محمد محضار - نهاية سيدة من الزمن الماضي

ماتت الغالية بوادي زم ، عاد المكي إلى برشيد نقل الخبر لأمه "لالا فخيتة"، سألته:

- متى وقع ذلك ، وكيف؟

رد المكي بصوت حزين :

- منذ يومين ، ماتت في دار الحاجة السالكة، كنت حاضرا أنا والمعطي زوج ابنتها

كنا نشرب الشاي ، فجأة، داهمها ألم شديد في صدرها، صرخت ،ثم خرت ساقطة ، مر ذلك بسرعة، عندما فحصناها كان قلبها قد توقف عن النبض

بكت الأم وقالت للمكي :

- علي القيام بالواجب ، غذا نذهب أنا وأنت لتقديم واجب العزاء، وزيارة ضريحها

نظر إليها المكي مليا ، زوى ما بين حاجبيه ثم تمتم:

- أنت مريضة وصحتك ضعيفة

قاطعته بصوت حاد:

- لا تقل شيئا ، واستعد للسفر يوم غد ، نحن مسلمون ، والعزاء يصبح بلا قيمة إذا تأخر.

في صباح اليوم الموالي ركبا الحافلة المتجهة لبني ملال ، كانت "لالا فخيتة" سعيدة وحزينة في الوقت نفسه ، سعيدة لأنها ركبت " الكار الأحمر" كما يحلو لها أن تسميه بعد طول غياب ، وحزينة لأن صديقتها الغالية ورفيقة دربها فارقت الحياة ، طيلة الطريق استعادت الكثير من ذكرياتها مع المرحومة ، جمعتهما أيام جميلة عندما كانتا شيختان كبيرتان يقام ويقعد لفرقتهما التي ذاع صيتها في ربوع البلد ، فلم تكن الأعراس تحلو إلا بوجود لالا فخيتة وصنوتها الغالية، حتى لقبتا بملكتا العيطة ، لكن الزمن دوار ، والساعات تتغير ، والحياة قاعدتها الأساسية هي الغذر بمن يثق فيها ، وهي لا تملك أن إلاّ تحمد ربها ، الذي جعل التراب سترا لعيوب البشر وضعفهم ، أخرجها صوت اِبنها المكي من رحلة ذكرياتها، وهو يهتف بصوته الأجش :

لقد وصلنا إلى محطة خريبكة ، سأنزل لأشتري قارورة ماء ، هل تريدين شيئا ؟

ردت بصوت خافت :

- نعم .. " بغيت قارعة ديال المونادة حمرة وشي مادلين هشيشة الله يرضي عليك"

نزل المكي، وعادت لذكرياتها دون أن تهتم بضجيج منبهات الحافلات، وأصوات المسافرين المرتفعة ، تذكرت لازمة "خريبكة عجبتني راها سايرا تبني "، كانت ترددها مرارا في الأعراس التي كانت تحييها بهذه المدينة، كانت أيام خير وبركات بحق ، الناس طيبون ولا مكان للحقد في القلوب ، كانت " الفراجة" ذات قيمة ، لم تكن هناك لا تراكس ولا تسونامي ، بل كانت هناك : فاطمة الزحافة ، خربوعة ومحمد العواك ، والغالية ، وطبعا لالا فخيتة " زينة التحنحينات"، الله الله عليك يا زمن ، كيف يمكن للعقل أن ينساك .

عاد المكي ، قدم لها قنينة المشروب الغازي وعلبة الكيك ، وهو يقول :

- تفضلي باسم الله "ألميمة"

ضحكت وردت :

- الله يرضي عليك .. أنت سندي الوحيد بعد الله

ابتسم المكي وقال :

- "راك عزيزة ألميمة ربي يخليك لينا"

دارت عجلات الحافلة ، ومعها دار شريط الذكريات، يازمن خنت العهد، وَهَنَ العظمُ وشاب الرأس، والأحبة يرحلون في صمت، هاهي الغالية سيدة قريناتها تترجّل بهدوء بعد أن خدلتها الأيام وطالها النسيان، "لالا فخيتة" لاتتأسف اليوم على شيء وتحمد الله بكرة وأصيلا، فقد وهبها المكي يبرّها ويشد عضدها، وهي غير خائفة من تقلبات الحياة، وما يريده الله هي راضية به .

هتف بها المكي مرة ثانية :

- لقد وصلنا إلى "بير مزوي" ولم يبق إلا القليل لنصل مدينة وادي زم

ردت وقد ترقرقت عيناها بالدموع :

- رحم أختي الغالية، كلامها كان عسلا وعيبها بعيد .

لاحت بعد حين مشارف مدينة وادي زم، تململت لالا فخيتة في مكانها، وسرحت بنظرها عبر زجاج النافذة محدقة في مقبرة سيدي عبد العزيز ثم قالت:

- " شايلاه أرجال لبلاد الله ينفعنا ببركة سيدي عبد العزيز"

علق المكي على قولها :

- لقد دفنا أمي الغالية بهذه المقبرة، كانت جنازتها مهيبة وحضرها الكثير من الناس، رحمها الله.


محمد محضار 05 نونبر 2018







-

-
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى