الطاهر شرقاوي - زيارات سرية.. قصة قصيرة

كان هناك ولد صغير ، لم يكن فمه تحت أنفه كبقية الناس ، كان في جانب وجهه ، تقريبا تحت خده ، لم يكن شكله بشعا ، أو مقززا ، لكنه كان غريبا ، وغير مألوف . وكان هذا كافيا ، لأن تبص عليه العيون الجديدة ، لفترات طويلة ، وهى تتمتم بأدعية هامسة ، بينما عيون ناس الحتة ، كانت قد تآلفت على ذلك ، بحيث لم يعد يمثل لها أي نوع من الدهشة .

الولد لم يكن يشعر ، بأن هناك شيئا غير عادى في جسده ، كان يستطيع الكلام ، نعم ، كانت بعض الحروف تتآكل ، ويتساقط منها فتات قليل ، المهم ، أن الآخرين كانوا يفهمون كلامه . كان قصيرا ، وبدينا ، مع أنه أول من يقوم من على الطبلية ، تاركا إخوته الطوال ، النحاف ، الذين يمتلكون أفواه تحت أنوفهم ، يلتهمون بقية الأكل . رغم ذلك ، كان ذكيا ، ولماحا ، فقد علم نفسه أشياء كثيرة ، منها مثلا ، كيف يضحك كبقية الخلق ، ويدخن السجائر ، التي لم يكن يشتريها أبدا .

السيدات في الشارع ، كن يقلن انه : " مبروك " . ربما هذا هو السبب ، الذي جعل أمه ، تعرفه منذ صغره على طرق الجوامع ، مستمتعا بفرش الحصر للمصلين ، ثم لمها بعد الصلاة .

وكن يقلن أيضا وهن يتسامرن ، عند الأرملة الشابة بائعة الخضار ، انه : " طيب " . لكنه بعد أن كبر قليلا ، اكتشف انه ليس مبروكا ، ولا طيبا ، فلم يعد يروح إلى الجامع ، ولم يعد يصلى ، كان ذلك منذ أن بدأ عضوه يؤلمه ، العضو الذي في حجم نواة بلح ، والمندس بين طيات لحمه ، وكان يقضى وقتا طويلا ، في عرك ما بين فخذيه ، غير مبال بتقديم تفسير مقنع لأخوته المتذمرين ، من طول مكوثه في الحمام . وبدأت بنات كثيرات من شارعه ، ومن شوارع أخرى مجاورة ، وأخريات لا يعرفهن ، يزرنه في أحلامه . كن مرحات وطيعات ، وكن يقلن وهن يداعبن شفتيه بأطراف أصابعهن : إن فمه جميل . كان هذا يسعده كثيرا ، أما ما كان يؤلمه حقا ، فهو مواجهته بالرفض القاطع ، عندما تروح أمه ، التي صارت أرملة من فترة ، لطلب أيديهن ، قائلات لأمهاتهن في قرف : إنهن يردن رجلا حقيقيا ، وإنهن بعد طول الصيام ، لن يفطرن على بصلة .

أخوته الطوال ، بدءوا واحدا وراء الآخر، يفتحون بيوتا خاصة بهم ، تاركيه في البيت وحيدا مع الأم ، وأخذوا يبعثون به إلى المآتم ، ممثلا للعائلة في تقديم واجب العزاء ، وزيارة المرضى الميئوس من شفائهم . بينما اكتفوا هم بالرواح إلى مناسبات الطهور ، والسبوع ، والأفراح ، وانتهاء فترة الجيش ، ورجوع الغائبين في بلاد الغربة .

الجارات الحكيمات ، اقترحن على الأم الحزينة ، أن تبحث عن واحدة عندها ظروف ، كأن تكون عرجاء مثلا ، أو عوراء ، أو عمياء . حتى هؤلاء سرعان ما كن يرفضنه ، قائلات : إنهن يفضلن أن يعشن عزباوات .

الأم المكلومة كانت تتربع على كنبة الصالة ، تضع خدها ، على يدها كثيرا ، وتفكر ، ثم بدأت تعامله كرجل حقيقي ، صاحب بيت ، لا تنام حتى يعود من مشاويره ، تحضر له الحمام ، وتدعك ظهره ـ الذي لم يطله أبدا ـ بالليفة ، ولا تزور جاراتها حتى تأخذ الأذن ، تساعده في ارتداء الجلباب المكوي ، وتدعو له بالسلامة ، وبأن يوقف له الله في طريقه أولاد الحلال ، وان يبعد عن سكته أولاد الحرام .

بينما الولد ، لم يعد يلق بالا لشيء ، فقد انشغل بتدخين السجائر ، التي لم يكن يشتريها أبدا ، والحرص على القعود في أول صف ، في سرادقات العزاء ، ومجالسة العجائز ، المشغولين بسرد الحكايات القديمة . مكتفيا بتلك الزيارات السرية ، التي تتم حسب الظروف ، لبنات شارعه ، والشوارع المجاورة ، وأخريات لا يعرفهن ، المتزوجات منهن وبنات البنوت ، مستمتعا بأنفاسهن التي تلفح جسده ، وبأطراف أصابعهن وهى تمر ببطء ، وتتحسس شفتيه .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى