وائل رضوان - التذكرة.. ذهاب فقط

فتح الستار

الحاج فؤاد صاحب السبعين خريفاً يرقد على سرير متحرك فى طوارئ مستشفى الجزيرة بعد أن نقلته زوجته بمساعدة الجيران......

الأطباء تحوم حوله كالنحل فى الخلية وهو لا يسمع إلا زنها .. عينيه زائغة ترى ضوءاً شارداً تتعلق به وتعود لظلامها .....

- الحقنى يا د محمود جهاز الصدمات الراجل بيروح مننا

- بسرعة،،،، بسرعة،،،،،صح،،،،كمااااااان،،،،،،الحمد لله رجع

زوجته تمسك بتليفونها المحمول وتتصل بزوج بنتها ياسمين الوحيدة من بناتها الأربعة اللى ساكنة فى القاهرة ..

الحاج فؤاد هاجر من بلده أسوان إلى القاهرة من ثلاثين سنة جه بأسرته المكونه من زوجته وبناته الأربعه ظناً منه أن العاصمة هى النور ماكنش يعرف أن النور تحول إلى نار تحرق سكانها......

مازال متمسكاً بالحياة.... أنفاسه متقطعة.... جهاز الصدمات الكهربائية يمنحه لحظات الأستجابة.... يديه تمتد للمجهول ولكنه وحده يرى ولا يستطيع أن ينطق .....

- مساء الخير ياطنط...... خيررررررررررر...... يااااااااه...... أنتى فين ....... حالااااااااااااا

قفز أحمد من تحت بطانيته الوثيرة وتخبط وهو يرتدى ملابسه الغير متناسقة لم يكن لديه رفاهية الوقت لأختيار ملابس مناسبة.....

دقيقة وكان بيستدعى المصعد ويتمنى لو يقفز من الدور الخامس عشر حيث يسكن فوق السحاب ...

سائق التاكسى واضح أنه مش طبيعى لا يريد التحرك

- أبوس أيدك يا ريس تشد حيلك شوية حمايا نقلوه المستشفى

- على عينى يا بيه بس أنت شايف المطبات والعربية جديدة وعليها أقساط

الأطباء تعطى أوامرها بنقل الحاج فؤاد بسرعة للعناية المركزة وينطلق الممرضين به إلى أعلى فى الطابق الثالث

- أيوة هنا هى دى المستشفى..... شكرااااا

أنطلق كالريح بالرغم من أصابته المزمنة فى عموده الفقرى ولكن لا مجال للتأخير ..... لمس كتف حماته

- ألحق يا أحمد عمك طلعوه فوق أنا خايفه عليه

وثب على السلالم فى اتجاه العناية المركزة وصل لاهثاً كادت أنفاسه أن تخونه .... وصل.... سأل

- والله إحنا بنحاول بس ما أخبيش عليك الحالة خطيرة

الحاج فؤاد كانت صحته عال العال .... من سنة حس بضيق فى الصدر أستشار زوج بنته الكبيرة أصله طبيب ... عرضه على إستشارى صدر ....

حساسية وشوية أدوية.... إرتاح ..... الحياة أستمرت ومشاكلها تحاصره.... كان يريد أن يترك العمل ويرتاح .. قاااااااال كتيررررررررر.... ماحدش كان عايز يسمع..... قالها صريحة .... قالولوا طيب والمصاريف وحفيدتك وأمها اللى فى رقبتك .... طليقها لا يتحمل مسئولياته كأب لبنت عندها ١٦ سنه .... كتر خيره إنه عايش.......

فضل عم فؤاد مربوط فى الساقية .... كرباج من مراته... وكرباج من بنته المطلقه .... وتمتطيه الحفيدة المدللة..........

بنته الكبيرة عايشة فى الأسكندرية جوزها طبيب قلب وعم فؤاد المطحون لازم يلف على بناته .... احلام اسكندرية .... ياسمين القاهرة ... هبة الله أسوان .... ولاء وبنتها عايشين معاه ...

كان الدور على الأسكندرية منذ شهر ( الشهر المشؤم )

عم فؤاد حس بضيقة النفس تانى جوز بنته خده لطبيب قلب معروف هناك..... عمله أشاعة (إيكو).... مفاجأة .........

- مين ياحاج اللى قالك أن ضيق النفس حساسية صدر

- ده دكتور كبير فى القاهرة

- للأسف ياحاج فؤاد أنا شايف أن عندك ضيق فى صمام الأورطى... حالتك خطيرة ولازم عملية قلب مفتوح فوراً

ماشافش من الصدمة... سند إيده على مكتب الدكتور وحاول يقف ماقدرش ....

- ماتخافش ياحاج عضلة قلبك سليمة وقوية وتتحمل العملية

عم فؤاد أساساً مش سامع حد ومش شايف حد

- طيب طيب جزاك الله كل خير يا دكتور

- لا ياحاج الباب من الناحية التانية... شرفت وبالشفا إن شاء الله..

إتسند لما رجع بيت بنته أحلام وقالهم كلموا أحمد زوج ياسمين أنا عايزه..

- السلام عليكم

- وعليكم السلام ياعمى أخبارك أيه إحنا جايين إسكندرية بكرة نشوفك هناك إن شاء الله

- لأ يابنى أنا هرجع النهاردة وعايزك تشوفلى دكتور قلب كبير ده فيه مشكلة كبيرة ........................

أحمد إتصدم وسكت وسمع وماردش

- إنت فين. إنت سامعنى

- أيوووووووة ياعمى معااااااااك أنا فى إنتظارك

بدأت رحلة زيارة الأطباء ..... عم فؤاد قرب من أحمد .... عم فؤاد عايز يرجع بلده أسوان ... عم فؤاد حاسس أن مافيش حد حاسس بيه .... أحمد دموعه بتتحبس فى عينيه كل ما يشوف عم فؤاد ويسمعه .......

كان حاسس بالقهر.... أحمد كان بيشوف فيه نفسه لما يكبر .... الراجل مطحوووووووووون سبعين سنة وماحدش حاسس بيه .......

نفسه يرتاح ... نفسه يقضى أخر أيامه فى أرض ميلاده .... نفسه يدفن فى ترابها ....بس مراته وبنته وحفيدته حكموا عليه بالحبس فى عاصمة النار عاصمة الجحيم .....

حاول أحمد التوسط لحل المشكلة...... كلهم رفضوا ... عم فؤاد لابس البدلة الشتوى والقميص اللى كمه طويل وتحته بلوفر تقيل وحذاء يشهد على مسافات بلا توقف وشنطة سومسونيت بنى مليانة أوراق ليها لزمة وبرضه مالهاش لزمة ورقم ١١١ بيزين جبينه ..... ماهو ماعندوش حلول لازم يدور فى الساقية علشان الكل يعيش .........ومش مهم هو...

- عمى أنا حجزت عند دكتور محترم وده بقى أخر واحد نزوره وربنا ييسر

وصلوا العيادة .... الدكتور هيتأخر... مش مهم أدينا منتظرين ....

- عايز أوصيك وصية

- أتفضل ياعمى

- ولاء وبنتها وأم البنات أنا خايف عليهم... أيه رأيك عايز أعملهم شهادات إستثمار بس مش عارف الزكاة بتاعتها إزاى ... أنا بعت شقة العجمى وكمان هبيع شقة أكتوبر هسيبلهم شقة الطالبية وشقة الجيزة .

- إستهدى بالله ياعمى أنت مالك بس إن شاء الله الموضوع بسيط .

- لأ أنا حاسس إن الأجل قرب ومافيهاش حاجة يعنى لما أرتب البيت

- طبعاً براحتك ياعمى

- أنا تاعبك معايا يا أحمد

- تعبك راحة ياعمى

- أنت مش عايز حاجة منى

- عايز دعاءك يا عمى والله ما عايز غير الدعاء وعلى فكرة علشان تكون مرتاح بعد عمر طويل وربنا يديك الصحة أنا متنازل عن حق زوجتى لحماتى وولاء ماتقلقش عليهم ياعمى ..

- أنا مؤمن بقضاء الله بس أنا تعبت خلاص وماحدش بيريحنى حتى الأكل يا أخى أقولهم عايز طبق سلطة كبير وأكل مسلوق يقولولى مافيش أصل آية بنت ولاء بتحب المسبك... طيب وأنا مالى أنا عيااااااان

- ماتقلقش ياعمى هحللك المشكلة دى

- أزاى أوعى تقول أنى بشتكيلك

- ماتقلقش أنا هتصرف ... هقولهم دى تعليمات الدكتور وأنتم مسئولين قدامى على تنفيذها

- ربنا يبارك فيك يابنى

- الأستاذ فؤاد إتفضل عند الدكتور

- إيه الإشاعات دى كلها لا لا لا أنا عايز إشاعة من ألفا سكان يعملها الدكتور أشرف

- حاضر يادكتور لكن مافيش حاجة حضرتك تقولها دلوقتى

- لأ لما تعمل الأشعة يوم الخميس وتعالى يوم السبت

عم فؤاد راقد على سرير الأشعة فى ألفا سكان والدكتور مش مبسوط

يوم السبت حصل لأحمد مشكلة كبيرة ماعرفش يروح مع عم فؤاد للدكتور

عم فؤاد صدمه كلام الدكتور

- لو أنت والدى أخدك من إيدك على العمليات

الراجل حس أن لا مفر...... كلم أحمد يرتبله على مركز د مجدى يعقوب فى أسوان... تم المراد الدكتور مجدى قريب د شاهر صديق أحمد..

الميعاد الخميس بس النهاردة الأثنين... فرصة عم فؤاد يلملم أوراقه ويخلص شغله ميزانية الشركة متوقفة عليه ...بذل مجهود رهيب ... حجز تذاكر السفر الخميس .......

الأربعاء ... صحى نشيط لبس نفس البدلة ونفس القميص ونفس البلوفر وشال نفس الشنطة .... راح أكتوبر يخلص بيعة الشقة .... المشترى دوخه مشاوير ... الحمدلله حط المبلغ فى البوستة ... رجع بالليل مش قادر ياخد نفسه .....

- ياحاج ننزل مستشفى

- لأ يا حاجة هاتيلى البنات على التليفون عايز أسمع صوتهم وأطمن عليهم

- أزيك يا أحمد عاملين أيه أنت وياسمين والولاد

- الحمدلله ياعمى أنا حاسس أنك تعبان طمنى عليك

- أصلى بذلت مجهود كبير النهاردة... هتعدى ان شاء الله.. المهم أنت مش عايز منى حاجة

- عايزك بخير ياعمى وعايز دعوات حضرتك

- الدعوات مفروغ منها مش عايز حاجة تانية

- سلامتك ياعمى

- طيب أدينى ياسمين أسمع صوتها

خلص مكلماته كلها وفرد جسمه على السرير وبص لولاء وقالها ربنا يتولاكى برحمته .... غاب عن الوعى ... صرخوا ... الجيران اتجمعوا ... نقلوه بسرعه للمستشفى ... فتح عينه وبص للحاجة وقالها خسارة خسارة..... الله يكون فى عونك.... غمض عينه..............

أحمد واقف على باب العناية المركزة والدكتور شاهر صديقه وصل وبيحاولوا ينقذوا حياة الحاج فؤاد

المكان باااااارررررد أحمد صدره وجعه.... أصوات كتيرة ودكاترة خارجة

- البقية فى حياتك

- ازاااااى ميعادنا مع د مجدى الخميس يعنى بكرة إحنا قطعنا التذاكر

إرتاح عم فؤاد أخيرااااااااااا إرتاح .....قلع البدلة البنى والقميص أبو كمام طويلة والبلوفر اللى تحته ..ساب من إيده الشنطة البنى.... خلع الجزمة المنحولة .... خلع الشقاء

كااااااااااااان نفسه يرتاااااااااااااااااااح

سدل الستار
وائل رضوان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى