رسائل الأدباء رسالة من مصطفى صادق الرافعي إلى محمد أبو رية

أيها الأخ
السلام عليكم ورحمة الله.
وبعد،
فإنه يسرني أن أعرف لكم هذه العناية بالأدب والتوفر عليه، ولعلكم واجدون فيه شيئاً من التعزية عما ترونه في حادثات الدهر من سوء الأدب... أما الأسئلة فإني مجيبكم عنها بإيجاز.. ولو أعان الله على إظهار ما بقي من أجزاء تاريخ آداب العرب لرأيتم فيها الجواب مطولاً مبسوطاً

أما كلام الجاحظ فصحيح؛ لأنه يريد (بالمتكلم) الرجل من أهل الجدل وعلماء الكلام؛ وهذا إذا هو استعمل ألفاظ صناعته في مخاطبة الناس من أهله وجيرانه، أو الكتابة إلى من هو في حكمهم والخطابة عليهم، كان ذلك مرذولاً منه وعُدَّ متكلفاً ودخل في باب الغريب الذي يسمونه العي الأكبر؛ ولكن الجاحظ لم يمنع أن يفيض المتكلم مع المتكلمين بمثل تلك الألفاظ بل هو نبه على أن ذلك محمود منه

والأصل هو ما ورد في الحديث: خاطبوا الناس على قدر عقولهم. وصاحب المثل السائر لا يرمي في كلامه إلى ما أراده الجاحظ بل هو يريد أن يلم الكاتب بمصطلحات كل صناعة ويشارك في كل علم وفن، إذ يجد في ذلك مادة ربما احتاج إليها في توليد معنى، أو في الكتابة عن واحد من أهل تلك الصناعات أو في ديوان من دواوين الإنشاء القديمة التي كانت تتناول أكثر أمور الدولة يومئذ، ففيها كاتب الرسائل وكاتب الخراج وكتّاب آخرون، وكانت تلك أغراض الكتابة من حيث هي صناعة. على أن ألفاظ العلوم الخاصة بها مما يصطلح عليه لا يجوز أن يستعان بها في الإنشاء إلا لغرض يستدعيها وإلا كانت من العي والفهاهة ونزلت منزلة الحشو ووقعت أكثر ما تقع لغواً. وهذا هو غرض العسكري

وأما عيب صاحب المثل علي الصابي في ترادف السجع فأنا أراه في موضعه من النقد، لأن السجع صناعة لا سجية، والترادف قد يحسن الأسلوب المرسل لمتانة السياق وقوة السرد كما تجده في كتابة الجاحظ وغيره، ولكن الذي يسجع لا يضطر إليه لأن كل سجعة فاصلة فهو من باب الحشو لا غير. والصابي علي قوته في الترسل ضعيف في السجع لا يبلغ فيه منزلة البديع، ولا جرم كان ذلك من ضعفه فيه

وأما شعر الجاهلية وسذاجته فلم أقرأ ما كتبه المنفلوطي في ذلك، ولكن شعر الجاهلية كشعر غيرهم إنما يصف أحوال الحياة التي شهدوها فيقع فيه ما يقع في سواه من القوة والضعف ويكون فيه الجيد والسخيف. على أن شعر فحول الجاهلية لا يتعلق به شيء من شعر غيرهم في صناعة البيان لا في صناعة الشعر إذ هم أهل اللغة وواضعوها

وفي الجزء الثالث من تاريخ الأدب زهاء أربعمائة صفحة في تاريخ الشعر العربي وفلسفته وأدواره الخ

على أني أحب لك ألا تحفل كثيراً بأقوال المتأخرين وكتاباتهم ومحاوراتهم فيما يختص بالأدب العربي وتاريخه لأنهم جميعاً ضعاف لم يدرسوه ولم يفكروا فيه، فابحث أنت وفكر واجتهد لنفسك فهذه هي السبيل. . .

كتبت على عجلة ساعة الانصراف، ففكر في الجواب واستخرج من قليله مالا يكون به قليلاً. والسلام عليكم ورحمة الله

14 أكتوبر1916

(المنصورة)

(مصطفى صادق الرافعي)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى