فردوس أبو القاسم - مسكونة بالرفض.. قصة قصيرة

تلك السحابة التي تظللني , لم تمنح أشعة الشمس فرصة اللقاء بأهداب الأمل .

فتراكمت حفنة أحلامي .. تقوقعت داخل محارة السكون .

قوافل الأيام تمضي .. وأحلامي ترفض المضي معها.هزأت مني أسراب الطيور وأنا أخطو نحوطريقي. وتداعت ذرات الرمل متوجمةمن خطواتي الجديدة فوقها.

ذرات حاولت استجماع قواها لتشكل حصى تعيق مسيري .

- كثيرا ما نحلم ,,ولكن قد تتمازج أحلامنا بالواقع ..وتضيق بلا موعد.

حتما ما أنا فيه ليس بحلم ولا واقع , يقيني له وجه شموخ أنني أحيا واقعا بلا حلم

تلك السحابة أسرعت تظلني , تخبئني .. تمنع أشعة الشمس من فرصة اكتشافي

تلك السحابة تشكلت كمظلة ترافقني غاضبة وجمة .. ترافقي السير وهي خجلا من المجازفة التي شرعت على تنفيذها ، كلما تقدمت خطوات أعادتني قناعتي الرافضة خطوات أكثر .

المكان موحش ومقزز حتى الاشمئزاز .

تضاءل جسدي الهزيل خلف والدتي وجارتنا وهما تسبقانني بخطوات ثابتة وقانعة بتلك المجازفة .

- معلمتي هل أنت ممن يرتادون مثل هذه الأماكن ؟ فاجأني وجه إحدى طالباتي

لفعني تحديقها خلال جدار هزيل يكاد أن ينقض على من حوله.

-أخفيت دهشتي وسذاجتي هربا من الإجابة.

ارتعدت مفاصلي،لم يكن لي شعور بالألم الذي يتقلص ويمتد على خارطة أيامي أعاق ابتهاجي بالحياة. أمي أكدت لي أن تأخر زواجي سببه عمل مدبر لعنوستي.

جارتنا(أم محمد)كانت تهمس مرارا في أذن والدتي حتى أصبح همسها جهرا

-(ابنتك مصابة"بالعين"وأعرف من يعالجها

تمسكت أمي بهدب المستحيل،وجعلته قانونا يلزمني إتباعه.فانسحبي إمكانيتي في الرفض وتغلغلت في أعطاف ذاتي حاولت أن تسقي قناعتي بالقبول سحبت يداي وأدخلتني إليه عنوة .

حجرة بائسة،قذرة للغاية يقطنها كائن يدعي"إنسان"يتمتم ويرغي ويربد..ترتعد النساء وهن يشرعن الدخول إليه.حوله أدخنة عفنة وملابسة الرثة كانت جزاءا من فوضوية الحجرة أصابتني نوبة من الذهول المجدول بضحكات هزيلة للموقف،والدتي كانت أكثر تماسكاً مني حدثته بخوف ممزوج بقناعة ذاتية على قدرته في أن يكون أحد أسباب الشفاء

" اقربي ..اقربي يا نور , حتى يعالجك ويخرج ( العمل ) المدبر لعنوستك "

قالتها أمي .

مسكونة بالرفض(1)

خلته المشرفة التربوية التي تحاول أن تصيد أخطائي أولا ولتخرج بتقرير مفصل يثبت قوة حضورها ..وضعفي .

قربت المسافة بيني وبينه وأصبحت جزءا من فوضوية المكان والزمان وكسرت حاجز اللامعقول .

هيهات .. فمازالت نزعة الرفض تسكنني تحاول أن تطغي على الموقف الهزلي

لكنني هنا أقف بين يدي هذا المشعوذ صامته قلقة مستسلمة لأن أكون رمز من رموز سذاجته وجهله .

تلمس يدي فأحسست بسليل من القشعريرة يقتحم نخاعي , تلقفها وضمهما في حركة بهلوانية سريعة .

فيما كانت والدتي تحدثه عن مشكلتي وبين إغفاءة عينيه وتمتمة كلماته كان يرمقني بنظرات مذبذبة ,

تراكيب الموقف أسرى تلك السخرية في نفسي وعزز من قيمة الرفض .

- " اهدئي يا بنت" كانت أول جملة أفقهها منذ ولوجي هذا المكان ، أطلقها ذلك المشعوذ وبتركيبة هزلية جعلتني أطلق تلك الضحكات وأتبعها بأخرى أعلى صوتا , ضحكات توازي حجم ذهولي وجرأتي في الإقدام على تلك الخطى .

خلته مشهد كوميدي يعرض أمامي في الحال .

صدى ضحكاتي نشر الذهول في أعطاف المكان فزادت نظرات الازدراء حولي , أمي كانت ترتعش خجلا وتطلب منه العفو عما بدر مني ، بينما أصابت دهشته سخريتي .

- ( يا بنت .. اسكني ..اسكني أنت ملموسة ’ مسكونة ، دعيني أحاول إخراجه ) قالها المشعوذ بهدوء ونظرات- الرجل - يصوبها نحوي .

كانت والدتي تنتظر قراره في شفائي أو سخطه مني ,, ولكنه رمقني بنظرة أخرى

قال لها : هل تتزوجني ابنتك ؟

تضاعف حجم ذهولي وضحكاتي , أيقنت بالفعل أني مسكونة , مسكونة

مسكونة بقنـــاعــة الــــرفـ......ض .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى