أيمن مصطفى الأسمر - القيادي

الانضباط التنظيمي والقدرة على الحشد هو ما نجحنا في اكتسابه عبر أجيال متعاقبة وخبرات قاسية ومتنوعة، كنت أتفاخر أنا وبعض زملائي أننا نستطيع أن نحشد جمعا من الناس في شارع أو ميدان أو حتى ملعب لكرة القدم بأي عدد نرغب فيه خلال ساعة واحدة، لم يأت هذا الأمر بسهولة بل تعلمناه تدريجيا عبر عقود من الاضطهاد والترويع الذي تعرضنا له في عصور مختلفة، ورغم التضحيات والخسائر الهائلة التي واجهتنا فقد تحملناها بشجاعة وصبر، أنا شخصيا تعرضت للاعتقال مرات عديدة ولأسباب مختلفة، واجهت في بعضها أنواعا شتى من التعذيب النفسي والبدني، لم يخل الأمر في بعض الأحيان من مواجهة العنف بالعنف، فلدينا القدرة على ممارسة العنف ضد الآخرين كما يمارسونه هم ضدنا، إلا أن ذلك كان استثناء ولم يكن قاعدة، ونجحنا على الدوام أن نحافظ على بقائنا وتواجدنا داخل القلوب والعقول، داخل النجوع والقرى والمدن، بل نجحنا في أن نهاجر بدعوتنا إلى خارج حدود البلاد، وأن نؤسس كيانات تابعة لنا متعددة الأشكال والنشاطات في العديد من الدول بحيث تصبح ظهيرا قويا داعما لنا بالمال وغيره من وسائل الكفاح والدعوة، وبمرور السنوات شيدنا خبراتنا في التعامل مع الحكام على اختلاف توجهاتهم، ومع الأمن بأنواعه، ومع السياسيين بمختلف انتماءاتهم وتياراتهم، وتعلمنا أنه يمكن أن نعقد الصفقات أحيانا مع هؤلاء وأولئك، صفقات سرية أو علنية .. فلكل مقام مقال ولكل حادث حديث، الأهم من كل ذلك أننا تعلمنا كيفية التعامل مع البسطاء من الناس، والعزف على وتر احتياجاتهم ومطالبهم البسيطة، فكنا دائما الأقرب لأفراد هذه الفئة الأخيرة، ساعدنا في ذلك أن الدين هو مدخلنا الدائم إليهم، فضلا عن استغلال أخطاء الآخرين وتجاهلهم الفعلي لا اللفظي لمعاناة هؤلاء البسطاء، نستغل أيضا تعاطفهم معنا بسبب ما نتعرض له من ظلم واضطهاد، ننتظر اللحظة المناسبة التي تأتي فيه لعبة الصبر تلك بثمارها، فنتحكم نحن في العملية السياسية بكامل تفاصيلها لا أن نكون فقط جزء منها، لا نغامر كثيرا في مواجهتنا للنظام بل نحافظ في علاقتنا به على شعرة معاوية، وعندما تحرك الشعب غاضبا وكان ذلك مفاجئا استوعبنا الأمر سريعا، ورأينا أنها قد تكون الفرصة التي انتظرناها طويلا، فحرصنا على أن لا تضيع أبدا من بين أيدينا، تطلب الأمر قدرا كبيرا من المناورة مع أطراف شتى، مع السلطة العسكرية التي حلت محل الحاكم وأعوانه .. وهي في الواقع جزء من نظامه، ومع القوى السياسية التقليدية التي ظنت بسذاجة أنها سترسم هي لنا الطريق وتستولي على السلطة بتعاونها مع العسكر، أو تلك الشبابية الثورية التي ظهرت فجأة من المجهول واستغلت شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت لحشد طاقاتها، كنا أسبق منهم جميعا إلى طبقة العسكر وإلى جموع البسطاء من الناس على السواء، فوجهنا مسار الأحداث إلى الاتجاه الذي يخدم مصلحتنا في الوصول إلى السلطة، ولعبنا على حبال الفوضى والاضطرابات المتكررة التي تندلع لأتفه الأسباب وأقلها شأنا لتوقع المئات من الضحايا، ورغم المقاومة الشرسة التي واجهتنا، وبعض التخلخل الطارئ في انضباطنا التنظيمي نتيجة لانفتاح الساحة أمامنا بصورة غير مسبوقة، إلا أننا نجحنا في أن نفرض خطتنا على الجميع، فاكتسحنا مع حلفائنا الجدد الانتخابات البرلمانية، وأتبعناها بالرئاسية بعد ضغط مارسناه على الصعيدين الداخلي والخارجي، لنصبح نحن ولأول مرة في موقع السلطة والمسئولية، فتحول حلم عشرات من السنين إلى واقع وحقيقة، ورغم التشوش الذي يحيط بنا داخليا وخارجيا، بل أصاب بعضا منا بالآثار السلبية للأضواء والسلطة، إلا أننا عقدنا العزم على أن نستغل الفرصة التي جاءتنا ولا نفلتها أبدا، ولأول مرة في تاريخنا الطويل سيطرنا على السلطة التنفيذية والتشريعية معا، وقطاع لا بأس به من الإعلام والقضاء، فبدأنا بشكل سريع وربما أسرع بكثير مما أراده بعض قياداتنا في صبغ الدولة والمجتمع بصبغتنا، واجهتنا مبكرا مقاومة شرسة من تحالف هش من قوى سياسية تقليدية متنافرة الأهداف والأيدلوجيات لا يجمعها إلا كراهيتها لنا وحقدها علينا، فضلا عن تيارات شبابية ثورية وأخرى من أقطاب النظام القديم والمنتفعين من ورائه، والأخطر من ذلك دور خفي للجيش والشرطة وأجهزة أخرى في تعويق عملنا واختلاق مشكلات معيشية متعددة لدفع البسطاء من الناس إلى الانفضاض عنا، ربما نكون قد أسأنا تقدير مدى قوتهم الحقيقية ـ وهم ليسوا في الحقيقة أقوياء ـ لكن الظروف المضطربة داخليا وخارجيا ساعدتهم، فتعاملنا معهم باستخفاف مبالغ فيه، لكن في النهاية كان الجيش هو الذي حسم الأمر لصالحهم، ولو ترك الأمر بينا وبينهم دون تدخله لاستطعنا التغلب عليهم ودحرهم، لجأ الجيش إلى الحشد ضدنا مستغلا مخابراته وقدراته ليكون رأيا عاما معاديا لنا، ثم استغل تحرك الناس في الشارع لينقلب علينا، وبدأت على الفور حملة مروعة من التشويه والملاحقة ضدنا، قررنا المقاومة وعدم الاستسلام، فرفضنا الاعتراف بشرعيتهم في حين تمسكنا نحن بشرعيتنا، هم أرادوها دما فلتكن كذلك، نجحنا في أن نبدأ اعتصاما مفتوحا وجذبنا إليه مئات الآلاف من مؤيدينا، ظل اعتصامنا شوكة في حلقهم حتى قرروا التخلص منه بالقوة الغاشمة، ورغم المئات ممن سقطوا ضحايا أو اعتقلوا إلا أننا قررنا الاستمرار في المقاومة إلى النهاية، نهايتهم هم لا نهايتنا نحن، نجحنا في تحريك أنصارنا في دول عدة فأصبحوا من وسائل الضغط التي نجحنا في استخدامها لمواجهة المنقلبين علينا، اتبعنا معهم المبدأ الأزلي .. العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم، فأصبح الأمر سجالا بيننا وبينهم، منتظرين أن تحرقهم النار التي أشعلوها فنستعيد زمام الأمور بين أيدينا.

أبريل 2014
نص من كتاب لم يكتمل بعد
بعنوان "شخصيات من كتاب الثورة"

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى