رتيبة كحلان - الموت هو المألوف

( الموت يكرر نفسه، وحدها الحياة استثناء المحظوظين )

سامحونا: أتقنا الدفن .. أتقنا العزاء .. تقبلنا الموت ثم نسينا .. وعدنا إلى الحياة كأن شيئا لم يكن ونسينا أن الموت يكرر نفسه .. سامحونا .. سمحنا للحياة أن تجعلنا نتخلى عنكم.. !

يومياتي تطاردها الصور ..
لم تكن الصور الأولى لضحايا القصف الأخير باليمن (الذي صار تعيسا) رحيمة بنا، فقد نقلت العدسات الدماء والغبار والصراخ حتى الموت الذي يحصد الضحايا لم تستثنه، وعوض أن أُغيِّر القناة تركت عيني مفتوحتين عن آخرهما كأني على وشك أن أعثر على وجه أعرفه .. وجه مألوف .. خجلت من نفسي ومن ذلك الكم الهائل من العجز الذي اعتدنا أن نبرر به عدم مقدرتنا على فعل شيء .. لذا من السهل أن نقتل بعضنا ومن الصعب أن ندافع عن بعضنا أو أن ننقذ بعضنا .. لأن ثمة معادلات عادلة في هذه الحياة ترفض حيادك: إما أن تكون في صف القاتل أو في صف المقتول ولا شيء آخر قد يقبل تبريراتك ..
تستمر الشاشة في نقل صور ضحايا الزلازل والحرائق والحر والسيول .. وكانت الأرقام تمر أمامي فأحفظها بيسر .. هناك ضحايا حوادث المرور أيضا .. موت من هنا .. موت من هناك والوجه المألوف الذي كنت ألاحقه لم يكن سوى الموت .. فبعيدا عن مباهج الحياة .. يحشرنا الأسى في خندقه وتحاول ( أنت )أن تبالغ في احساسك بالحياة لا أن تعيشها، ها هي تمر من أمامك دون أن تشعر بذلك .. تخشى أن تمسك بطرف ثوبها لأن أول درس تلقنه إياك شاشات الأخبار الجاهزة أن الموت يكرر نفسه وحدها الحياة استثناء المحظوظين.

حين لا تكون إلا أنت ..
رغم كل شيء لا زلت أكتب .. لا زلت أترك نوافذ الزمن مفتوحة لتتسلل منها الكلمات .. ورغم تفكيري المتواصل بكل شيء، أغمض عيناي أتماهي مع السطور، صدقوني ثمة عوالما خفية يحاول الواقع أن يبتر تلك الخيوط السحرية التي تربطنا بها، كنت في هاوية الجزع السحيقة، ومددت يدي إلى كتاب هيلين كيلر ( قصة حياتي العجيبة )، استغرق مني قليلا من الوقت لأنني قرأته دفعة واحدة، وكنت أتمنى ألا ينتهي، بعدها غمرني سحرها وأدركت أن أكبر إعاقة في الحياة أن تفقد إحساسك بالحياة وإحساسك بالآخرين، وأن تموت ألف مرة قبل أن يمد لك الموت كفه ويصافحك.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى