رزان نعيم المغربي - هاتف المساء.. قصة قصيرة

كل الأشياء التي تزعجنا نعتادها في نهاية الأمر بعد التكرار، هذا بالضبط ما خطر لي وأنا أعد له فنجان القهوة قبل ذهابي إلى الفراش، ليرفع سماعة الهاتف ويبدأ مسامرة صديقه. كنت في المطبخ، أتأمل ماء القهوة السميك وهو يتقلب ويخرج فقاعة كبيرة قبل أن يغلي ويفور، ضجراً من نار الموقد الحامية، كما ضجرت أنا مما يحدث معنا قبل ثلاثة أشهر، حيث كانت الحياة تمضي بنا رتيبة وهادئة مثل مياه نهر تعرف منتهاها، ولكن فجأة ظهر له هذا الصديق الذي شغله وغير الكثير من طريقة حياتنا. كيف حدث هذا التعارف وأين لاأعلم.

مضى على زواجنا عشر سنوات، اتفقنا على إنجاب طفلين، وهاهما يرقدان في غرفتيهما المشتركة. حينما تبدأ برامج التلفاز، أضع كراسات التلاميذ على الطاولة لتصحيحها وأتابع بلامبالاة ما يخطر من صور أمامي، وغير معترضة على تقليب البرامج بجهاز التحكم، لأظنه بعد أن يمل، يمسك بأقرب كتاب أو جريدة ويأخذ في حل الكلمات المتقاطعة، ويحدث أن تمر ليال كثيرة، هادئة لا نثير فيها جدالا حول تربية الأطفال، أو نقاشا بماذا يفكر من مشاريع جديدة، وحتى لم أعد استفزه ليحدثني عن أحلام يقظته بالسفر والأشياء الغريبة التي يودّ

فعلها، كما كان يحدث قبل سنوات،

بعد أن يغلبني النعاس، أشعر بيده تربت على كتفي، يوقظني، واذهب إلى النوم، كانت أياما هانئة لكن جاء من يعكر صفو مياهها الهادئة كل مساء.

كان السؤال في البداية يؤرقني:

- لماذا يطلب مني فنجان قهوة قبل ذهابي إلى السرير؟ وهو اعتاد أن لا يتناول القهوة بعد السابعة مساءً، ثم يهاتف هذا الصديق المجهول، وحينما أدخل زمن المراوحة بين النعاس والاستسلام الكلي للنوم، أكون قد التقطت نتفاً من الحوار الدائر بينهما، اسمع أحياناً جملاً لا رابط بين كلماتها؛ وربما استغرقته ضحكة طويلة؛ بعد أن يروي لصديقه آخر طرفة سمعها،،، كان زوجي وعلى غير مااعتدته منه، يستأثر بالكلام، وأحياناً أظن أن صديقه يرفع السماعة فقط، ليستمع لهذه القصص والتي بت أعرف من خلالها بعضا من هموم ومشاكل العمل التي تزعجه، فهمت في أحد المرات أن زميله أخذ ترقية ولم يكن جديرا بها، وأن عمله بات مملاً وليس لديه حافز يجعله يبذل جهدا فيه، لهذا لم أعد أشعر بكثير من الإزعاج، ولو أنني كثيرا ما تمنيت لو أنه باح لي بذلك؛ كنت وقتها شكوت له همي؛ من مدير المدرسة في صرف ساعات إضافية إلى صبية حسناء، جاءت تعمل معنا مدرسة لمادة الرياضة البدنية.

ثم أصبحت اللامبالاة من طرفي مصدر راحة له، ولم أعد أصّر على معرفة من يكون هذا الصديق الذي يفضل محادثته ليلاً، بدل الذهاب إليه أو معه إلى مكان ما، أو حتى يأتي لزيارتنا!

كان مطمئناً في أغلب الأوقات أنه لا يصلني صوته، ولا أعرف ما يدور، ولكن يوما بعد يوم أخذت أسترق السمع باهتمام شديد، وخطر لي مرة أن يكون معه على الطرف الثاني امرأة، لكنني استبعدت هذا الخاطر، أعرف أن زوجي رجل له طبيعة تبعده عن مثل هذه المغامرات وإلا لكان قابلها وغاب عن المنزل وادعى أن لديه عملا ما.

المصارحة التي كثيراً ما سمعتها، جعلتني اقترب أكثر وأكثر من زوجي، وأخذت أعرف عما يقلقه من هموم، كنت أعتقد أنها لا تعنيه؛ وانه سلبي تماما ولا يفكر مثلاً في طريقة لزيادة دخلنا أو حتى حمل عبء عمل إضافي جديد، وصلتني إجابته وهو يقول لصديقه:

-أبذل جهداً في الحصول على عمل مسائي يقتل ضجري ويزيد دخلي

كنت لا اعرف ماذا ينصحه الصديق، ولكن كان لدي حل، أن يعمل مع شركة زوج شقيقتي دون الشعور بالحرج من أنهم يقدمون له المساعدة!

انتهيت من إعداد القهوة، وكانت المكالمة قد بدأت، وفيما كنت أضع له الفنجان على الطاولة قريباً من جهاز الهاتف؛ تعثرت وكدت أفقد توازني خفت أن تنسكب القهوة عليه، تماسكت، استندت على حافة الطاولة بينما ضغطت أصابعي على زر مكبر الصوت بالهاتف؛ دون قصد، وإذا بصوت ناعم ينطلق بشكل آلي من الجهاز قائلاً:

الساعة الآن العاشرة تماماً وعشر دقائق وعشر ثوان …ثم أخذ الصوت يكرر العاشرة..و … , و…، نظرت إليه؛ كانت ترتسم في عينيه نظرات الخيبة والحزن والمرارة…بينما انطلقت نحوه دون شعور، احتويه، أعانقه بحنان بالغ، وامسح كتلاً من الصمت التي أبعدتنا عن بعضنا سنوات طويلة


رزان نعيم المغربي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى