أمل الكردفاني- فيسبوك - الهيروين الرقمي *(كيف تمت برمجة فيسبوك لتدمير الصحة العقلية لشعوب العالم)

✍ يمكنني أن ابدأ هذا المقال من عدة زوايا ، يمكنني أن ابدأ من زاوية علم نفس الانترنت ؛ وهو علم جديد ، لكنني سأكون حينها قد ساويت بين كل عالم الانترنت وبين الوسيلة الأكثر تدميرا للصحة العقلية وهو فيس بوك . يمكنني ان اسرد العديد من ملخصات الابحاث العلمية التي تناولت الاثر النفسي الضار لاستخدام فيس بوك جراء الاستخدام المتواصل له ، لكنني لو فعلت ذلك سأكون قد حولت الجاني الى مجني عليه فوق أن هذه الدراسات قد اشتغلت على تخوم فيس بوك أقل من اشتغالها الغالب والذي انصب على المستخدمين. لا استطيع تبرأة مراكز البحث هذه ابدا من أحد احتمالين:
- اما السذاجة .
- أو التآمر.
في فيلم عن الاعلام كآلة تسويق ؛ كان بطل الفيلم مسوقا ماهرا لشركات التبغ. كان يدخل في مناظرات عنيفة جدا ثم يخرج منها منتصرا للسجائر. شركات السجائر منحته مئات الالاف من الدولارات لذكائه في تفنيد حجج جماعات الضغط التي تحاول محاربة التدخين. جلس هذا الشاب الذكي وأخبرنا بأنك كمناظر لأشياء مضرة بالصحة يجب أولا ان تكون صادقا لدرجة الكذب وكاذبا لدرجة الصدق. عليك ان تطرح كافة الآراء المتناقضة الايجابية والسلبية لتخلق مبدئيا شعورا بنسبية الآراء وعدم حسمها لمدى ضرر هذه السلعة . ثم بعد ذلك تبدأ في تعزيز رأيك وتدمير حجج خصمك عبر زرع الشكوك في عقول المشاهدين.
كم شخصا مات من السجائر وكم شخصا مات من حوادث المرور؟ حوادث المرور طبعا هي الاعلى نسبة كسبب للوفاة ، إذن لماذا لا نمنع الناس من قيادة السيارات؟
هذه هي بداية التشكيك في اضرار التدخين...
وهذا بالضبط ما حاولت فيسبوك فعله عبر الابحاث التي صدرت ممن تدعمهم لتعزيز الشك حول امكانية تسبيب الفيس بوك لاضطرابات عقلية لمستخدميه. لذلك كانت تلك الابحاث دائما تميل الى تأكيد شيئين:
- أن اضرار الفيس بالصحة العقلية محل خلاف.
- أن الاضرار التي قد تحدث سببها هو المستخدم وليس فيس بوك نفسه.
ويمكننا ان نرى مدى الخبث الذي تدير به فيسبوك صراعها ضد كل المهتمين بالصحة العامة.
سأحاول هنا المجادلة بأن هذه الابحاث تعمدت استخدام منهج خاطئ بل وتضليلي عندما درست مستخدمي الفيسبوك وليس الفيسبوك نفسه.. واعتمدت على ذلك في التوصل لمخرجات نتائجها المضللة.
وسأحاول ايضا أن ابين أن التأثير الضار لفيسبوك على العقل الانساني لا يقل ضررا عن استخدام الهيروين ، وأن فيسبوك تعمد الى تدمير العقل البشري عبر برنامج محكم ومدروس وممنهج.
وسوف اشمل ذلك من خلال فضح وكشف كيف يتشكل الفيسبوك من أدوات متعددة تتضافر لتحقيق غايات عديدة من أهمها:
- تدمير الصحة العقلية mental health للأفراد.
- جذب الافراد نحو ادمان فيسبوك بشكل هوسي.
- خلق نفور تواصلي بدلا عن التواصل الاجتماعي وتأكيد النزعات العنصرية والكراهية وبلبلة العلاقات العاطفية وتحويل المستخدمين الى وحوش بربرية تندفع لتفترس بعضها البعض...وكيف يكون الفيس هو الطابية والحصن الذي يتحصن خلفه الجميع لتأمين ظهورهم من منجنيق الآخرين.
- تحويل فيسبوك الى مختبر ومستخدميه الى فئران تجارب. إن فيسبوك ليس وسيلة تواصل في الواقع بل هو ساحة معركة بين اكثر من مليار وعشرة ملايين مستخدم. معركة فوضوية همجية يهاجم فيها الجميع بعضهم البعض في مجازر جماعية وحشية.
فلننطلق أولا من أدوات فيسبوك الاساسية ، تلك الادوات التي تكرس لتعزيز نرجسية الفرد ، وتعزيز شعوره بالتفوق والقوة والقدرة على محو تاريخ الآخر. أدوات الفيس tools المتعددة ،
انما هي شبكة ضخمة من القدرات المتناقضة التي تمنح وتنزع من المستخدم في نفس الوقت. فلنأخذ مثالا بسيطا على هذا وهو خاصية التقارير reports والتي يمكن استخدامها بدون رقيب لاغلاق صفحة شخص ما على الفيس. فبعد بضعة مئات من التقارير يتم اغلاق الصفحة المستهدفة تلقائيا. دعنا نرى بعض الأمثلة ؛ لقد تكونت مجموعات في الفيس ذات ايدولوجيا واحدة او اهداف واحدة واتخذت من سلاح الريبورتات وسيلة للعدوان على من يخالف ايدولوجيتهم. فالمتدينون يستخدمونها ضد الملحدين والملحدون ضد المتدينين والمدافعون عن الانظمة السياسية ضد المناوئين والمناوؤن ضد اتباع الانظمة ، لقد منح فيسبوك سلطة العدوان والعنف للجميع والسلاح اللازم لذلك وهكذا تحول فيسبوك لساحة معارك افضت الى تأجيج مشاعر الكراهية والعنصرية والنفور الاجتماعي بدلا من ان يكون فيسبوك وسيلة للتواصل الاجتماعي. اخذت تتشكل مجموعات خصيصا من اجل اغلاق صفحات الآخرين. فهل ادارة الفيسبوك لا تعلم ذلك. على العكس تماما ؛ فهذه خاصية تدعم فيسبوك ماليا وتعمل على ادمانه بشكل مستمر ؛ فمن يجد مخزنا للسلاح والذخيرة لن يتوقف عن العودة اليه للتزود بما يردي به اعداءه. فيس بوك يدير شبكة من الخواص والقدرات التي تجعل فيسبوك مسرحا للحرب وبالتالي المشروع الاكثر حركة ومن ثم الاكثر استخداما وهكذا فالاكثر ربحا وجنيا للمليارات. تخلق خواص فيسبوك ذلك الهوس بتدمير الاخر ليس فقط بالغاء الصداقة بل فوق هذا بمحو وجوده تماما من حياتك. هذه الخاصية التي لم تتوفر لنا في ارض الواقع. فنحن لن نتوقف عن الالتقاء باعدائنا حتى ولو تجاهلنا وجودهم فإننا سنشاهد آثارهم تحيط بنا من كل مكان. أما الفيس فيمحو اثر عدوك تماما عندما تقوم بتبليكه block . ليس فقط لن يتمكن من التعليق عندك بل لن يراك ولن تراه مرة أخرى الى الأبد. هذه خاصية لا انسانية أبدا ، انها خاصية لا تمنح ابدا امكانية التسامح بين الناس ولا منح الآخر فرصة للدفاع عن موقفه او تبريره او حتى تأكيد وقوعه في خطأ... انها تعني انك تمتلك سلاحا نوويا تدميريا شاملا... فهل هذا يتفق مع وصف فيسبوك بأنه وسيلة تواصل اجتماعي؟ فيسبوك لا يمنح هذه الخاصية إلا لتعزيز النزعة التدميرية لدى الفرد والتي تحدث عنها ايريك فروم قبل عقود. النزعة التدميرية التي ليس من المفترض ان تتأسس على غريزة البقاء والدفاع عن النفس ، بل هي نزعة متعالية جدا ، يمكننا ان نستشعرها جميعنا حينما تقرصنا نملة فنسحقها بقبضتنا دون ان يكون قتلنا لها متناسبا مع جريمتها البسيطة. هذه النزعة يعززها فيسبوك ليعزز بذلك شعور الفرد بالذات ، ليعزز نرجسيته ، ليجعله يخلق عالما افتراضيا كاملا من صفحة زرقاء على الحاسب الآلي ويكون هو إله هذا العالم الافتراضي. ان الفيس في الواقع يعمل على تحريك الفرد وتوجيهه والسيطرة عليه سيكولوجيا بالكامل...وعندما يمنحك الفيسبوك عالمك كسوبرمان فانت تمنحه مليارات من الدولارات ، ليس بالاعلانات فقط بل حتى بتحويلك الى فأر تجارب ؛ فكل نشاطاتك يتم تحليلها وارسالها الى مراكز بحثية تعرف كل نقاط ضعفك ، تعرف ما يؤجج مشاعرك ، تعرف اهتماماتك ، تعرف ميولك السياسية والعاطفية والرياضية والثقافية ، ثم تعيد تدويرك كما لو كنت مادة اولية خام لتخلقك بما يحقق مصالحها الاقتصادية والسياسية والامنية . ففيسبوك ليس وسيلة تواصل بل وسيلة للسيطرة المطلقة تلك التي تحاكي السيطرة الإلهية.ولكن بلا اي وازع اخلاقي او ضمير. فيسبوك يمنحك القدرة على ايذاء الآخرين ، ويحولك الى جاسوس.
في احد الافلام رفض احد الطلاب الوشاية باصدقائه ، ونتج عن ذلك محاكمته جنائيا ، ولكن والده دافع عن موقف ابنه هذا لأنه موقف شجاع ورجولي. الفيسبوك يحولك لواش وهو يعطك صلاحية ارسال تقارير ضد الآخرين فتتحول الى جاسوس ، ان لعبة الجاسوسية لعبة مثيرة ، فمن منا لم يتابع فيلما عن الجاسوسية وقلبه يكاد يسقط من الفزع عندما يبدو ان الجاسوس قد اقترب من الانكشاف. فالجميع سيقفون غالبا مع الجاسوس ، والجاسوس دائما يتصوره الناس كائنا شديد الذكاء والدهاء والخبث... فيسبوك تمنحك القدرة على أن تتمتع بهذه الوظيفة للتجسس على الآخرين ونقل اخبارهم وارسال التقارير عنهم ... انها تمنحك دور البطولة ، لكن فيسبوك يعلم أن تحولك الى جاسوس واش بالآخرين هو بداية الانزلاق اللا اخلاقي واللا اجتماعي ، فالجاسوسية دائما جريمة في كل قوانين العالم. هل يمكننا ان نعتبر فيسبوك وسيلة تواصل اجتماعي بعد كل هذا؟
أدوات فيسبوك حطمت علاقات وصداقات وافسدت مجتمعات بل ودمرت دولا وشردت شعوبا. فيسبوك كان سببا لعمليات قتل انتشرت في كل دول العالم ، وكانت سببا لانتحار العديد من المستخدمين ، ومن لم يقتل او ينتحر فان مشاعر الكراهية عنده تتعزز وتتقزم ثقته بقيمه الاخلاقية حينما يتحول الى جاسوس... وعندما لا يتردد في محو الآخرين من الوجود تماما. فنحن كبشر لا نستطيع ان نمحو عاطفتنا الطيبة تجاه اصدقائنا او حتى اعدائنا تماما إلا في فيسبوك...، فيسبوك يتيح فرصة ان يخلق الافراد مسارح عمليات واسعة للمعارك. وفيس بوك فوق هذا يستخدم خاصية الصدمة ، عندما تتفاجأ بأن العالم الذي منحك اياه يتداعى فجأة برسالة صغيرة تنبؤك بأن صفحتك قد تم اغلاقها. عالمك وتاريخه من اصدقاء واعداء وذكريات يتداعى وينهار في ثانية واحدة لتجد نفسك منهزما في آخر المطاف كعاشق خسر حبيبته بعد قصة حب طويلة...لكن هذه هي اللعبة بالفعل ، فبرنامج فيسبوك يرسم قدرك بدقة ، يتملكك وعبر وسائل ممنهجة ومدروسة وموجهة كصاروخ ليزر يسيطر عليك بالكامل...تلك الشاشة الزرقاء تتحول الى حي ثم قرية ثم مدينة ثم دولة ثم امبراطورية تتسع يوما بعد يوما...وانت على سدة حكمها ، ثم فجأة تسقطك من شاهق كما تفعل انظمة المخابرات مع عملائها عند انتهاء صلاحيتهم.
إنني مؤمن بنظرية المؤامرة التي يحاولون تبخيسها دائما ، المتآمرون هم من حاولوا بالفعل تبخيس نظرية المؤامرة لاخفاء تآمرهم. وليام جاي كار في كتابه احجار على رقعة الشطرنج يفضح تلك المؤامرة الكبرى التي حيكت وتحاك وستحاك ضد الشعوب. إن زوكربيرج ليس محظوظا او عبقريا كما تحاول ان تظهره الميديا الأمريكية لكي نشعر بأن امريكا هي ارض الفرص ، فالفرص في امريكا لا تنبع من الصدفة أو العدم. ان امريكا آلة ضخمة بل عظيمة الضخامة تصنع واقع العالم. يمكنها ان تدمرك تماما ويمكنها ان تخلق من زوكربيرغ او غيره نجوما بين عشية وضحاها. زوكربيرغ وقف منشدها وقد سقط فكه كأبلة حين تفاجأ بأسئلة لم يكن يتوقعها من قبل الكونغرس. لماذا ذهب زوكربيرغ الى جلسة الاستماع بكل ثقة ثم تفاجأ باسئلة متوقعة لشخص ضحى بخصوصية وسريات الملايين من مستخدمي موقعه. ما المدهش وما المذهل حينما يسألونه: هل سلمت معلومات عن المستخدمين لجهة ثالثة؟ لقد اندهش زوكربيرغ الذي لم يتجاوز الثالثة والثلاثين عاما من اسئلة بسيطة لأنه في الواقع لم يكن يتوقع من جلسة المحاسبة سوى ان تكون سوى جلسة علاقات عامة لأنه يعلم انه لا يفعل شيئا الا بعلم مؤسسات الدولة العميقة تلك التي خلقته من العدم. زوكربيرغ شاب غر لا يعلم انه حتى عندما تكون ذراعا للمؤسسات فلابد لهذه المؤسسات ان تعاملك امام العالم الخارجي بقسوة لكي تنفي عنك الشبهات. منذ ظهور الانترنت ظهرت الاف من مواقع التواصل الاجتماعي ؛ لكن فيسبوك وخلال بضعة اشهر فقط نال قسطا وافرا من التمجيد والتلميع الاعلامي رغم قوة وسائل التواصل الاخرى وامكانياتها الأعلى . تماما كعملة البيتكوين الرقمية التي تم تسليط زخم اعلامي عليها بشكل مثير للريبة. زوكربيرغ تحول الى ملياردير او تمت صناعته كملياردير شاب يحقق لاجهزة الاستخبارات الامريكية فائدة مزدوجة وهي انكشاف مليار وعشرة ملايين مستخدم امامها. واستخدامهم كحقول لتجارب التوجيه النفسي وفهم سيكولوجيا الجماهير. وفي نفس الوقت تظهر امريكا كدولة الفرص التي يمكن للاذكياء ان يحققوا فيها الحلم الامريكي.
فيسبوك لا يقل خطورة عن اباحة تعاطي الهيروين يا سادة. انه في الواقع اخطر من كل مخدرات العالم. انه برنامج متكامل لسلب العقول البشرية اتزانها وعقلانيتها وتحويل المليارات من البشر لريبوتات يتم توجيهها بعد دراستها دراسة شاملة من كل جوانبها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى