ألف ليلة و ليلة يعقوب يوسف الغنيم - ألف ليلة وليلة (1)

قصص ألف ليلة وليلة مجموعة من الحكايات ذات شهرة في الشرق وفي الغرب، ترددها جميع المجتمعات العربية، وفي القرن الثامن عشر ظهرت ترجمتها على يد أحد المستشرقين وأسمه: جالان، الذي قدمها للقراء فيما بين سنتي 1704م و1708م، وأدى ذلك الى ظهور عدة ترجمات لها مما أشاعها، وجعل الباحثين في المسائل الشعبية يقومون بإعداد دراسات متوالية عنها، بما في ذلك البحث في مغازي القصص، وفي أساليبها، ثم في البحث عنها من حيث موطنها، وسبب ظهورها، وفي هذه الأثناء ظهرت أقوال كثيرة تحكي عن مصدر ألف ليلة وليلة: من أين جاءت؟ وما هو أصلها؟ وقد تعددت الأقوال كثيرا حول هذا الأمر فهناك من قال: إن أصلها هندي، ومن قال: إن أصلها فارسي، والواقع ان تعدد الأماكن التي تدور عليها القصص الواردة في كتاب ألف ليلة وليلة، وتعدد الأمصار المذكورة فيها تدل على انها لا تنتمي الى بلد واحد إلا ان تكون الحكايات قد بدأت قليلة تنتمي الى بلد بعينه ثم زاد فيها الرواة فخرجت من بلد الى بلد.
وهذا الذي نقوله عليه دلالة من قول الأستاذ أحمد رشدي صالح في كتابه فنون الأدب الشعبي الذي صدر في سنة 1956م، فقد ذكر ما يشبه الذي أشرنا إليه حين قال: لقد أرتحل تأليف ألف ليلة وليلة بعد ترجمتها، فأضيفت إليها اضافات غير أصلها، والى هذه الناحية وجه المستشرقون همهم لمعرفة المواطن المختلفة.
ثم يضيف الى ذلك ويرجحون ان بعض أجزائها قد أضيفت في العراق كقصتي هارون الرشيد، وجعفر البرمكي، وبعضها قد أضيفت في سورية، وجانب قد زيد في مصر، وهو أحدث أجزائها، ومنه قصة أحمد الدنف، ودليله، ومما يذكر ان الجانب المصري يصطبغ بالإمعان في الخيال، والإشارات الأسطورية.
وإذا أردنا ان نتساءل عن حكايات ألف ليلة وليلة من حيث القصد من تأليفها، ولمن ألفت؟ فإننا سوف نجد الجواب على التساؤل في دراسة قدمتها الدكتورة سهير القلماوي لجامعة القاهرة، فنالت بها شهادة الدكتوراه. وموضوع الرسالة هو: ألف ليلة وليلة، وهي تقول ضمن بحثها: إن كتاب ألف ليلة وليلة لم يؤلف ليقرأ ويحفظ في دور الكتب، وإنما هو مجموعة من القصص المتفرقة، كان القصد منها، ومن كتابتها تسلية العامة شفاها وتسميعا.
ومع ذلك فإننا نستطيع القول ان لهذه القصص جانبا تعليميا وتثقيفيا ينبغي ان يؤخذ بالحسبان، ومما يؤكد لنا ذلك اننا نجد من بين حكاياتها حكاية تتعلق بالطيور والثعلب مع الذئب والحمار والثور مع صاحب الحقل، ومنها النهي عن الاغترار بالدنيا والوثوق بها، والكرم، وغير ذلك.
هذا وتحتوي حكايات ألف ليلة وليلة على نماذج بشرية كثيرة هم أبطال القصص الذين يصنعون الحكاية أو تدور حولهم الأحداث، ومن هذه النماذج الملوك والأمراء والتجار والشعراء وأصحاب الحرف اليدوية بجميع أنواعها.
ونماذج التجار في القصص من أدل الأمور على المخاطرة التي يقوم بها كل تاجر، وهي التي تنقل القارئ الى خيالات يصل بموجبها الى بلاد عجيبة ذات مسحة خيالية.
طبعت ألف ليلة وليلة في عدد من دول الوطن العربي منها مصر ولبنان وسورية، وانتشرت في جميع الأصقاع العربية، وكانت تباع في الكويت لدى مكتبات بيع الكتب وعلى الأخص مكتبة محمد بن سيار التي اشتهرت بجلب وبيع مثل هذا النوع من الكتب، والى جانب ذلك فإن عددا من الأهالي يمتلكون نسخا من هذا الكتاب، ويحرصون على قراءته بين وقت وآخر، وبعض الأسر تستمع إليه من واحد منها وهي مجتمعة حوله، وفي بعض الديوانيات يقرأ أحد القراء شيئا من قصص ألف ليلة وليلة وما شابهها.
وبهذا فإن هذه الحكايات معروفة ومنتشرة في الكويت وفي خارجها، وهي صورة واضحة للأدب الشعبي العربي مهما قيل عن مصادرها، وبسبب انتشارها في الغرب وترجمتها الى لغات أخرى غير اللغة العربية دليل على اهميتها، وعلى ان ما تحتوي عليه من أحداث وأخبار بغض النظر عن صحتها، فإنها تقدم صورة تمثل المجتمعات القديمة على نحو ما.
تحدثت الموسوعة العربية الميسرة عن ألف ليلة وليلة فذكرت أنها: مجموعة منوعة من القصص الشعبي العربي بلغة بين الفصحى والعامية، يتخللها شعر مصنوع أكثره مكسور، وركيك، في نحو 1420 مقطوعة.
وتحدثت هذه الموسوعة عن طبعات ألف ليلة وليلة فذكرت أنها حديثة في مجملها، وأنها لا ترجع الى أقدم من القرن التاسع عشر، وان هذا هو ما جعل البحث عن أصولها عسيرا للغاية، وهذه الطبعات الأولى تأتي على الترتيب الوارد أدناه:
> طبعة مدينة كلكتا الهندية (الأولى).
> طبعة بولاق (الأولى).
> طبعة كلكتا الهندية الثانية.
> طبعة برسلاو. في بولندا.
> طبقعة بولاق (الثانية).
وتتابعت الطبعات بعد ذلك كما أشرنا سالفا.
وقد جرى بحث طول عن أصول هذه الحكايات، ولكن دون نتيجة تذكر، فقد أغلقت الأبواب أمام الباحثين في هذا الشأن.
أما عن ترجمتها الأولى، فقد كنا ذكرنا ان الذي ترجمها في البداية اسمه: جالان. وكانت ترجمته مع التصرف، وقد تأكد الباحثون أنه تصرف كبير، وجالان هذا من فرنسا واسمه الكامل انطوان جالان، وقد بدأ بعض الغربيين في ترجمة ألف ليلة وليلة مثل ترجمته، ثم طبعت في طبعات مختلفة منها ما هو مصور بجميل الصور، ومنها ما أعد لكي يقرؤه الأطفال، فكانت كتابته وصوره على النمط المعهود لقصص الصغار.
ولم تخرج الموسوعة العالمية كثيرا عما سبق ذكره ولعل من أهم ما ورد في هذه الموسوعة، ما يلي: تُمثل القصص بيئات شتى خيالية وواقعية، وأكثر البيئات بروزاً هي: مصر ثم العراق وسورية، واختلف الباحثون حول تقسيم القصص بحسب المواطن.
والنسخ تختلف فيما ورد فيها من القصص اختلافاً قليلاً ثم قسمت - مجموعة ألف ليلة وليلة - بحسب الموضوعات عبر القصص كلها. ودرست في العربية. وقد أظهرت الدراسة اختلاف أساليب القصص، وطرق المعالجة باختلاف الموضوع لاصطباغه بالمنبع الذي عنه أخذ.
ويقسم ليتمان الليالي الى موضوعات، في آخر نسخة من دائرة المعارف الاسلامية.
وهي تدرس - كذلك - من حيث تنوع النسخ والترجمات دراسة دقيقة فاحصة. وتدرس من حيث سبب تسميتها بهذا الاسم.
وتكرر الموسوعة ان الدراسة التاريخية، والأسماء التي وردت في الحكايات وكذلك ما ذكر فيها من الأشياء والأماكن قد تعين على تحديد عصر ألف ليلة وليلة مع صعوبة ذلك، لأن القصص ذاتها تتحدث عن عدة عصور وعدة أماكن بل وعدة ملوك ما يجعل الوصول الى المطلوب وهو تحديد الزمان الذي رويت فيه صعبا للغاية.
أما ليتمان الذي ورد ذكره أعلاه، ويبدو أنه من كتاب دائرة المعارف الاسلامية وهو باحث ألماني له دور كبير في دراسة التراث الشعبي العالمي، له الى جانب ما ذكرناه كتاب خاص بموضوعنا هذا عنوانه: ألف ليلة وليلة، دراسة وتحليل إنه إينو ليتمان، وقد ولد في سنة 1892م، ومات في سنة 1958م.
أساس حكايات ألف ليلة وليلة بطلان مهمان تدور بهما كل حكاية. وهما الملك شهريار وابنة الوزير شهرزاد، وكان شهريار قد اكتشف خيانة زوجته له، فقتلها، ثم صار يتزوج في كل ليلة بواحدة من نساء بلده، ويقتلها في الصباح خوفا من انحرافها كما صنعت الأولى. وقد ضج الناس جميعا لهذا الأمر، وكثر عدد المنكوبين ببناتهم، ولم يبق في المدينة إلا ابنة الوزير وهي: شهرزاد، وكانت فتاة ذكية قارئة للكتب وأخبار الملوك والشعر، فقالت لوالدها: زوجني هذا الملك، إما أن أعيش، وإما أن أكون فداء للبنات وسببا في خلاصهن من هذه المأساة.
كانت شهرزاد - بعد أن تزوجت بالملك - تقص عليه في كل ليلة حكاية تتوقف عن إكمالها عند طلوع الصباح، فيكون الملك متشوقا الى سماع باقيها، فيضطر الى استبقاء شهرزاد لليلة إضافية حتى يستمع الى باقي الحكاية التي تربطها في نهاية الليل بحكاية أخرى تتوقف عن روايتها عند طلوع الصباح وهكذا حتى انها أنهت ألف ليلة وليلة على هذه الشاكلة فلا هي توقفت، ولا هو مل سماعها، وبعد انتهاء هذه المدة زالت من نفس الملك تلك الأفكار السوداء عن النساء فأبقاها زوجة له الى الأبد، وأقلع عن سيرته السابقة.
وتحولت حكايات شهر زاد الى كتاب ضخم يضم بين دفتيه هذه المجموعة الكبيرة مما روته لشهريار، وقد جرى حديث عن أصول هذه الحكايات في عدد من الكتب، منها ما أشرنا إليه قبل قليل، أما وصول الكتاب الجامع لحكايات ألف ليلة وليلة فقد جاءنا كما يلي، وقد أشرنا الى بعضه سلفا، تعود أقدم مخطوطة وصلت إلينا من ألف ليلة وليلة الى القرن الحادي عشر الهجري، وقد كتبت بلغة أقرب الى العامية ومسجوعة أحيانا، وتتجه بخطابها القصصي الى الإنسان العادي، ولم تتقيد بقواعد النحو العربي، ولم يعرف لها مؤلف ولذلك فهي من الأدب الشعبي.
وإن كنا لاحظنا الاهتمام الغربي الكبير بهذه الحكايات، وتنويع ما كتب حولها والاستفادة منها في تقديم كتب مصورة جميلة للأطفال فإننا نستطيع ان نقول إنه لم يكن المستشرقون من كتاب الغرب - فقط - هم الذين اهتموا بألف ليلة وليلة وكتبوا عنها، ففي تراثنا أكثر من رجل أمين قد ذكروا ذلك، ومنهم ابن النديم في كتابه الفهرست، والمرزوقي في كتابه: الأزمنة والأمكنة.
ومما يجدر بنا قوله هو أن: عددا من الموسوعات قد كتبت عن ألف ليلة وليلة كتابات كثيرة فيها توسع، وفيها عودة الى الأصول، والى الترجمات، والى الطبعات بأنواعها ولكننا نلاحظ التشابه الكبير بين المقولات التي ترد في هذه الموسوعات، حتى تصل الى شيء من التماثل، وهذا غير مستغرب فالموضوع واحد، ودراسته قديمة وعميقة وختاما لعرضنا هذا فإننا نجد بعض ما كتب مما يستحق الإثبات هنا لأنه فيه اختلاف ولو كان يسيرا عن المنقولات السابقة التي علقنا عليها، وفي هذا الذي نشير إليه فقرتان مهمتان هما:
أ) بعد اشارة الى مصادر ألف ليلة وليلة، والى الأصل الذي تنزع إليه جاء هذا التعليق أما الحقائق الثابتة حول أصلها، فهي انها لم تخرج بصورتها الحالية، وإنما ألفت على مراحل وأضيفت إليها على مر الزمن مجموعة من القصص بعضها له أصول هندية قديمة معروفة، وبعضها مأخوذ من أخبار العرب وقصصهم الحديثة نسبيا، أما موطن هذه القصص، فقد ثبت أنها تمثل بيئات شتى خيالية وواقعية، وأكثر البيئات بروزاً العراق وسورية ومصر، القصص بشكلها الحالي كانت قد كتبت في حوالي 1500 للميلاد.
ب) أما الفقرة الثانية فهي تشير الى ما يلي: وتعتبر ألف ليلة وليلة من أفضل ما في المكتبة العربية من مصدر حياتي واقعي لما تحتويه من الاشعار ولما تشير إليه من حكايات وقصص تعرفنا بالتاريخ القديم والعادات التي كان لها التأثير، كل التأثير اجتماعياً، وثقافياً وعلمياً ويستدل على ذلك من سعة انتشار هذا الاثر الخالد وتهافت المطابع العربية ودور النشر قديما وحديثا على اعادة طباعته في مجمل عواصم العالم عدا عن المبادرة الى ترجمته الى مختلف اللغات ونخص بالذكر الترجمتين الفرنسية والانجليزية.
ومما ينبغي ذكره هنا ان الفقرة رقم أ التي مضت انما هي تعليق على القول السائد عن أصل ألف ليلة وليلة وهو أنها من أصل فارسي قد ترجمت عنه وهو هزار أفسان، ومعناه ألف خرافة وقد بين لنا ما ورد في الفقرة (أ) أن تنوع ما ورد في الكتاب الذي بين أيدينا ينفي ذلك.
ولئن كنا قد تحدثنا - من قبل - عن اينو ليتمان فإن من المهم ان نوسع دائرة الحديث عنه، فهو رجل يستحق ذلك، فقد كان له دور في الحياة العلمية ليس في بلده بل وفي مصر العربية كذلك، فقد كان من كبار المشاركين في الدراسات الشرقية، وكان مدرسا في الجامعة المصرية القديمة لبعض الوقت، وكان عضوا في مجمع اللغة العربية بمصر، وما ينبغي ان يذكر هنا ان المجمع أقام له حفل تأبين مهم عندما مات وشارك في ذلك الحفل د.طه حسين الذي كان يطلق عليه لقب عميد الادب العربي.
ولقد قال العميد يومذاك:
إذا ذكرت الاستاذ ليتمان فلست أذكر زميلا في المجمع فحسب، وإنما أذكر استاذاً كان له أبلغ الاثر- لا أقول في حياتي الخاصة - ولكن في حياة كثير من الشباب الذين كانوا يختلفون الى الجامعة المصرية القديمة، وما أعرف أن أحدا أثر في الحياة العقلية في الشباب المصريين في ذلك الوقت كهذين الاستاذين العظيمين اللذين كانا عضوين في هذا المجمع: الاستاذ نالينو والاستاذ ليتمان
هذا بعض ما قيل عن ليتمان الذي كان ضِمن أولئك الذين قاموا بترجمة كتاب ألف ليلة وليلة، وقد اعترف له بالتفوق كتاب في شأن الترجمات هو: مترجمو ألف ليلة وليلة، وهو خورخي لويس بورخيس وهو كاتب ارجنتيني تولي الحديث عن ترجمات هذا الكتاب التراثي، وكان من بين الترجمات التي تحدث عنها هذه الترجمة التي قام بها اينو ليتمان، وقال عنها: ان ترجمة اينو ليتمان هي على الدوام واعية، وقابلة للقراءة، وعادية، وانه يتبع ايقاع اللغة العربية نفسها، وترجمته هي الأفضل.
ونعود الآن إلى كتاب ألف ليلة وليلة، ونحن نقصد - بالطبع - النسخة العربية من هذا الكتاب، وقد جرى طبعها كثيراً كما اشرنا من قبل، وتكاد تكون قد طبعت في كل بد عربي، الا ما قل من ذلك، وكانت لي مفاجأة ان وجدت في احدى مكتبات بيع الكتب في الكويت طبعة أنيقة متقنة تتكون من اربعة مجلدات، وتحتوي على أغلفه ملونة وعلى صور ملونة في داخل كل جزء من اجزائها.
طبعت هذه الطبعة في الجزائر، وبالتحديد لدى دار الهدى هناك، وهذه الدار لها فروع في وطنها موزعة على عين مليله، وقسنطينة، والجزائر، ووهران، وللدار وكيل أو شريك - لا أعرف - في بيروت هو: المكتبة الحديثة، ناشرون، وربما كانت هذه المكتبة من ممتلكات الدار الجزائرية اتخذتها من أجل تسهيل توزيع انتاجها من الكتب في بقية اجزاء الوطن العربي.
كان الذي ذكرنا فيما مضى من سطور هو بمثابة مقدمة لما نريد ان نذكره عن حكايات ألف ليلة وليلة، واذا كنا قد اسهبنا في كل ما ذكرناه فإن ذلك من مقتضيات الموضوع فألف ليلة وليلة ذات أهمية كبرى في التراث الشعبي العربي وهي إضافة إلى ذلك قد خرجت من عالمنا إلى عالم الغرب فترجمت وكانت أهم ترجمتين لها هما: الانجليزية والفرنسية واهتمام الاجانب وعلى الأخص منهم فئة المستشرفين بهذه الحكايات دليل على أهميتها فهي تمثل التاريخ الاجتماعي للقرون التي وردت الحكايات عنها، وهي متنوعة بشكل يلفت الانظار الى انماط الحياة التي تدل عليها القصص التي جاءت متنوعة على صورة تلفت الانظار وتملأ الذهن بالمعلومات بجميع انواعها، وهذا هو ما يبحث عنه الباحثون وما دمنا قد تحدثنا عن طبعة الجزائر لكتاب ألف ليلة وليلة وهي طبعة - فيما نرى - دقيقة، وكان الحرص على اتقانها واضحاً يراه القارئ ابتداء من غلافها، ومع ذلك فهي شبيهة بالطبعات العربية الاخرى من حيث عدد القصص وترتيبها وشخصيات كل قصة، ولا نكاد نجد فرقا واضحاً بين طبعة واخرى إلا فيما ندر وهذا بيان عنها.
يبدأ الجزء الأول ببيان كيفية ابتداء الحكايات، وهذا البيان يأتي سهلاً يسيرا، معبراً عن سلوك طريق شهرزاد الى رواية حكاياتها ومن ثم إلى قلب الملك الذي كان لا يصبر على أي فتاة يتزوجها أكثر من ليلة واحدة فاضطر بسبب ذكائها واحاديثها إلى الصبر عليها ألف ليلة وليلة، ولم تخضع لما خضع له أمثالها من الفتيات اللاتي تزوجهن الملك من قبلها. وحكاية الابتداء هذه سوف نقدمها كاملة مع تصرف قليل بعد ان نذكر بيانات الأجزاء الأربعة كاملة وذلك كما يلي باختصار شديد.
الجزء الأول، وابتداؤه من الليلة الأولى إلى الليلة الثامنة والستين بعد المئة، وتحتوي على الحكايات التالية:
أ) حكاية المقدمة.
ب) التاجر مع العفريت.
ت) الشيخ الأول صاحب الغزالة
ث) الشيخ الثاني صاحب الكلبتين.
ج) الشيخ الثالث صاحب البغلة.
ح) حكاية الصياد مع العفريت.
وذلك مستمر على هذا النمط إلى نهاية ليالي الجزء الأول.
الجزء الثاني: ويبدأ من الليلة التاسعة والستين بعد المئة ويحتوي على روايات منها:
أ- حكاية الراعي العابد حكاية الطيور والوحوش مع بني آدم.
ب- حكاية العصفور.
ت- حكاية الحائل.
ث- حكاية قمر الزمان.
وهكذا يبدو لنا تنوع هذا الجزء من الكتاب لأن شهرزاد تكون قد أطمأنت كثيراً إلى حياتها، وعلمت ان شهريار مشتاق إلى سماعها في كل ليلة منتظراً متى تنتهي هذه الحكايات اللطيفة المتنوعة، فصارت حكاياتها هنا أكثر عمقاً وأشمل في المعاني والموضوعات، وهذا الجزء من الكتاب ينتهي في الليلة التاسعة والأربعين بعد المئة الرابعة، بزيادة كبيرة على القصص التي وردت في الجزء الأول الذي لم يتجاوز الثامنة والستين بعد المئة، وهذا ما يدل على صدق ما أشرنا إليه من اطمئنان شهرزاد وانطلاقها في بث حكاياتها لشهريار.
الجزء الثالث: وهذا الجزء يبدأ منذ الليلة الخمسين بعد المئة الرابعة، وينتهي عند الليلة الخامسة والاربعين بعد المئة السابعة، وهي مملوء بالحكايات وان كان بعضها قصيراً إلا انه لا يخرج عن الطريق التي سلكتها شهرزاد في سردها للاحداث دون ان يمل مستمعها او يدركه النوم قبل ان يدركها الصباح.
ومن موضوعات هذا الجزء:
- تودد الجارية.
- المرأة الصالحة.
- الرجل الصالح.
- حكاية إبراهيم الخواص مع ابنة الملك.
- حكاية السندباد.
- حكاية مدينة الجن.
وهذا من الملاحظ ان بعض الحكايات لا ينتهي في ليلة واحدة من ليالي ألف ليلة، بل إن هذا البعض ليأخذ عدة ليال.
مثلما حدث مع حكاية السندباد التي اخذت شهرزاد في سردها ليالي طويلة.
ومثل ذلك حكاية: كيد النساء وحكاية على الزيبق المصري، وغيره.
الجزء الرابع: وهو الأخير، من أجزاء كتاب ألف ليلة وليلة، وقد كانت بدايته مع الليلة السادسة والأربعين بعد المئة السابعة الى ان أنتهي في الليلة الاولى بعد الألف ويتميز هذا الجزء في ان بعض حكاياته تتكون من عدة فصول، وان بعضها يتكون من فصل واحد ولكنها استغرقت عدة ليال حتى صار تمام الحكاية. ومن حكايات هذا الجزء.
- حكاية حسن وهي متفرعة إلى عدة حكايات.
- حكاية مسرور التاجر.
- حكاية مريم الزنارية.
- حكاية الثعلب والذئب.
- حكاية صياد السمك.
ينبغي ان نذكر أمرين مهمين يتعلقان بحكايات ألف ليلة وليلة، وهما:
أ) ان بعض الحكايات قد أخذت شهرة كبيرة بين الناس، وكان أكثرهم يحرص على تداولها، وقضاء السهرات معها لما فيها من تشويق وحبكة قصصية ممتعة.
ب) ان بعض هذه الحكايات وعلى الأخص منها ما يمكن ان ينطبق عليه ما ورد في البند (أ) قد طبع في كراسات أو كتيبات صغيرة، وصار يباع لدى مكتبات بيع الكتب مفصولا عن ألف ليلة وليلة، حتى لقد صار مشهورا بذلك ومن هذا حكايات السندباد، وتودد الجارية، وليس الجليس، وقمر الزمن، حسن الصايغ، على الذيبق.
وكثير آخر من أمثال هذه الحكايات، وأذكر أن أكثر من بائع لها يقوم بعرضها في الكويت إضافة الى المكتبات المخصصة لبيع الكتب وهي مطبوعة في مصر وفي تونس.
وأخيراً فهذه هي حكاية الابتداء كما وردت في الجزء الأول من الكتاب، وهي تبين لنا كيف وصلت شهر زاد الى الملك لكي تكون زوجته، ولكي تحتفظ برأسها سليما بعد أن كان هذا الملك يقتل كل صباح زوجة جديدة.
وشهر زاد هي ابنة وزير الملك، وقد كان من تلك البداية ما يلي، وذلك وفق الحكاية التي وردت في بداية الكتاب ودلت على منهجه في تقديم القصص التي يحتوى عليها.
بعد أن قتل الملك شهريار آخر فتاة تزوج بها، دعا اليه وزيره، وقال له: أحضر الى زوجة أخرى ولا يمر هذا النهار إلا وقد أتيت بها، وكان هذا هو جاري عادته معه.
فخرج الوزير، لكي يبحث عن الفتاة المطلوبة، ولكنه لم يجد وضافت به الدنيا فتوجه الى منزله وهو خائف من الملك إن جاء المساء ولم يجد الفتاة المطلوبة، تقول الحكاية: وكان للوزير ابنتان ذاتا حسن وجمال وبهاء، وقد اعتدال الكبيرة اسمها شهر زاد والصغيرة اسمها دنيازاد، وكانت الكبيرة قد قرأت الكتب والتواريخ وسير الملوك المتقدمين وأخبار الأمم الماضين، قيل إنها جمعت ألف كتاب من كتب التواريخ المتعلقة بالأمم السالفة والملوك الخالية والشعراء فقالت لأبيها: مالي أراك متغيرا حاملا الهم والأحزان وقد قال بعضهم في المعنى شعرا:
قل لمن يحمل هما
إن هماً لا يدوم
مثل ما يفنى السرور
هكذا تفنى الهموم
فلما سمع الوزير من ابنته هذا الكلام حكى لها ما جرى له من الأول الى الآخر مع الملك فقالت له: بالله يا أبت زوجني هذا الملك، فإما أن أعيش وإما أن أكون فداء لبنات المسلمين وسببا لخلاصهن من بين يديه، فقال لها: بالله عليك لا تخاطري بنفسك أبدا، فقالت له: لابد من ذلك، فقال: أخشى عليك أن يحصل لك ما حصل للحمار والثور مع صاحب الزرع، فقالت له: وما الذي جرى لهما يا أبت؟
قال: اعلمي يا ابنتي أنه كان لبعض التجار أموال ومواش وكان له زوجة وأولاد، وكان الله تعالى أعطاه معرفة ألسن الحيوانات والطير، وكان مسكن التاجر الأرياف، وكان عنده في داره حمار وثور، فأتى يوما الثور الى مكان الحمار فوجده مكنوسا مرشوشا، وفي معلفه شعير مغربل وتبن مغربل، وهو راقد مستريح، وفي بعض الأوقات يركبه صاحبه لحاجة تعرض له ويرجع على حاله، فلما كان في بعض الأيام سمع التاجر الثور وهو يقول للحمار: هنيئا لك ذلك، أنا تعبان وأنت مستريح تأكل الشعير مغربلا، ويخدمونك وفي بعض الأوقات يركبك صاحبك ويرجع، وأنا دائما للحرث.
فقال له الحمار: إذا خرجت الى الغيط ووضعوا على رقبتك الناف فارقد ولا تقم ولو ضربوك، فإن قمت فارقد ثانيا، فإذا رجعوا بك ووضعوا لك الفول فلا تأكله كأنك ضعيف، وامتنع عن الأكل والشرب يوما أو يومين أو ثلاثة فإنك تستريح من التعب والجهد، وكان التاجر يسمع كلامهما، فلما جاء السواق الى الثور يعلفه أكل منه شيئا يسيرا فأصبح السواق يأخذ الثور الى الحرث، فوجده ضعيفا فقال له التاجر: خذ الحمار وَحَرِّثْه مكانه اليوم كله، فلما رجع آخر النهار شكره الثور على تفضلاته حيث أراحه من التعب في ذلك اليوم، فلم يرد عليه الحمار جوابا وندم أشد الندامة، فلما كان ثاني يوم جاء المزارع، وأخذ الحمار وَحَرِّثْه الى آخر النهار فلم يرجع إلا مسلوخ الرقبة شديد الضعف، فتأمله الثور وشكره ومجده، فقال له الحمار: كنت مقيما مستريحا فما ضرني إلا فضولي، ثم قال: أعلم أني لك ناصح، وقد سمعت صاحبنا يقول: إن لم يقم الثور من موضعه فاعطوه الجزار ليذبحه ويعمل جسمه قطعا، وأنا خائف عليك ونصحتك والسلام.
فلما سمع الثور كلام الحمار شكره وقال في غد أسرح معهم، ثم إن الثور أكل علفه بتمامه حتى لحس المذود بلسانه، كل ذلك وصاحبهما يسمع كلامهما، فلما طلع النهار وخرج التاجر وزوجته الى دار البقر وجلسا فجاء السواق، وأخذ الثور وخرج، فلما رأى الثور صاحبه حرك ذنبه، وبرطع، فضحك التاجر حتى استلقى على قفاه.
فقالت له زوجته: من أي شيء تضحك فقال لها: شيء رأيته وسمعته ولا أقدر أن أبوح به فأموت، فقالت له: لابد أن تخبرني بذلك وما سبب ضحكك، ولو كُنْتَ تموت، فقال لها: ما أقدر أن أبوح به خوفا من الموت، فقالت له: أنت لم تضحك إلا علي، ثم أنها لم تزل تلح عليه وتلح في الكلام الى أن غلبت عليه، فتحير وأحضر أولاده، وأرسل فأحضر القاضي والشهود، وأراد أن يوصي ثم يبوح لها بالسر ويموت، لأنه كان يحبها محبة عظيمة، فهي بنت عمه وأم أولاده، وكان عَمَّرَ من العمر مئة وعشرين سنة.
ثم إنه أرسل وأحضر جميع أهلها وأهل حارته، وقال لهم حكايته وأنه متى قال لأحد على سره مات، فقال لها جميع الناس ممن حضر: بالله عليك اتركي هذا الأمر لئلا يموت زوجك أبو أولادك، فقالت لهم: لا أرجع عنه حتى يقول لي ولو يموت، فسكتوا عنها، ثم إن التاجر قام من عندهم، وتوجه إلى دار الدواب ليتوضأ ثم يرجع يقول لكي لهم ويموت.
وكان عنده ديك تحته خمسون دجاجة، وكان عنده كلب، فسمع التاجر الكلب وهو ينادي الديك ويسبه ويقول له: أنت فرحان وصاحبنا رايح يموت، فقال الديك للكلب: وكيف ذلك الأمر؟ فأعاد الكلب عليه القصة، فقال له الديك: والله ان صاحبنا قليل العقل، انا لي خمسون زوجة أرضي هذه، وأُغْضِبُ هذه وهو ما له إلا زوجة واحدة لا يعرف صلاح أمره معها، فما له لا يأخذ لها بعضها من عيدان التوت ثم يدخل الى حجرتها ويضربها حتى تموت او تتوب ولا تعود تسأله عن شيء.
قال: فلما سمع التاجر كلام الدين وهو يخاطب الكلب رجع الى عقله، وعزم على ضربها، ثم قال الوزير لابنته شهرزاد: ربما فعل بكل مثل ما فعل التاجر بزوجته، فقالت له: ما فعل؟ قال: دخل عليها الحجرة بعدما قطع لها عيدان التوت، وخبأها داخل الحجرة وقال لها: تعالي داخل الحجرة حتى أقول لك، لا ينظرني أحد ثم أموت، فدخلت معه، ثم انه قفل باب الحجرة عليهما، ونزل عليها بالضرب الى ان أغمي عليها، فقالت له: تبت، ثم انها قبلت يديه ورجليه وتابت، وخرجت وإياه وفرح الجماعة وأهلها وصاروا في أسر الأحوال الى الممات. فلما سمعت ابنة الوزير مقالة أبيها قالت له: لا بد من ذلك، فجهزها وطلع الى الملك شهريار، وكانت قد أوصت أختها الصغيرة وقالت لها: اذا توجهت الى الملك أرسلت أطلبك فاذا جئت عندي ورأيت الملك جالسا فقولي: يا أختي حدثينا حديثا غريبا نقطع به السهر، وأنا أحدثك حديثا يكون فيه الخلاص ان شاء الله. ثم ان أباها الوزير طلع بها الى الملك فلما رآه فرح وقال: أتيت بحاجتي؟ فقال؟ نعم، فلما أراد ان يدخل عليها بكت، فقال لها، ما بك؟ فقالت: أيها الملك ان لي أختا صغيرة أريد ان أودعها، فأرسلها الملك اليها فجاءت الى أختها وعانقتها وجلست تحت السرير، فقام الملك ثم جلسوا يتحدثون، فقالت لها أختها الصغيرة: بالله عليك يا أختي حدثينا حديثا نقطع به سهر ليلتنا فقالت: حبا وكرامة ان أذن الملك المهذب، فلما سمع ذلك الكلام وكان به قلق فرح بسماع الحديث وأذن لها.
ومن هنا ابتدأت الحكايات، ومضت شهرزاد وهي تغترف من بحر قراءاتها في كل ليلة ما يشغل بال شهريار الى الصباح، فيضطر للانتظار حتى يستمع الى آخر هذا الحديث الطلي وكانت النتيجة ان زالت من نفسه النقمة التي كان يحس بها تجاه النساء اذ عرف أنهن لسن كلهن مثل زوجته الأولى التي خانته. وإلى اللقاء في القسم الثاني من هذه المقال.


د. يعقوب يوسف الغنيم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى