مامون امين - صدي الذكريات

احاديث كثيرة تأتينى من بعيد وضوضاء مزعجة تملأ المكان ..... احدهم ينادينى فأجيب بصوت عااال نعم لكن لا يوجد احد... اصيج بأعلى صوتى ولا اسمع الا صمت مهيب تقشعر له القلوب... اجلس وحدى في غرفتى الصغيرة المظلمة .... لا ارى شئ امامى.... فقط يقع بصرى على شاشة جوالى .... اقلب صورها في تكرار..... وما زال صدى ذلك الصوت يأتينى من بعيد .... اضأت نور الغرفة لأعرف من ينادي من بعيد .... الحوائط اكثر لمعانا من قبل ... ولونهما البنفسجى والابيض اكثر بريقاً .... كزهرة يانعة في بستان نضر في فصل الربيع ..... وضعت هاتفى على تلك الطاولة الدائرية الصغيرة التى تجاور فراشى .. فتحت باب غرفتى الخشبي ... وصرخت بأعلى صوتى: من الذى يحدثنى؟؟؟؟ عاد الى الصوت مرة اخرى !!!!... اخذت نظرة سريعة فاحصة على كل المنزل فبدت لى تلك الاثاثات الموضوعة بأنتظام والكراسى الخشبية الوثيرة فارغة..... وصوت بندول الساعة الضخمة المعلقة على حائط الصالة يتحرك يمنة ويسرى..... ويخرج صوت حاد توك تووووك توووووووك ...... لمحت عقارب الساعة فوجدتها الواحدة بعد منتصف الليل ..... ياااااااااااااه يا مامون ....لقد تأخر الزمن كثيراً.... فتحت باب الغرفة على يمينى فاذا بأخوانى الصغار غارقين في نومهم .... جاثمين على ظهورهم..... واحلامهم الصغيرة مرسومة بريشة فنان بارع على فضاء تلك الغرفة الطفولية ...اغلقت الباب ببطء شديد بعد ان شعرت بتقلب احدهم على فراشه فخفت ان اقطع له تلك الاحلام البريئة .....

من أين اتت تلك الضوضاء المزعجة والاصوات الغريبة.... ومن الذى كان ينادينى في هذا الوقت المتأخر من الليل .... دخلت الى المطبخ فتذكرت لبرهة قهوتى التركية المفضلة التى نسيت ان أحتسيها اليوم.... وضعت الماء على الكنكة الصغيرة وتركتها تقلي بهداوة على شعلة النار التى تخرج ألوان زرقاء متوهجة..... سكبت عليها بحذر قليلاً من القهوة ....لا أحب شربها ثقيلة عند الليل .... سحبت كرسى موضوع تحت طاولة الطعام المستطيلة .... وبوخ متموج يخرج بسلاسة وأنتظام من كوب القهوة الصغير .... اشربها بتأنى واستمتاع.... واتلذذ بحرارتها المريحة .... التى تشعرنى بالدفء والنشاط في هذا الشتاء القارص ...... سرحت بعقلي بعيداً وذهب خيالي الى عوالم اخرى ومدن بعيدة إلى مرافئ العشق.....

تذكرت ذلك اليوم المشمس الذى تقابلنا فيه على شواطئ الحب الدافئة .... وتبادلنا فيه الاحاديث الغرامية والكلمات الرقيقة الدافئة .... وكنا في حالة انتشاء وهيام وأحاسيس جميلة .... اتذكر كوب القهوة ارتشف قليل منه واسرح بخيالى مرة اخرى..... لم أنسى ابداً اخر مرة تقابلنا فيها كان وداعناا صامت...صمت صريح من دون ان نحرك افواهنا لكن كلمات واضحه تخرج من دواخلنا... تنطق بها اعيننا الدامعة نترجمها بنظراتنا على شاشات العقل الخفية... نهيم معها بخفقات قلوبنا نسمع اصواتها التى تطالبنا بعدم البعد والانقطاع...في كل دقه من قلبى جمله عشق لا يستطيع فهمها الا عاشق ولهان في بحور الحب ...وفى كل دقة لقلبك خجل وحياء وجنون داخلى يرتسم على خديك بأحمرار خفيف رقيق يكتب فيهما احبك بلا نهاية ....تردى بعينك لن تفرقنا الظروف العصية ولا المسافات الطويلة ولا أختلاف الأمكنة ... أكتب لك بقطرات دمى الساخنة انتى كل الامنيات الجميلة انتى الاحلام الوردية انتى واقعى الجميل ومستقبلى المطلى بماء الذهب المرصع بالنجوم الفضية المحفوظ داخل مكعب زجاجى كتحفة ثمينة من الماس ....
ما اجمل تلك اللحظات التى كنا نجرى فيها كالأطفال في تلك الحديقة الغناء.... والازهار والورود تحاوطنا من كل مكان .... ورائحة الفل والعبير والريحان..... تجلب العقول والأذهان ...... حملت كوب القهوة بطرفى الابهام والسبابة .... فاذا به فارغ .... خرجت في حالة من اللاوعى انكمشت جفونى والتصقت ببعضها.....بدأت اترنح كالسكارى اتمسك بكل خيط امل بجانبى ككفيف في طرقات مزدحمة ......كتائه في عوالم غريبة ..... عدت مرة اخرى الى غرفتى.... اغلقت الباب علي نفسى .... أطفأت المصابيح والاضاءة الساطعة ليزورنى النوم بسرعة ..... تمددت على فراشى وحملت بيدى اليسرى جوالى من على تلك الطاولة الدائرية .... وبدأت اقلب صورها مرة اخرى.....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى