأمل السكيب 1 الذي تعرض للسكتة القلبية وأتلف بعدما كان فيما مضى ينبض بالحركة "شي طالع شي نازل ...شي..." يتذكر حشود العاملين الذين كانوا يتجمهرون أمامه إما لمغادرته لأخذ حمام دافيء يزيل الأتربة السوداء العالقة بالجسد المثخن بالجراحات والذي حتما لن يزيل ذلك الصدإ الذي بقي عالقا في الذاكرة ،أو استعدادا ليوم جديد للولوج إلى هذه المغارة اللعينة التي لم تورثنا غير الأمراض ،أذكر ذات فجر ونحن نستعد للدخول باطن الأرض أمنا صاحبي لأداء صلاة الصبح ،ما إن بدأ بسورة الزلزلة : (( إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها ....)) حتى انتابنا شعور بالخوف والرعب ،حقا إننا ندخل باطن أرض وهي تتزلزل من أمامنا ،ونحن نستعمل آلة الحفر ، رغم ذلك كنا نلج المكان على متن السكيب المتدلي بأسلاك حديدية غليظة ،"شي طالع ...شي نازل..." لعبة كنا دوما نراقبها ،كنا أحد ضحاياها وأبضالها المأساويين ،لكن لم ندر دلالاتها إلا بعد أن توقف وأتلف حينذاك أدركنا أولئك الذين كانوا في نزول حتى الدرك الأسفل من الفقر والزلط ،وأولئك الذين كانوا في صعود حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه من الرقي الاجتماعي والحضاري ، كل بطريقته وبلعبته التي أتقنها وأجادها ، هذا بالنقابة ،وذلك بالسياسة وبالنياشة ، وذلك ب.....وذلك ب.... أما أمثالي وأمثالك من الذين لا يتقنون هذه الأساليب الخسيسة والرخيصة فمازالوا حيث هم في أماكنهم وفقرهم .....
أذكر مول الرابوز ذلك المخلوق الغريب الذي كان بالكاد يملك قوت يومه كيف تحول بقدرة قادر إلى صاحب شركات وحافلات وضيعات ،لم يكن يعرف إلا أن بيسوط ويسخن الطرح ، كان بارعا في ذلك ،فاستطاع أن يصير له أتباعا ومريدين بهم دخل عالم السياسة والشياشة فكان من أمره ما كان ،فتناقلت أخباره النسوة والصبيان ...
أذكر بوسبادرين الذي كان يزبد ويرغد فينات ونحن نصدق ما يقول حتى أن هناك من أصدقائنا من أطلق اسمه على مولوده الجديد تيمنا ببركاته وصولاته وجولاته في استحمار الشعب واستبلاده والتي لم يدركها البعض إلا بعد فوات الآوان ...
أذكر بو.... الذي كلما أطل علينا وهو يضرب الطاولات صفق له المشاهدون مندهشين ومتحمسين معتقدين أنه المخلص من "الحزقة والحكرة " وأنه سيوزع الثروات بالتساوي ،فأذا هو يوزع الأوهام والشعارات "والهضرة الخاوية " بالإنصاف على عموم الشعب ويصالح بين الفساد ويتوئمه ويآخيه ....
أذكر أولئك الحياحة الذين امتهنوا النكافة السياسية كيف...وكيف....وأنا أتأمل الوضع ولا أقوى على الكلام
أذكر بولامبة داخل تلك الشرايين الفحمية الضيقة ما إن كنا نذكره حتى ترتعد فرائسنا ونود لو ابتلعتنتا الأرض خوفا منه وخوفا على أرزالقنا ، حتى لقمة الخبز التي كنا نحملها معنا كان يسرقها منا ،فلا حول ولا قوة لنا أمام هذا المخلوق الغريب والفريد ..فما أشبه الأمس باليوم ،بالأمس بولامبة باطن الأرض واليوم خارجها ،أذكره كان ذا لحية كثيفة فصار يصففها يرتبها ينقص منها كلما دعت الوداعة ذلك إلى أن أصبحت ميني لحية أو لنقل لحية لايت ،وقد بدت آثار النعمة عليه فانتفخت أوداجه واحمرت وجنتاه فصار يستعرض عضلاته على أمثالنا من "الحزاق" عوض أن يستعرضها على أولئك الذين يعرفهم ونعرفهم بأسمائهم وصفاتهم وألقابهم فصار زيد بن اليزيد بن بوزيد :" أراك لفراجا ...أرى برع زد في المازوت ...زد في الضرائب ...زد في الما ...زد في الضو...زد هنا زد لهيه ...كول هنا ...كول لهيه ....طلع هنا ...طلع لهيه...وهنا أحسن من لهيه...." فجمع وطوى ...لم يكفه هذا فتفقت عبقريته وسنطيحته بأن اقترح على معشر بني كلبون الشرب من المجاري الصحية ومن مياه الأمطار تفاديا للأسعار الملتهبة وأن يعودوا إلى أيام زمان زمان لامبة والكربيل مصباح علي بابا حتى يبقى راسخا في أذهانهم ،وحين يأتي اليوم المعلوم فلا داعي لأنضاره أن يقطعوا أحذيتهم وينزلوا للشوارع والمداشر والساحات ،فالكل يذكر لامبة وما دارت فيه ،وبالتالي ينال مبتغاه ويحقق مراده في احتفال ديمهراوي بهيج ففي عهده فرخت الديناصورات والعفاريت والتماسيح ،صرنا أمام ديناصورات صغيرة في طور التدريب وتتكيف على التدنصر ولربما في الغد المعلوم صارت ديناصورات لأن " الحنش ما تيولد غير ما طول منو "
لما أثقلت على صاحبي بالكلام قاطعني قائلا : أوما زلت تذكر هؤلاء وتحتفظ بألقابهم ...؟؟؟
قلت له : لم لا وأنت تعلم حجم ما اقترفوا وما اغتصبوا والتي لن تكفرها حتى تحرير فلسطين وإطعام الصين
لم يمهلني حتى أكمل وقاطعني بنبرة لا تخلو من حزن دفين : مخطيء يا صاحبي فلن يذكرهم أحد.


ـــــــــــــــــــــــــ
1 السكيب : آلية مثل قاطرة حديدية كانت تدخل عمال المناجم إلى باطن الأرض أو تخرجهم منها وكانت تشد بأحبال حديدية غليظة .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى