ناديا التميمي - قراءة في كتاب.. السندباد الكافر للشاعر محمد عيد ابراهيم

في مجموعته "السندباد الكافر" .. الشاعر محمد عيد إبراهيم يثير أسئلة أكثر مما يجيب عليها، ويطأ مناطق تكاد تكون محرمة شعرياً .. ففي أربع عشرة قصيدة أنشدها الشاعر
على مساحة ثمانين صفحة من القطع المتوسط، في إصداره الأخير (السندباد الكافر) عن منشورات الغاوون في بيروت، تستحضر تمردا وسخرية من أشياء شتى وأحيانا استفزازا ممزوجا بحزن بغدادي أكثر ما يوصف بالشفيف والقادم من قرون خلت، حيث نراه ملتحفاً بعباءة الشاعر البغدادي الصوفي أبو حيان التوحيدي، الذي يرتكن إليه في استهلال مجموعته بمجتزأ صغير من مسامرات التوحيدي لأربعين ليلة مع الوزير البغدادي صمصام الدولة في كتابه (الإمتاع والمؤانسة)، وربما يتتبع خطاه الشعرية بالوصل والقطع، والنثر والسجع، والغموض والاستطراد، ونوادره وإشاراته، وإحباطاته وسوداويته، وأحيانا خروجه عن النص ووطئه مناطق تكاد تكون محرمة نصيا، أو
ترميزا، أو صراحة. تلك التي تشبه النظم الباردة، تواصلا وتمثلا في التجارب الشعرية البعيدة المدى، ليس تقليدا بقدر ما هو تحقيق الانتساب إليها، ليبقى ما يميزها خصوصيتها، كونها تمثل إيقاعات الشاعر وحساسية العصر الذي يعيشه، وأسئلته الفلسفية التي تكشف عن انزياحات جديدة بين المتخيل والواقع، البدائي والسحري، المجازي والحقيقي.

من أين يبدأ

هل يحلم بامرأة سمينة
تضع فخذا على فخذ، وهي تميل
بصفحة ظهرها عن الكرسي
ككفل ناقة حقود،
فيأكل من لحمها وهو سكران
من أين يبدأ؟

فالشاعر يلجأ إلى فكرة النص المغلق، بعيدا عن الفكرة الجاهزة التي لا تثري نصه بقدر ما تزج بقصيدته في عالم ما وراء المرئي الملموس بهدف الارتقاء بها (من وجهة نظره) فيستبدل المواقع بين المشبه والمشبه به، مابين الجسد الفيزيقي والروح الكائنة في ما وراء الجسد في محاولة لاستفزاز ذواكر قارئيه والهروب من المادي إلى المطلق، من الفارزتين المحددتين التي تبدأ أحدهما من هنا لتنهي الأخرى إلى هناك، ما يفسر بالخوف والقلق من تحديد للذهن الذي لا يقبل الانحسار في قالب مكاني تحيط به مساحة تؤطر قصيدته وتضيق بأمكنتها، من هنا تتضح حمى الشاعر وتوقه ليتبدد الى الضوء متحررا منحازا لوعيه، فيقترب تارة ويبتعد أخرى ويذوب حتى يؤمن مجالا واسعا بالرؤية والفكر والانفلات من عالم المنظور إلى حرية البوح فكريا وذاتيا وجماليا.

تتكسر القوافي

هزي إليك بقوسي الذهبي
بربرة من عويل، وهي تعجن
فمي، مصاصة بالقوافي،
رفيف على الجانبين
بوشوشة اللحم، حتى
تنكسر فوق سجادة
كساحرة قديمة تركب عصا المكنسة.

فهو يمارس عملية إسقاط الماضي بدلالته على الحاضر، محاولا إشعال الصراع والتقاطع بين فكرتين وزمنين مستفيدا من تراكمه المعرفي وخزين ذاكرته، من آيات قرآنية وموروث شعبي وديوان الشعر العربي ، بأبعاده الشعرية والفلسفية والاجتماعية، وبتوفر إنساني عام يماهي النص بالبيئة ويشتغل على النفس البشرية من خلال كشف تناقضاتها بالأبيض والأسود اللذين يستطيلان بالاشتعال مرة والانطفاء أخرى، دون أن يوصد نافذة الحلم في آخر ليل الظلمة، وجلاء الكوابيس التي تلازم ليل الإنسان وغربته، بل يثير أسئلة أ كثر مما يجيب عليها، ويثير إشكالات ولا يعيد إنتاج صنعة شائعة بقدر ما يدخل مناطق محرمة شعريا.

راجمين الغيب

الشعر أن نتذكر
حتى لا تتبدد
حقيبة حفظنا
فنستيقظ من الغفوة
راجمين الغيب بالحجر
فما رأيناه
لن يعود كما كان،
وما كان
لن يعود كما رأيناه

ورغم ما يكتنف لغة الشاعر من غموض لذيذ مستفز فانه يدخل قارئه في دائرة لعبته مشدودا إلى شرك الإيهام الذي ينصبه له بدءاً من العنوان (السندباد الكافر) الذي يقف على التضاد ونقطة الوسط بين الواقع ووهمه، ويعد قارئه عبر تكوين دلالات جديدة من معطيات قديمة ومرجعيات لها سخونتها في ذهنيته كبغداد ورحلات سندبادها، لكنها لم تتراء للموعد بشكل تقليدي، فالشاعر ذهب إلى التلاعب بحركية هذه المدركات الذهنية والبصرية بحيث تتوارى عن معطاها المألوف وإن استندت إليه.

طحلب المعاني
غنيت حقد فرديتي مثل لوتريامون
وقد تأبط شرا من ذوات الثدي،
ملطخا كالصائغ وقد زحف على يديه
طحلب المعاني...

منجز الشاعر محمد عيد إبراهيم

هو من مواليد القاهرة، ويصنف كشاعر سبعيني حيث تمتد تجربته الثقافية إلى ما يزيد على ثلاثين عاما، ونحن نمر على منجزه نقرأ المجاميع الشعرية
- طور الوحشة.. 1980
- قبر لينقض.. 1991
- فحم التماثيل.. 1977
- على تراب المحنة.. 1995
- الملاك الأحمر.. 2000
- مخلب في فراشة.. 2000
- بكاء بكعب خشن.. 2003
- خضراء الله.. 2004
- ملاح تحبسه الرماح، الأعمال الشعرية ج1، 2007
- عناق الليل والبحر.. مشترك 2008

أما في مجال الترجمة فقد ترجم أكثر من أربعين كتابا في الشعر والرواية والمسرح والرواية والنقد، منها:
- قصائد حب.. لآن سكستون
- رباعيات مولانا جلال الدين الرومي
- (رسائل عيد الميلاد.. لتيد هيوز
- النمر الآخر.. لبورخيس
- جاز.. لتوني موريسون
- فالس الوداع.. لميلان كونديرا،
- جوستين.. للماركيز دو ساد
- جنوب الحدود غرب الشمس.. لهاروكي موراكامي
- رماد من رماد.. لهارولد بنتر.


- ناديا التميمي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى