منجد أحمد مصطفى - نزيف الطين

ما الموت إلا حيلة الروح للفكاك من عبء الجسد المادة للولوج إلي متون السكون، تظاهرة الروح الخفية للتملص من عبثية الوجود، وشخوص الشر فيه، الذين دائما يحرضون الروح ذاتها علي النزيف.
رائحة شرسة تباغت نوافذ الذات، تخترق ابواب السماء المشرعة منذ الخليقة الأولي، وعينيك المنتفختين تسريان ببطء صوت ذات الرائحة، مترصدة انحناءاتها، وهي تحلق في رقصة الفناء الأبدية، والملائكة تصفق لسفرك الخالد صوب تخوم الله.
يالتفاهتك ياجسد، كم أنت وقح وأنت لاهث صوب الخلاص ، خلاصك من هشاشة الكائن، معطوب الجدوي، وهواجس سامة تحاصرك، لعطبك ولاجدواك في الوجود حاملا كينونتك المتخمة برماد، راكضا خلف مياه شيطان: التي هي سراب، مد خروجك من (حيز الزيف الكبير) الممهور برجال متعري الجماجم وأناس سذج، متورمين بذوات حالمة يثرثرون، في بنياتهم الشاهقة، وانت أيها المثقل بهمومك تلوك الفراغ، تسمع صدي صوتك يتسلق: العطالة ما هي إلا حالة ذعر مفاجيء، سرعان ما نعتاد عليه.
مذعورا تنتصب ثم تركض بجنون، في مساحاتك الزقاقية، تجوب فناء الطين، حاملا -بيديك المتسختين -أوراقك المتصدعة، المكتنزة بعبارات الإيهام الموسيقية، علك تصلب عطبك ب توظيف هزيل لكنك تعود وفي يديك لاشيء هائل، كما شساعة السموات السبع، ببساطة لقد جنيت العدم.
تلعن ذاتك تحتقر سذاجتك وعمرك الذي تبعثر في (بناية الزيف الكبير)، تصرخ ملء رئتيك، تلملم أشلاءك، تقودك ساقاك حيث غسيل تقرحات روحك حيث نشوة الروح المبجلة، المقدسة بارتشافيك سائل البياض (ماء الخلود)، الذي هو مسيحك الذي ينتشلك من لاجدواك الهائلة، تمارس طقوس الشراب، تمسك الكأس بيديك الراعشتين، تتذكر (باخوس) ثم ترتل:
ترتشف راجفا، تبتلع بألم لذيذ، ترسل زفيرا متخمرا من رئتيك، تحاول النهوض مترنحا وأطفال النشوة يرتعون في دماغك الموغل في القذارة.
تنتصب ثملا، تترنح متأرجحا، تسقط علي كتف (انجلينا)- خابزة ماء الخلود- مترنحة هي الأخري، تأخذك إلي أراجيح الشهوة، تعتنقون دين (فرويد)، تلتحمون في سيمفونية متناسقة، أجسادكم تزغرد بقربانكم، الذي تقدمونه في صلاة الاشتهاء، لشيطانها اللامرئي.
تتوقف ياجسد.. تهذي.. تسب لنفسك.. في هذيانك، تخرج لفافة أوراق صدئة، تقرأ قصيدتك الأخيرة (تلاشي جبل... عري كائن)، تعلن تملأ اندهاشك بشعب (الهوسا)، ثم تحلف ملء إيمانك، كيف انهم سيسطرون بطريقة ما علي كل العالم، تواصل هذيانك: "الفقراء أقرب إلي النار من الجنة، ميشيل فوكو واعترافات اللحم، كارول ماركس بوذا، الشحاذون، المستولون، اغتصاب الأطفال تزيلها بمفرداتك الانكليزية ثم تجهش بالبكاء، تناجي روحك: ياروح، انفصلي.. أخرجي من حجرة الجسد، كم انت نتنة، رائحتك ناتئة عبر مساماتك المشوية بحرارة (ماء الخلود)، أركضي إلي الله، اخترقي حقيقته المطلقة، رفرفي نحو البقاء فأنت الله ذاته.. حين نفخه إياك بجسد آدم أبيك الأول، ارجعي إلي مادتك الأساس.
تنهض مترنحا، تلملم حقيبتك الممهورة بأوراقك المهترئة، توسوس لك نفسك، أن تخرج إلي الطرقات، تحشد كل المعطوبين ، تنفخوا الروح في الشوارع، توقظوا الأرصفة من السبات، وتطلبوا (توظيف)، ينتفخ إيمانك بالخروج، ثم تركض لاهثا نحو الباب.
تصرخ بأعلي صوتك، تهتف، فيهتفون، يرددون هتافاتك العارمة، تغريك أصواتهم، تشتعل نار هائلة بداخلك، فتنهمك في صياحاتك العاتية: (الدكتاتورية، سروال عات نبول عليه).
ثم تري ياجسد، أناس يرتدون خوذات حديدية، يحتمون خلف زجاجات صماء، يحملون عصاوات حادة، وأدوات فتك البشر، يقذفون شيئا دخانيا يكاد ينسف رئتيك، فيهرب الناس، تحاول التملص والهروب، يبضونك.. ويركلونك بشدة ، تصرخ كيوم ميلادك، يضربونك بعاصواتهم، يشرخونك، ينزف جسدك الشاحب، المكسي بالعتمة السافرة، يتمرغ جائسا دمائك في أتون لزوجة الطين، المنهكة بنزيفك، وعيناك المثقلتان شاخصتان نحو فنائك، أفولك السرمدي، انعتاقك من هواجس فراغك ولاجدواك، تنزف.. فتنزف.. تحدق في روحك وذات الرائحة، ترفرف وتحلق، تتسرب إلي وراء العالم، حيث الحقيقة والخلود.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى