حسين البلتاجي - يوسف.. نون.. قصة قصيرة

الفجر أعمى
الفجر يمشي في الطريق وئيدا وئيدا . وأنا أنتظره . ربما كنت وحدي .. وربما كان غيري آخرون ينتظرون . لكني وحدي ، كنت اتلفع بالظلام . أحتسي بنهم شبقي حثالة كاس الضباب .. وكانت امرأتي تبكي بجواري ، والسين تجر الصاد في درب، واليل يضحك مفتوح العينين ، فأضطر أن أشارك امرأتي البكاء !
***
الشفق الاسود
حلت اللحظة الغاشمة . قاسية كفوهة بركان فائر ، وانسحب الفجر الأعمى متراجعا ، وتقدم الشفق الأسود وئيدا وئيدا . وأنا انتظره. ربما كنت وحدي. وربما كان غيري آخرون ينتظرون . لكني كنت وحدي ، أستحم في المستنقع . أغوص بتلذذ في غيبوبة الألم . وكانت امرأتي بجواري تبكي. والميم تجر النون في طريق سفلي ، والصبح يشرق بالدمع ، فأضطر أن اشارك امرأتي البكاء !
***
ملاحظة
السين والصاد .. والميم والنون .. أحرف غير ذات دلالة .
***
الصبح الباكي
كنت أغوص في بحيرة الظلام المشمس . على مهل أغوص ، حتى فروة الرأس، غطاني الوحل . وكانت الأضواء الكابية في العمق ، ترتشق حبيبات عيني .. وودت لو أبكي ، لكني لم أستطع ، فضحكت ساخرا من عدم قدرتي ، ورددت الأشياء المهملة في القاع أصداء ضحكتي . في هذه اللحظة بكيت ، ورأيت الصبح الباكي يشاركني البكاء ، فاضطرت زوجتي التي كانت بجواري أن تشاركني البكاء.
***
القاع الدنس
في قاع المستنقع ذي الأطراف الهلامية ، رأيت يوسف . كنت أبكي في اللحظة الأخيرة ، ثم كنت سأموت ، لكني حينما رأيته ، ردت إلى الروح . استبدلت البكاء بابتسامة . قلت له وهو لا يسمع ولا يرى : " يا يوسف .. أأنت هنا؟" .
لم يرد . غمزته بطرف إصبعي السبابة اليسرى ، فالتفت عابسا . رأيت عينيه المفقوئتين اللتين تسيل منهما الدماء البيضاء.
قال ، وهو يمد أصابعه في فراغ اللحظة : " هل أنت انت ؟" .
فلما قلت أنني هو أنا .. ابتسم كاشفا عن أسنان تلمع كوميض مدية تحت الشمس ، وقال بلا حقد :" أنت لست انت! ".
***
أحرف غير ذات دلالة
" ج. م. ح ".
***
جمل اعتراضية
1ـ الفجر أعمى ، لكنه يجعلنا نرى.
2 ـ الشفق أسود ، لكنه ينير القلوب .
3 ـ الملاحظة ، غير ذات معنى كالأحرف سواء بسواء .
4 ـ الصبح الباكي ليس له عيون.
5 ـ القاع الدنس ، موحل ودنس .
6 ـ الأحرف ، تحتاج إلى مكتشف جديد ، غير جاليليو ودارون والأتقياء.
***
النون
" نون ، والقلم وما يسطرون".


* نشرت هذه القصة في مجموعة " الرقص فوق البركان" ، الصادرة عن سلسلة " إشراقات أدبية" ، رقم 47 ، سنة 1989.


* نقلا عن:
- صدى

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى