طلال الطيب - دراما العازب .

في صدري الكثير من الهوى والشر . ليس دائما بل أحيانا وحتى أن سكان الحي ينظرون إلى بخوف وتوجس , وكما أن صاحب الدكان رغم أنه قاسي وفظ إلا أنه يعاملني بلطف لاحظه الجميع , وكل هذا يتعلق ببيتي الذي إشتريته بعد سنوات من العمل خارج البلاد , وأنا الأن أعمل وأشغل نفسي .
بيتي له حوش كبير وشاسع وهذا ما يجعل الشعور بالوحدة عميقا وقاسيا ومرعبا أحيانا, إلا أن للهدوء لذة التفكر , وفي ساحته سرير من حديد لم أزحه عن مكانه منذ سنوات؛ لهذا أظن بأن قوائمه قد نمت لها جذور من حجر .
وعندي أربعة غرف كاملة الأثاث ونظيفة إذ أحرص على تنظيفها لتزجية الوقت أو حتى لأتذوق حلاوة الإيمان . إلا أن بيتي ينقصه إمرأة شعرها طويل أو قصير , جميلة أو قبيحة , المهم أنا لست متزوجا لأني لا أشعر بأني في حاجة إلى ذلك .
لست شاذا أشتهي الرجال أو الأطفال ؛ أنا مجرد رجل يجد النساء جميلات وحنونات وأصدق أي كلمة قالها فيهن نبي أو شاعر , ولكني لست متزوجا هل أكسر رقبتي حتى أتزوج ؟!
كل يوم تصرخ وتصيح فيني أمي قائلة:
-عليك أن تتزوج عمرك خمس وثلاثون سنة .
-لست مضطرا للزواج !
-بل أنت مضطر !
-أمي لا تناقشيني في هذا الموضوع .
-إذا لم ترد الزواج لماذا إشتريت بيتا ؟
-حتى أنام فيه .
-وحدك ؟
-نعم وحدي !
_أين هم أصدقائك ؟
_مع أهلهم .
تسكت أمي وأعلم حينها بأنها سوف تسألني ذلك السؤال الذي يكشف ما يعتقده الكثيرون في !
_هل عندك عشيقات ؟
أحاول أن أكون هادئا :
-لا يا أمي لا مكان للنساء في حياتي . أبلغي أبي تحياتي سوف أغلق الهاتف الأن .
ما أعرفه عن المرأة هو أنها حساسة جدا الكلمة الطيبة تؤثر فيها والغريزة الكامنة فيها مثل وصفة العسل في صدر النحلة تجعلها ترتمي في صدر أي رجل يعرض عليها الحب وممارسته في بيته الأمن .
وما ليس عندي هو نية إلتهام النساء فهن فاكهة الليل والنهار . فاكهة تؤكل دائما سرا ؛ لهذا يعاملني صاحب الدكان بلطف ولهذا يعاملني أرباب البيوت بلطف مشوب بالحذر لأنهم خائفون على بناتهم وربما حتى زوجاتهم . أظنهم يتمنون لو أتزوج أكثر من ما تفعل أمي .
الحوش الواسع يجعلني أشعر بأن الريح تحدق في وتكاد تنطق , تهز الملاءة , وتسقط الإبريق لتقول : إسمعني .
الشيطان تعب من محاولة إغوائي بالنساء ( النساء فتنة ) أليس كلام النبي واضحا ؟
ماهذا المجتمع الذي لا يتركك في حالك حتى تتزوج ؟! إشتريت بيتي هذا حتى أجن من الوحدة والهدوء , وجدت الهدوء ولكن الضجيج حولي كثير وصاخب .
ضجيج أفكارهم حولي . أسئلتهم التي تخرج من كهوف أعماقهم مثل الخفافيش تفزعني دائما .
الريح تطرق الباب الذي لم تلمسه يد أنثى منذ أن لمسته أنا . هل لك أنت أيضا أيها الباب أي أسئلة بخصوص عدم زواجي ؟
ترتمي الريح علي تحاول أن تمسكني لكنها تتشظى وتستسلم . أدخلها إلى صدري أزفرها شبه ميتة .
أحب أن أتشاجر مع المنافقين حينها تكون عندي الفرصة لكسر أقنعتهم الكبيرة والهشة قال لي صاحب الدكان بعد أن وضع إبتسامته في يدي :
_ هل تريد أن تقضي وقتا ممتعا مع بنات جميلات وسمينات ؟ لقد رتبت كل شيء هل تريد أن ..........

نفضت عن يدي إبتسامته وغسلت منها اللعاب وشعرت وقتها بالغثيان .
إستعادت الريح نشاطها . رمقتني بغضب وجهها الأن غيوم وغبار . صوتها رعد , وما إن أمطرت حتى أخذت فراشي ودخلت إلى غرفتي وتركت لها السرير لتكسره إن إستطاعت .
رغم صخب الرعد وضجيج الهطول سمعت بكاء أطفال جاري وأصوات الأبواب وصوته هو أيضا !
حقا لماذا لم أتزوج لأنجب أطفال يبكون إذا أيقظهم المطر , أو حتى لأرى إمرأة أحبها تستيقظ بجواري بشعر يشير إلى كل إتجاه مثل أشعة الشمس وتغلق أزرار قميصها لأني كنت إلى نهديها أنظر .
هل أنا أناني لا أريد أن أشارك حياتي مخلوق من جنس أخر إسمه إمرأة ؟
ركلت الريح الباب بعنف وفتحته , وحاولت إمساكي بأصابع من ماء فتبللت وبينما أنا أنهض حتى أغلق الباب رأيت ظلي في الحائط يبدو مثل رجل أخر , ظل رجل هزيل وضعيف . ظل عجوز يرتدي جلابية لها لحية كأنها خيوط عنكبوت واهنة .
ومن غير أن أمشي مشى الظل بصعوبة حتى أنني كدت أن أساعده كان يريد إغلاق الباب لكن الريح تدفعه بعيدا عنه .
أغلقت الباب . هزمت الريح وعدت إلى فراشي بعد أن نزعت عني الثياب المبللة وإستيقظت وفي صدري نية الزواج .
عندما أخبرت عنها العصافير التي كانت تلعب في بركة ماء في منتصف الحوش زغردن بصوت عال .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى