ناطق خلوصي - حكايات شباط.. قصة قصيرة

1 ـ زيارة ليلية
تماما ًمثلما توقع ، جاءه زوار الليل . طرقات على الباب الخارجي وقد انتصب الظلام خيمة عزاء بعد أن انسحب الضوء ألى مكان آخر . قالت أمه : “لا تفتح ” . وحين تصاعد الطرق لم بجد مناصاً ً من أن ينهض . وجد عند الباب مفوض شرطة معه رجل شرطة من أهل المدينة . القيا عليه تحية مبتسرة ودخلا دون استئذان. ساوره كثبر من الخوف . لم يكن خائفا ً على نفسه إنما عليها ولم تمر سوى بضعة أشهر على زواجه منها . لو أنها تعرضت لسوء فما الذي سيقوله لعمه الذي كان قد قطع له وعدا ً بأن يصون كرامتها ؟
كان مفوض الشرطة آدميا ًحقا ًفلم يعمد إلى تفتيش البيت بحثا ً عن ممنوعات وكان من المؤكد أنه شم رائحة الورق الذي كان قد تم حرقه قبل ساعات لكنه تغاضى عن ذلك . كانت تقف واجمة ، ساكنة جوار أمه .
رأى وجهها يشحب حين سمعت المفوض يقول : ” لا تقلق . انها مجرد أسئلة بسيطة تعود بعدها إلى البيت بإذن الله. لكن من باب الاحتباط خذ بطانية ووسادة معك فالجو بارد كما تعلم . ”
رأى وجهها يزداد شحوبا ً. شعر بدوار وكاد ينكفىء على وجهه لكنه تمالك نفسه حين اقتربت منه وسمعها تقول بصوت واضح:” لا تحمل هما ً . سيأتي أبي الينا بالتأكيد”,
2 ـ وجه الأم
ضحى ذلك اليوم الشتائي الداكن ، أخرجوهم من بناية مركزالشرطة ، تربط جامعة حديدية ( كلبجة ) يد كل منهم بيد رفيقه . لا يدري أحد ألى أين سيأخذونهم : إلى أية ساحة اعدام أوفي أية حفرة سيلقون بهم وهم أحياء ويهيلون عليهم التراب بالجرافات في هذا الزمن المجنون . كان يأمل، وقد صاروا قرب الحافلة التي ستنقلهم نحو المجهول ، أن لا تكون أمه بين الحشد الذي يتجمع في الرصيف المقابل لكنما خاب أمله . لمحها تقف لصق جدار أحد البيوات المقابلة لمركز الشرطة . لا يدري كيف طار خبر تسفيرهم وحط في سمعها . كان يتأبط بطانيته ووسادته تحت ذراعه الطليقة وتشد الجامعه الحديدية يده الأخرى بيد رفيقه . ما إن وقع بصره علي وجهها الشاحب الضئيل حتى سرت رعشة خوف في قلبه . خشي من أن تتهاوى على الأرض وهي ترى ابنها الوحيد المتزوج حديثا ً يساق إلى المجهول . أومأ برأسه إلى رفيقه نحوها وهمس : ” أمي ! ” لم يجد رفيقه ، وكان يعرفها من قبل ، سوى أن يرفع يده المكبلة وهو ينظر نحوها فوجد هو يده المكبلة ترتفع هي الأخرى . التقط بصرها يدين مكبلتين مرفوعتين إلى الأعلى كما لو انهما تؤديان التحية لها ، وخيل له أنه يرى ظلال ابتسامة تلوح على وجهها فأشاح بوجهه عنها كي لا يلتقط بصرها خيط الدمع الذي انساب على وجهه .
3 ـ زعطوط
توقفت الحافلة في منطقة العطيفية ، ،بحركة يد آمرة ، يد صبي ترتفع يده الأخرى بحربة بندقية وقد بدا أنه أقام مفرزة تفتيش. هز نائب العريف الجالس جوار الباب رأسه متسائلا ً فرد الصبي بعنجهية المنتصر : “تفتيش “. قال الآخر: ” موقوفون في طريقنا بهم إلى مكان ما . ”
رد الصبي بصوت متوتر:
” مع ذلك . لدي أوامر بالتفتيش . انزلوا . ”
أحدث نائب العريف صوتا ً من فمه أثار ضحكا ً مكتوما ًوأوعز إلى سائق الحافلة : اطلع ” . أز المحرك وسط ذهول الصبي الذي كادت الحربة تسقط من يده المرتجفة . سأل أحدهم نائب العريف وكان يجلس إلى جواره : ” ماذا كنت ستفعل لو أنه أرغمك على انزالنا ؟”
رد الآخر غاضباً : ” كنت سأمسح بهذا الزعطوط الأرض . “


* عن الناقد العراقي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى