عبدالرحيم التدلاوي - قراءة في "حلزون واحد فقط" لمبروك السالمي

يعد مبروك السالمي من بين الكتاب الذين دخلوا مغامرة كتابة القصة القصيرة جدا بحب و تفان ، فخاضوا كتابتها منذ فترة طويلة ، كانت حصيلتها نصوص عديدة في منابر إالكترونية عدة ، و ظل وفيا لهذا الجنس منحه كل وقته فبادلته القصيرة جدا حبا بحب و كشفت له عن بعض من أسرارها ، و اليوم ، نراه يغادر النشر الرقمي باتجاه الورقي ، فكانت باكورته ، مجموعة اختار لها من الأسماء " حلزون واحد فقط"

يستوقفنا العنوان الذي انبسط معبرا عن كائن يعشقه المغاربة و يقبلون على أكله ، الحلزون. لابد و أنه يختزن في طياته الكثير من الأسرار و المعاني ، فبفضل قوقعته يظل حبيس أسراره لا يبديها إلا بصعوبة ، و كونه يترك أثناء سيره مادة لزجة فمعناه أنه يمتلك طاقة جنسية تمنح آكله قوة باهره تمكنه من أن يكون فحلا. هذا فضلا عن البطء الذي يتميز به ، فإذا أضفنا الحركة إلى المادة حصلنا على إشباع جنسي ممتد و كامل.

الغلاف :

جاء بلون أزرق فاتح ، تزينه العناصر التالية ، اسم المؤلف ، و قد اتخذ مكانه في الأعلى و بلون أزرق مدادي ، تحته مباشرة عنوان المجموعة ، و بلون أحمر مثير لعيون القراء المحتملين ، ما يلاحظ كونه جاء بخط بارز و ممدود على أفق الغلاف تقريبا ، و كان أكثر بروزا من اسم المؤلف لغاية جذب الانتباه إليه و إعطائه الأولوية ، رغم أن اسم المؤلف قد اتخذ السمت الأعلى ، فاللون الأحمر يثير الانتباه أكثر من غيره ، و تحت العنوان أتت اللوحة الفنية شاغلة ثلث مساحة الغلاف ، و تتكون من حلزون مزين بألوان عدة ، يظهر الحلزون و قد خرج معظم جسده من القوقعة الحمراء رافعا قرني استشعاره و كأنه في لحظة تأهب أو ترقب أو خشية ، إنه مستعد للعودة إلى بيته الصلب متى أحس بتهديد ، يتحرك على تراب عسلي ، و خلفه نشاهد خضرة و مساحة فارغة بلون وردي خفيف ، و اللوحة تحمل توقيع صاحبها. تحتها مباشرة ، نجد الميثاق الإجناسي ، قصص قصيرة جدا ، و هو تحديد دقيق يعي صاحبه مقوماته و يدرك مميزاته و ما يفرقه عن بقية الأجناس الأخرى. لون الغلاف ، و كما قلنا سابقا ، أزرق فاتح، يوحي بالرحابة و الحرية و شساعة المكان ، إنه يعطي للحلزون حرية الحركة ، غير أن الإطار يقوم بتقليص المساحة ، و بالتالي ، التحكم في الفعل.

أما ظهر الغلاف فقد زين بصورة المؤلف التي أتت في الأعلى جهة اليمين و تحتها اسم المؤلف ، و الباقي ، و هو الحيز الأكبر فكان لكلمة الدكتور سعيد جبار في حق المجموعة و في الأسفل على الشمال الثمن.

صدرت المجموعة في طبعتها الأولى سنة 2014 ، عن مطابع الرباط نت. في 70 صفحة من الحجم الصغير و تتضمن 91 قصة ، يتصدرها تقديم بقلم الناقد الكبير ، محمد داني.

أغلبية العناوين مفردة ، أي من كلمة واحدة ، أما الباقي فجاء من كلمتين ، نعت و منعوت أو معطوف و معطوف عليه ، أو مضاف و مضاف إليه ، أو من شبه جملة، أو جملة فعلية مصدرة بلا الناهية .
إذا استثنيا عشرة نصوص فباقي نصوص المتن الكبير عبارة غن قصص قصيرة جدا تعتمد الإبراق و الإيماض و السرد الخاطف. تلتقط اللحظة الهاربة لتعيد تشكيلها بالحفاظ على وهجها.

نصوص المجموعة تعتمد الفضح و التعرية ، تنتقد و تدين كل الاختلالات التي يعرفها مجتمعنا . يقول الناقد ، محمد داني ، في هذا الصدد : "و هذا يجعلنا نستشف أن هذا الفضح يبين منظور الكتابة عند كاتبنا. إذ تصبح الكتابة عنده فعلا ملازما لقراءة الواقع..و الوجود.. و أنها رسالة عليه أن يعطيها حقها من الشفافية و المصداقية..و بالتالي الكتابة عنده تعبير عن الذات ، و تحقيق لوجود، و فهم للعالم و المحيط..يعيد بناء هذا العالم في صور مختلفة تندرج من الواقعية إلى التهكم و النقد ، و التعرية ، و النكتة الساخرة و اللاذعة ، و الموقف الساخر..." ص 6.
لنأخذ نص " حلزون" ص 11 و الذي استمدت المجموعة عنوانها منه ، نجد السارد يسخر من الحلزون الذي أعماه السباق فترك قوقعته من دون حماية ، ليكسب السباق ، و هذا فيه من السخرية الكثير ، و يخسر بيته ، حين عودته لن يجد القوقعة و لن يحصل على مقام يأويه ، و يتم طرده من حلزون آخر بحكمة تقول : "القوقعة لا تتسع إلا لحلزون واحد." فما قيمة الربح إن كان على حساب الخاص والحميم ؟

أما في نص " نضج" ص 14 ، فنجد أنفسنا أمام سخرية لاذعة ، تتمثل في الحكمة المكتسبة ، الصمت في مواجهة القمح و التسلط ، لقد كان حريا به أن يتعلم الكلام للجهر بالحق و الصدع به ، لكنه أدرك لخنوعه أن الصمت حكمة ، تلك القولة التي تعلمها في مدرسته فأتقنها في حياته. و نجد في التناص بلاغة ، و عمق معنى ، فمدارسنا لا تعلمنا سوى الرضوخ و الطاعة و تحمل الأذى بصمت يفوق صمت الجمل. ، يقول النص : تعلم في صباه أن " الصمت حكمة" . لما نضج... ابتلع لسانه. و لعمري إنه لنضج يحمل نقيضه في طياته و يضرب عميقا الخنوع و سياسة الاستسلام. بخلاف نص "إعدام" ص 13 ، حيث يقدم لنا نهاية دالة على الشموخ و الإباء ، مع رفض للعرض الساخر حين جعلوه أمام أمرين ، أحلاهما موت ، الإعدام شنقا أو رميا بالرصاص. هذا النص نظن أنه مستلهم من الحدث التاريخي المعروف ، حين وقف رئيس الدولة شامخا يسخر من جلاديه الذين كانوا ينتظرون منه توسلا فوجدوا أنفسهم في مأزق السقوط.

أما في نص "تفسير" ص 12 ، فتتبدى السخرية في حصول الطالب من قاموس المعاني التفسير المطلوب و انفلات المعنى. و أظن أن النص يشير إلى القراءة الحرفية للنصوص و ما تشكله من أذية لها ، و يدعو إلى القراءة المتأنية التي تولي المبنى و المعنى ما يستحقانه من اهتمام ، بدل الوقوف عند سطح الكلمات.

أما في نص " هو و هي" ص 39 ، فنجد السارد يقف موقفا إيجابيا من المرأة و يدين الرجل الشرقي الذي لا يرى إلا طهارته و دناسة المرأة ، فطرح السؤال الاستنكاري عليه : لو أنا من فعلتها !!..هل كنت تغفر لي ؟ فكان الرد خرسا.

و يؤكد نص "لا تحزني" ص 39 ، موقف الإدانة للرجل، حيث تأتي القفلة الساخرة صادمة له ، تقول المرأة بنقد لاذع : وا أسفاه ، كنت أعتقد أني أعاشر رجلا. فسحب الرجوليه عن الرجل الشرقي يعد قمة الإهانة.

إن نصوص المبدع مبروك السالمي ، تتميز بلغة تقوم على التكثيف و الإيجاز و الاختزال الشيء الذي طبعها بالقصر ، و قد أتت بجمل قصيرة ، و إشارات جملية كجمل البرقيات. معبرة و قوية و دالة.
هي نصوص نقدية ساخرة ترتبط بالمشاهد السردية ، و الحركية ، و الانسيابية ، تتجسد الحركات ، كما قال الناقد محمد داني ، عبر التمثيل ، و المتخيل ...و تتجسد حوارية اللغة فيما بينها ، فتعكس بصورة فنية ، و ضمنية ، التنوع الاجتماعي و بالتالي تعكس في حوارها القوى الاجتماعية في حركيتها و تعايشها.ص 6

ختاما ، يقدم لنا المبدع مبروك السالمي مشاهد متنوعة ذات ارتباط بالواقع الاجتماعي بفنية تغري بالمتابعة و القراءة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى