ألف ليلة و ليلة طلعت رضوان - ألف ليلة وليلة.. الأصل فى حكاية "الليالى التسعة" لأبناء الملك خوفو..

جاء فى مقدمة (ألف ليلة وليلة) أنّ الملك شهريار ضبط زوجته مع أحد (العبيد) فسحب سيفه وقتلهما وهما فى الفراش. بعد تلك الليلة ((كان الملك شهريار يأخذ كل ليلة بنتا بكرًا يأخذ وجهها ثم يقتلها)) استمر على هذا الوضع مدة ثلاث سنوات فضجّ الناس وهربوا ببناتهم إلخ. أمر الملك الوزير بأنْ يأتيه ببنت فلم يجد. دخل بيته مهمومًا فسألته ابنته شهرزاد عن سبب حزنه، فلما أخبرها قالت له ((زوجنى هذا الملك)) وفى ليلة الزفاف بكتْ فسألها الملك عن سر بكائها فقالت ((إنّ لى أختا صغيرة وأريد أنْ أودعها. فأرسل الملك إليها فجاءتْ إلى أختها وعانقتها وجلستْ تحت السرير فقام الملك وأخذ بكارتها وجلسوا يتحدثون فقالت لها أختها الصغيرة بالله عليك يا أختى حدثينا حديثــًا نقطع به سهر ليلتنا فقالتْ حب وكرامة إنْ أذن لى الملك فأذن لها)).
ذاك المدخل الساذج والمهين للمرأة من جانب، وتعطش الملك للدماء (بدافع الانتقام) من جانب آخر، وحيلة شهرزاد (الأكثر سذاجة) فى أنْ تحكى للملك حكاية كل ليلة، كل تلك الحُجج الواهية كانت السبب فى تسمية الحكايات باسم (ألف ليلة وليلة) وهذا ما لفتَ نظر د. سهير القلماوى إذْ ذكرتْ أنّ موضوع الخيانة والقتل تم دسهما دسًا فى مقدمة الليالى (هيئة الكتاب المصرية- رسالة الدكتوراه– مكتبة الأسرة- عام 97- ص 307).
أما سبب تعدد الليالى فى حكايات وأساطير الأدب المصرى القديم، فإنّ المؤلف ابتدع مدخلا شيقــًا وإنسانيًا، إذْ طلب الملك (خوفو) من أبنائه التسعة أنْ يستأثر كل واحد منهم بليلة يحكى فيها حكاية من وحى خياله. وهكذا جاءتْ (الليالى التسع) أو(الحكايات التسع) الواردة فى برديات (وستكار) التى ترجع إلى عصر الدولة القديمة (2800ق. م) وكما كتب عنها د. سيد كريم فإنها ((تـُعتبر من أشهر البرديات التى أبدع فيها الأديب المصرى القديم الخروج من عالم الواقع إلى عالم الخيال.. كما تـُشبه قصص برديات وستكار فى طريقة سردها وتسلسلها وتعاقبها واحدة بعد الأخرى قصص ألف ليلة وليلة)) (الكاتب المصرى وأدب القصة العالمى- كتاب الهلال- يوليو 88- ص25) وهو الأمر الذى أكده عالم المصريات الكبير سليم حسن الذى كتب عن قصة (الملك خوفو والسحرة) الواردة فى برديات (وستكار) أنه ((عندما تقرأ هذه القصة تلمس فى أسلوبها والغرض منها روح قصص (ألف ليلة وليلة) فهى سلسلة من القصص تـُعتبر الأولى من نوعها)) (الأدب المصرى القديم- كتاب اليوم- مؤسسة أخبار اليوم- 15 ديسمبر90- ص 84).

تبدأ القصة بأنّ الملك خوفو (بانى الهرم الأكبر) جمع أولاده وطلب أنْ يقص عليه كل منهم قصة. قام أحدهم وذكر قصة عن ساحر لم يزل على قيد الحياة، وأحضره أمام الملك. وكان هذا الساحر لديه قدرة إعادة الحياة للحيوانات التى تم فصل رؤوسها عن أجسادها. سأله الملك ((أصحيح ما يُقال من أنك يمكنك أنْ تـُركب ثانية رأسًا قد قطع؟)) فقال الساحر ((نعم يا مولاى)) فقال جلالته ((أحضروا لى سجينــًا (صدر ضده حكم بالإعدام) من السجن)) فطلب الساحر من الملك أنْ يعفيه من إجراء التجربة على أى إنسان وقال ((أليس من الخير أنْ تكون التجربة على بعض الماشية أو الطيور؟)) استجاب الملك لرغبة الساحر وأمر بإحضار (أوزة) ففصل الساحر رأسها، ووضعتْ الأوزة فى الجانب الغربى من القاعة ورأسها فى الجانب الشرقى، ثم تلا الساحر(واسمه ددى) تعويذة سحرية فوقفتْ الأوزة ومشتْ وكذلك فعل رأسها. ولما وصل أحد الجزأيْن إلى الآخر وقفتْ الأوزة وصاحت. وجاءوا له ببطة فعمل فيها بالمثل. ثم أحضروا ثورًا فجعل رأسه يسقط على الأرض وتلا الساحر تعويذة فوقف الثور وعادت إليه الحياة.
وعن رفض الساحر إجراء تجاربه على أى إنسان كان تعليق سليم حسن ((نجد فى هذه النقطة عاطفة الشفقة التى أظهرها الساحر، والتى لم نجدها إلاّ بعد قرون عدة، وأعنى أنها عاطفة ظهرتْ فقط فى العصور الحالية)) (المصدر السابق – ص 93).
الحكاية التالية حكاها أحد أبناء الملك خوفو عن جده الملك (سنفرو) والد الملك خوفو الذى كان له فى دهشور الهرم المزدوج المعروف باسم (الهرم المنحنى) ويعتقد بعض علماء الآثار أنه فى عهده تم بناء هرميْن آخريْن (ميدوم – فى بنى سويف حاليا وفى دهشور الشمالية) وكشفتْ الحفائر التى تمت فى معبد الوادى للهرم الأول عن بقايا تمثال جميل لهذا الملك القوى من ملوك الدولة القديمة.

خوفو

بعد هذا التقديم بدأ الحفيد يحكى عن جده الملك (سنفرو) الذى خرج إلى البحيرة المُلحقة بالقصر ليشم الهواء ومعه الأميرة (ميرى) وركبا السفينة. وكان معهم عشرون وصيفة بعضهن يعزفن على الآلات الموسيقية وبعضهن يُغنين. انتبهتْ الأميرة (ميرى) إلى أنّ القرط (الحلق) الذى كان فى أذنها قد سقط منها ووقع فى ماء البحيرة. بكتْ الأميرة لأنّ القرط كان على شكل سمكة ومصنوع من الذهب والفيروز. حاول الملك تهدئتها وطمأنها بأنه سيطلب من صانع المجوهرات أنْ يصنع لها قرطــًا مماثلا. ولكن الفتاة استمرتْ فى البكاء وأصرّتْ على التقاط القرط الذى سقط فى الماء. احتار الملك (سنفرو) ماذا يفعل. ثم تذكر كبير السحرة (جاجام عنخ) فاستدعاه. ركع كبير السحرة على شاطئ البحيرة، وتلا بعض التعاويذ السحرية، ثم ضرب سطح الماء بعصاه فانشقّ ماء البحيرة وكان عمقها إثنى عشر ذراعًا. انكشف قاع البحيرة وبان كما الأرض اليابسة. نظر الملك والأميرة والوصيفات فى قاع البحيرة اليابسة، فإذا بعيونهم تتسمر على موضع القرط الذهبى. فرحتْ الأميرة والملك وعزفتْ وغنـّتْ الوصيفات.
وفى ليلة أخرى حكى أحد الأبناء عن حكاية فيها الكثير من الفكاهة مع الخيال، إذْ أنّ زوجة تخون زوجها. فلجأ الزوج إلى أحد السحرة وطلب منه أنْ يصنع تمثالا لتمساح من الشمع، وبعد أنْ استلم التمساح الشمعى، ألقاه فى البحيرة التى تتقابل فيها الزوجة الخائنة مع عشيقها. ثم طلب من الساحر أنْ يجعل الحياة تدب فى التمثال الشمعى ليصير تمساحًا حقيقيًا. ففعل الساحر وإذا بالتمساح يفتح فمه ويبتلع العشيق. ثم أمر الزوج زوجته أنْ تلقى بنفسها فى البحيرة لتلحق بعشيقها.

وفى ليلة أخرى حكى أحد الأبناء قصة تـُعتبر من القصص التى جمعتْ بين الخيال وتوظيف السحر: مرة بهدف الشر، ومرة لتعميق معنى الخير. القصة بعنوان (تميمة حتحور) تدور بين أختيْن (ميريت وتارى والطرف الثالث الأمير تاوى) الأمير مولع بحب الأخت الصغرى، تلجأ أختها الكبيرة إلى ساحر معبد حتحور(إلهة الحب والجمال فى الميثولوجيا المصرية) ليصنع لها تميمتيْن: عبارة عن نصفىْ قلب بكل نصف تعاويذ خاصة. وطلب منها أنْ تحمل إحداهما أما النصف الآخر فتـُعلقه فى رقبة الأمير، فتتولى التميمة التأثير عليه ليظل على حبه لها. وفعلتْ الأخت الكبيرة ما طلبه منها الساحر، إذْ طلبتْ من الأمير أنْ يخلع القلادة التى يُعلقها فى عنقه لتضع له فيها شيئـًا يتذكرها به. فرح الأمير وخلع القلادة (بحُسن نية) ولأنه لا يعرف مكيدة الأخت الكبيرة، إذا به يتحول من حب أختها الصغرى إلى حبها هى. وعندما تأكدتْ الأخت الكبيرة من أنّ التميمة أدّتْ دورها، طلبتْ منه عقد القران فى المعبد.
اندهشتْ الأخت الصغرى من تحول الأمير. حكتْ ما حدث لأحد السحرة، فطلب منها أنْ تأتى له بأى شىء يخص الأمير. عندما فعلتْ ذلك عرف أنّ السر يكمن فى القلادة التى يُعلقها فى رقبته. تعاطفتْ إحدى وصيفات الأمير مع الفتاة فأحضرت لها القلادة وبها التميمة. أخذت الفتاة التميمة وطلبتْ من الوصيفة أنْ تـُعيد القلادة مكانها. بعد هذا المشهد يحدث تطور درامى لم يتوقعه القارئ، إذْ أنّ الأخت الصغرى وقد علمتْ من الساحر أنّ التميمة هى نصف لتميمة توأم وأنّ النصفيْن مرتبطان ببعضهما البعض، ففكرتْ فى طريقة عملية ترد بها على مكيدة أختها. أهدتْ التميمة لواحد من الخدم دميم الوجه. قام نصفا التميمتيْن بعملهما، فانجذب الخادم للأخت الكبرى التى انجذبتْ له تلقائيًا. وتكون النتيجة أنْ يهربا من القصر كطلب الأخت التى خشيتْ افتضاح أمرها وغدرتْ بأختها. يعود الأمير إلى الأخت الصغرى ويعتذر لها ويتزوّجها. وتنتهى القصة بمفاجأة جديدة إذْ طلبتْ الأخت الصغرى من الساحر إبطال مفعول نصفىْ التميمة شفقة بأختها التى عادتْ للقصر واعترفتْ بأنانيتها. وكاتب البردية مثله مثل كبار المُبدعين فى العصر الحديث (الإيحاء أبلغ من الإفصاح) فترك للقارىء استخلاص الهدف الإنسانى من قصته: وهو أنه لا يجوز استخدام السحر فى أعمال الشر. كما أنّ الأخت الصغرى بعد أنْ عادت لحبيبها تخلصتْ من رغبة الانتقام وأشفقتْ على شقيقتها.
هذه القصص هى بعض (الليالى) فى الأدب المصرى القديم الذى سبق ألف ليلة وليلة بآلاف السنين، ومع مراعاة الفرق بين ثقافتيْن وبيئتيْن.



* نقلا عن بوابة الحضارات
http://hadarat.ahram.org.eg/Article...3%D8%A8%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7-%D8%9F-161017

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى