ريم خيرى شلبى - العودة.. من حكايات ريم خيري شلبي

كان عمرى حوالى تسع سنوات عندما شعرت بألم فى صدرى.. وضعت يدى على صدرى أتحسس موضع الألم.. كان هناك حبة تتدحرج تحت إصبعى أسفل حلمة صغيرة جدا كحبة الحمصة.. خفت كثيرا وأقشعر بدنى وذهبت لأمى أخبرها أن هناك شيئا صغيرا جدا يتحرك تحت إصبعى ويؤلمنى كثيرا.. وضعت يدها ثم إبتسمت وأخبرتنى أنها الترمسة (ما معنى الترمسة) سألت نفسى فى حيرة.. قالت إنها زهرة أنوثتك تتفتح.. ظللت أراقبها وهى تكبر يوما بعد يوم.. وصرت أخجل كثيرا إذا ظهرت من خلف فستانى الصغير القصير.. مرت الأيام بطيئة لا يحتملها صبرى.. متى أصير أنثى كبيرة.. ترى سأشبه من.. ربما فاتن حمامة.. أنا أعشق فاتن حمامة.. لم تكن تستهوينى سعاد حسنى رغم حبى لها فيما بعد عندما بدأت فى النضوج.. تكورت مؤخرتى وتكور ثديى وأصبحت إمرأة صغيرة.. كنت نحيفة جدا.. ولكن جسدى مرسوم فى شكل أنثوى.. كنت أنظر لزميلاتى فى المدرسة الإعدادية وأنا متعجبة.. هن ناضجات فائرات العود كنساء يرتدين ملابس متوحدة المظهر.. حتى حديثهن لا يشبه حديثى.. يجتمعن فى ثنائيات.. يتحدثن عن شباب يحبهن..عن مغامرات وعن قبلات ومواعدات.. يالله متى عشن كل هذا وأين كنت أنا.. كنت هنا فى بيتنا الوحيد المسكين فى حى المعادى الحديدة.. بيتنا الذى يتكون من طابق واحد وحديقة صغيرة.. لا أرى غير أمى وأخواتى وأبى فى بعض الأحيان.. لم يكن لدينا جيران ملاصقون.. هناك بيت أو بيتان هنا وهناك وبعض البيوت الحجرية يسكنها عرب مهجرون من العريش. إستوطنوا بالقرب من ترعة متشعبة الفروع تمتد من نهر النيل إلى صحراء جبل المقطم.. لذلك لم أعرف يوما ما شعور حب إبن الجيران.. مرت الأعوام الباقية على سن العشرين كقطار يسير على قضبان بلا توقف.. يتغير شكلى قليلا.. أكتسبت بعض الطول.. والقليل من الوزن.. والكثير من الأنوثة.. ظل صدرى يملأ ملابسى أنوثة بريئة.. ولكن تلك الترمسة المزعومة ظلت تكبر بداخله أيضا.. ظلت تتدحرج تحت إصبعى كلما لامستها.. كنت قد تعودت عليها.. رغم ضيقى وقلقى منها بعد أن بدأت أسمع عن سرطان الثدى.. ووجوب الحذر منه وملاحقته فى وقت مبكر.. كنت أسجل إحدى حلقات برامج المرأة فى الإذاعة وإذا بضيف الحلقة يشرح شكل وكيفية إكتشاف المرأة لهذا المرض اللعين.. أخبرته عن هذه الكرة التى تسكن صدرى منذ الطفولة.. طلب منى أن أحضر إلى مكتبه بمستشفى الدمرداش فى أقرب وقت ممكن. وبالفعل ودون أن أخبر أحدا ذهبت إليه بعد إنهاء عملى فى اليوم التالى.. وبعد الكشف والتحاليل اللازمة دخلت غرفة مقبضة واسعة كأنها الكون كله.. وضيقة على صدرى كأنها حبل المشنقة.. أحضر الطبيب الصغير قلما وطلب منى أن أضع يدى مكان الكرة الصغيرة التى تسكن بداخل ثديى الأيمن.. ثم قرب القلم نحوى وأنا أرتعد من الخوف لقد كانت الجراحة الأولى فى حياتى.. واللمسة الأولى لجسدى البريء.. وبعد أن وضع علامته.. أتى دكتور أخر وطلب منى أن أعد لرقم عشرة وهو يضع سرنجة فى يدى.. لم أكمل أكثر من ثلاث عدات..
ريم خيرى شلبى.. أنا... ريم خيرى شلبى.. .أنا.. لماذا لايرانى أحد ولا يسمعنى أحد.. أراهم وهم ينادوا بإسمى فى طابور المدرسة فى اليوم الأول للدراسة واليوم الأول لحياتى الدراسية... رجل يمسك ميكرفون وينادى ريم خيرى شلبى.. وأنا أرد أنا.. ولكن أحدا يسمعنى صرخت بكل قوتى.. وإذا بى أعود من غيبوبتى فى غرفة الإفاقة ودكتور التخدير يضرب بقوة على خدى ودموعه تنهمر وينادينى ريم ريم.. وأنا أرد أنا.. ريم خيرى شلبى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى