تسنيم محمد حسن - إنكماش داخل الحواس

قبل أن أكشف عينَايَ للإستيقاظ أزعجني صوت المكيف وهو يرتجف من البرد كعادته.. وله الحق في ذلك.. فالشتاء أصبح يهطل عندما تتصاعد أصوات مآذن الفجر صباح كل يوم.. ثم تسحبهُ الشمس بحرارة نحوها.. وأنا لا أعي بالاً لجودته المحلية التي لا تحتفي إلا بالحر..

أصوات بقايا ثرثرة الأصدقاء المجمدة متكدسة في أذني.. كرائحة النقود الورقية.. مقرفة تغازل صمتي في فحش باهظ..

وقلبي ينتفض كي أستيقظ جيداً يطرق بقوة على أضلعي.. على ما يبدوا أنني ضغطت عليه سجنه أثناء نومي..


أحاول ألتقاط ما كنت أحلم به البارحة من ذاكرتي الغارقة في تخمة النوم ولا أذكر سوى إحساسي بالسقوط..

أسحب هاتفي المحمول من تحت المخدة.. جاهراً ضوء البالونات المنبثقة من خلفية شاشته يخبرني أن لا مكالمات ولا رسائل من أحد تذكرني الليلة الماضية..

"التاسعة وسبع وأربعون دقيقة".. نِمت عشر ساعات!!

لا بأس.. عوضت سهرة البارحة..

من الطرف الآخر للسرير أتناول اللابتوب والكونكت وجرعتي الصباحية من الفيس بوك..

لم يكتب أحد من أصدقائي المفضلين شيئاً على حائطه.. ولم يكتب أحد على حائطي.. فقط إشعارات التعليقات..

لا رسائل واردة فقط إقتراحين إثنين لمجهولين من أصدقاء لا أذكر متى أضفتهما..

لاحقاً سأضعهم الأربعة في قائمة الحظر..

دعوتان في المناسبات.. واحدة من عشاق طه سليمان لحفله في الساحة الخضراء.. والأخرى لمعرض الشارقة للصورة العربية..

ضغطت على زر الرفض للدعوتين وأغلقت الجهاز..

أن أقضي يومي وحيدةً في منزل كبير يعني أنني سأستمع مجبرةً لجميع أصوات الأواني والمقاعد التي أمتلكها..

صوت (شبشبي) المنزلي وهو يشتكي (عفصي) عليه كلما خطوت.. تلاطم الماء البارد مع نفسه ومع جدران (الكفتيرة).. أشتعال الكبريت بالإحتكاك.. غليان الماء.. تراقص السكر حتى ذوبانه مع الملعقة المعدنية على نغمات إرتطامها بحواف الكأس الزجاجية المستديرة.. ثم صوت إرتشاف أول (جُغمة) من شاي الصباح..

بسبب ثقب التهوية في الجدار سمعت إبن الجيران يصرخ في بكاء مبتذل.. محاولاً جذب إستعطاف أمه التي تبادله الصراخ بحماقة.. كاشفة ثوب سترة الجدران المنسدلة بيني وبينها.. مخترقة حواجز الصمت المفتعلة لمنزلي..

تباً لها تلك الـ (عويرة).. تجاري طفلها في صراخه!!

التلفاز سيضيف المزيد من الضوضاء.. ليختفي صوت ذلك الصغير وأمه وخدش الكرسي للسيراميك عندما جذبته نحوي..

-يا أخوانا المشروبات الغازية والشاي والقهوة ديل أكبر خطر على الصحة..

-العصاير الطبيعية!!

مواصلاً بانفاعل جملته المقطوعة:

-أيوة.. العصاير الطازجة مافيها أي ضرر.. بس الناس تبعد عن السكر لأنو فيــ...

مازال الدكتور عمر وضيوفه يثرثرون عن الصحة والعافية صباح كل جمعة..

أفسدوا علينا متعة إلتهام الطعام بدون التفكير في مخاطره.. والناس تلتهم نصائحهم المجانية برضى وقبول.. ثم يعودون إلى عاداتهم الغذائية الخاطئة..

من يقنعه بأن لا فائدة من كلامه المعلب؟؟

على القناة الأخرى يعيدون أسطوانة مصطفى الآغا مساء البارحة وهو يمارس (تطبيله) للهلال السعودي.. ذلك المغفل لم يقل يوماً شيئاً واحداً عن هلالنا المجيد.. أليست كلها أهِلة؟!

لا يستحق المتابعة!!

ضوضاء التلفاز ينخمد بضغطة زر.. لا شيء يستحق المتابعة..

لا شيء سوى رواية أحمد خالد توفيق القديمة.. التي اقتنيتها جديدة من معرض الكتاب.. لابد أنها الحل!

الجمعة 2 نوفمبر 2012

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى