علي محمود طه - عودة المحارب ..

اتدري الريح من ملكت زمامه = تشقّ الغرب و تطوي ظلامه ؟
هفت للشرق فاختلجت جناحا = به، و استقبلت لثما غمامه !
و قيل دنا و حوّم ، فاشرأبّت = ضفاف النيل تستهدي حيامه
و عانقه الصّباح على رباها = غضيض الطّرف لم ينفض منامه
يضيء بورده الأزليّ أفقا = تظلّله الرّعاية ة السّلامه
وواكبه على سيناء برق = بعين الملهمين رنا فشامه
تمثّل إذا تألّق ذكريات = و أمجادا مشهّرة مسامه
لمحترب من الأبطال فاد = يخاف الدّهر أن يلقي عرامه
حواريّ على كفيّه قلب = أبى غير الشّهامة و الكرامه
نحيف من شراه الخلد يحمي = تراث الشّرق أو يرعى ذمامه
كسته خشنة غير الليالي = و سلّت عزمه و جلت حسامه
أشدّ على قواضبها مراسا = و أنفذ من مضاربها همامه
أقام على الفلاة طريد ظلم = و ذيد ، فما أطاق بها مقامه
و بايع في شبيبته المنايا = فعادت منه و ادّرأت حمامه !
أحلّوا قتله و تطلّبوه = دما حرا و روحا مستهامه
تنسّي الحرب كلّ فتى هواه = و لا ينسى الكميّ بها غرامه
زئير الليث يطرب مسمعيه = و تشجيه برنّتها الحمامه
و وثب الخيل أفراس الأماني = إلى خطر تعشّقه و رامه
يصفّ البيض و السّمر العوالي = و يرقب من فم الصّبح ابتسامه
و يفرك راحتيه دما و نارا = يغنّي حبّه و يدير جامه
كذاك رأى الحياة فما اجتواها = و لا عرف الملالة و السّآمه
مفازع للرّدى إن لاح فرّت = وراء خطاه و ارتدّت أمامه !

***

أخا الهيجاء كيف شهدت حربا = يذكّر هولها يوم القيامه
و كيف رأيت بعد الحرب سلما = تملأ بالضّغينة و اللآمه
و قالوا عالم قد جمّلوه = فلم يعد الشّناعة و الدّمامه
تناثرت الممالك فيه حتّى = لتعجز أن تبين لها حطامه
متاهات تضلّ بها الليالي = و لا يدري بها فلك نظامه
فلسطين الشهيدة في دجاه = مفزّعة الخواطر مستضامه
أقام المستبدّ على حماها = فعاث بها و أفرادها طغامه
و جاء بآبق لفظته دار = و أفّاق يحمّلها أثامه
أباح له على كيد جناها = و شاطره على خبث مدامه
و علّمه الرّماية و اجتباه = فسدّد في مقاتله سهامه !
نديم الأمس سقاه بكأس = أحسّ لهيبها و رأى ضرامه
رمى الشيطان عن فخّارتيها = و عضّ على نواجذه ندامه
ألا لا يمرح الباغون فيها = فلن ينسى لها الحقّ انتقامه
محال أن تطيب لهم حياة = عليها ، أو تدوم لهم إقامه
عروبتها على الأدهر أبقى = و أثبت من رواسخها دعامه
أتهدأ و هي في الغمرات تأسو = جريحا ؟ أو تشدّ له ضمامه ؟
و مفتيها الأمين و مفتديها = وراء تخومها يشكو هيامه ؟
فتى أحرارها ما عاب عنها = و لا منع الخيال بها لمامه
كأمس ، كعهدها ، لم بغف عينا = بليل أقسمت ألا تنامه
يؤلفها على الأحداث صفّا = جسور النفس جبّار العرامه
جهاد في العروبة و احتشاد = له التاريخ قد ألقى زمامه

***

أخا الصّبوات هل شفت الليالي = جراح القلب أو روّت أوامه ؟
حللن بسوريا بعد اغتراب = و قد كاد الجلاء يتمّ عامه
فقلت تحيّة الزّمن المعادي = لمقتل أطال به صدامه
و أشرقت الكتائب عن لواء = يد الشهداء لم تترك عصامه
لأصهب من أسود الحرب يمشي = بأصهب تمسك الدنيا لجامه
حواك جلالة فحنيت رأسا = و لم تخفض لجبّارين هامه
طريق المجد كم أثر عليه = لأهوال لقيت و كم علامه !
و كم جبل هبطت برأس واد = يعزّ الجنّ أن ترقى سنامه
حميت الغاصبين خطى إليه = فصان عراقه و حمى شآمه
بجيش من بني عدنان فاد = ترى نسرا به و ترى أسامه
يروعك خالد فيه و تلقى = عبيدة و هو في سيف و لامه
كأنّ الفاتحين من الأوالي = على أسيافهم رفعوا خيامه !

***

حماة الشرق ، كم الغرب باغ = عليه ، أذاقه بطشا و سامه
و كم أيد عليه مجرّدات = مخالب كاسر يبغي التهامه
ذئاب حول جنّته تعاوى = كأنّ بكلّ معترك زحامه
هو السيف الأصمّ إذا تغنّى = صغا متجبر و وعى كلامه
أعدّوا حدّه لصراع دهر = صريع الوهم من يرجو سلامه !

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى