جبار المشهداني - ليلة وفاة “رجل الحالوب”.. قصة قصيرة

أدمنت الشوارع خطواته المنتظمة ومساراته المحددة سلفا يصحو بوقت محدد ويغادر منزله الذي يتقاسمه مع نساء ولدن ليلة تتويج فيصل الاول ملكا على العراق
يتخذ مكانه المحدد هو الاخر ويشرب قدحا محددا من الزهورات في المقهى المحدد والذي اصبح روضته مذ وطأت روحه بلاد الشام سفيرا بلا سفارة ليس لبلاده لكنه صار سفير الغرباء وكل غريب للغريب سفير
يختلف المغتربون حول كل شيء ويتفقون حوله وحده العلامة المتفق بشأنها عند الساعة الثالثة عصرا بتوقيت الغرباء يتهادى متناولا غدائه المحدد النوع والسعر والمذاق
وحين يعود ينحاز للجهة الاخرى من المقهى حيث الصبايا يشكين هم الاحبة والزمان لاراكيلهن والشباب اصحاب الشعر اللامع وصوت النرد والكركرات
يمتلك رجل حالوب معلومات عن المغتربين العراقيين لا تعرفها وزارة الهجرة والمهجرين ولا وزارة الخارجية وبالتأكيد وزارة الثقافة
عند العاشرة مساء يغادر رجل الحالوب مقر سفارته متوجها صوب مسكنه الاثير بأستثناء يوم الخميس الذي خصصه ليحتسي علبتين من البيرة المحددة سلفا هي الاخرى
عطلته ارتبطت بعطلة المقهى فما دام هناك مقهى يستقبل الزبائن فهناك دائما رجل الحالوب
ذات صباح هبطت طائرة خاصة لرجل لا يعرف احد كيف اثرى وهو رفيق رحلة الاغتراب لرجل الحالوب هربا معا منتصف العقد الذهبي حيث الطيور التي كانت تطير وخلاخل الفضة والبنفسج
ومذ وصل الرجل الذي لا يعرف احد كيف اثرى وهو يحث سائق الليموزين خاصته على التوجه صوب السفير في مقهاه السفارة
ظل الرجل الذي لا يعرف احد كيف اثرى بينما ترجل سائقه ليدلف داخل المقهى ويبلغ سعادة السفير عن وجود شخص مهم يحمل رسالة مهمة ينتظره داخل سيارته
نهض رجل الحالوب متثاقلا غير مقتنع بهذا الخرق للاعراف الديبلوماسية حيث يقصده المراجعون يوميا من كل جهات الارض لينقل وصاياهم وارقام هواتفهم وعناوينهم البريدية وقبلاتهم وشتائمهم لمن يريدون بل ان سعادته كثيرا ما يلقي نشرة الاخبار بوجه ضيوفه قبل سؤالهم
سرمك سافر للسعودية عنده مهرجان مدري شنو
باسم عبد القهار بالمسرح عنده مسرحية مدري شنو
جواد الشكرجي بالمغرب عنده تصوير مسلسل مدري شنو
اوشن هسه يجي مدري شنو
رياض النعماني راح لبغداد يشوف اهله مدري شنو
محمد جاسم مظلوم مدري شنو
فور رؤيته للرجل الذي الذي لا يعرف احد كيف اثرى صاح رجل الحالوب بصوت اخن لا يشبه خنة اخرى

– خرة بعرضك عبالي صرت ادمي بعدك حيوان
فتح السائق الباب مسرعا ليدخل رجل الحالوب جالسا قرب صديقه الذي لا يعرف احد كيف اثرى ولينطلق بهما صوب مقر اقامته في فيللته المشيدة على جبل من زهور الليلك فيما اكتوى صدر رجل الحالوب بنار ليلكية هي الاخرى تطارده اسئلة وهواجس عن مراجعين قد يقصدونه ولا يجدوه
فتحت بوابة الفيلا الضخمة لتدلف السيارة الضخمة هي الاخرى وليستقبلهم فريق الخدم في مشهد منقول حرفيا من مسلسل مدبلج
اطلق الرجل الذي لا يعرف احد كيف اثرى ضحكة نحاسية حتى كاد يضرط وهو يأمر كبير الخدم بأحضار الطعام الذي ليس له علاقة بوقت الافطار ولا بوقت الغداء وسط استغراب وحيرة سعادة السفير الذي بدا ساهما مشغولا بما قد يأتي من طرود
احضر المضيف الذي لا يعرف احد كيف اثرى كل انواع الطعام امام ضيفه المدن على نوع ووقت ومكان محدد وهو يقدم اعتذارات بدت باهتة عن انقطاعه وعدم تواصله عن رفيق دربه الذي اختار ان يكون سفيرا للمغتربين والتائهين
في لحظة مجنونة رن هاتف السفير ليعلن عن اتصال لرقم غير معروف
– رجل الحالوب الله يساعدك خويه
– اهلا اختي اهلا بيج
– خوية اني اخت رشيد جيت وجبت الجناسي مال الجهال مو البارحه تواعدنا اجيك للروضة
– نعم اختي اني جاي انتظريني هسة اجيج
كان الرجل الذي لا يعرف احد كيف اثرى يراقب المشهد متبسما كبقرة عانس وفور انتهاء المكالمة وبينما كان رجل الحالوب يهم بالمغادرة صوب سفارته أمر الرجل الذي لا يعرف احد كيف اثرى كبير خدمه باغلاق الابواب ومنع السفير من المغادرة
– يمعود وين رايح بعدني ما شبعت منك شوف
– وانت شوكت تشبع من شي حتى تشبع مني
اصر السفير على المغادرة ونفذ كبير الخدم اوامر سيد الفيلا
وفي اللحظة التي ايقن فيها رجل الحالوب عدم قدرته على العودة للسفارة والاستجابة لنداء اخت رشيد احس بضيق شديد في تنفسه وهبوط حاد في بطارية قلبه الموبايل فخلع نظارته ومات مدري شنو
فيما غادر الرجل الذي لا يعرف احد كيف اثرى صوب المطار ليستقل طائرته الخاصة ويغادر صوب جزيرته المنعزلة عن الناس الذين ما زالت شتائمهم لم تصل لمن يحبون عبر بوابة رجل الحالوب


* عن الناقد العراقي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى