عبد الوهاب الفقيه رمضان - الحوار بين المسلمين..

منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم والفرد المسلم يعيش هرسلة لا يقدر على تحملها أعتى العتاة . اتخذ من لبس جبة الدين مقام الإله على الأرض . الله جل جلاله لم يعدم إبليس حين رفض السجود لآدم . [وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا – سورة الإسراء – الآية 61] . إنه العصيان الصريح الذي لا لبس فيه . الرب الذي خلق كل شيء الذي إذا أراد أن يقول لشيء كن فيكون ، الذي له ملك السماوات والأرض ، الذي لا يخرج شيء عن ملكه ولا عن حكمه في الأزل ، في ما مضى وفيما حضر وفيما هو آت ، فيما علمنا وفيما لا نعلم وفيما هو به أعلم ، هذا الرب الذي هذه من بين صفاته لم يعدم إبليس ، لم يعرض عنه ، لم يتكبر عليه وهو الكبير المتعال ، هذا الرب تواضع – وهو الرب ، وهو الإله – وهو الله – تواضع لهذا المارق ، تواضع لهذا الكافر [إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين – سورة ص – الآية [74] ، في هذا المقام حيث لا مجال للمقارنة ، ولا مجال للحوار في المعيار البشري نجد معيارا إلهيا يختلف كل الاختلاف عن كل المعايير البشرية . فالله لا يرفض التحاور مع هذا الكافر المارق المتمرد عن الأمر ، [إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75( قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) سورة ص – الآيات 71 .... 83]
1- قبل خلق آدم أخبر الله الملائكة بها الخلق .
2- أمر الله الملائكة بالسجود لآدم إثر خلقه والنفخ فيه من الروح الإلهية .
3- سجد الملائكة أجمعون .
4- استثناء إبليس أن يكون من الساجدين . استكبارا وكفرا .
رد الفعل الإلهي لعدم امتثال إبليس / لم يكن رد الفعل قتلا وتنكيلا وعذابا بل كان الحوار :
الله : يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ؟ أستكبرت (أاستكبرت) أم كنت من العالين ؟
إبليس : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين .
الله : فاخرج منها فإنك رجيم . وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين .
إبليس : رب فأنظرني إلى يوم يبعثون .
الله : فإنك من المنظرين ، إلى يوم الوقت المعلوم .
إبليس : فبعزتك لأغوينهم أجمعين ، إلا عبادك منهم المخلصين .
إنه حوار من أرقى الحوارات لغة وبلاغة ورقيا حضاريا بمفاهيم العصر . رغم أنه لا مجال للمقارنة بين الذات الإلهية وشخص إبليس فإن الله لم يستعمل ما له من قوة – وهو الخالق – في حواره مع إبليس – وهو المخلوق – لأنه ثمة فرق بين الحوار وبين إصدار الأمر ، من شروط الحوار أن يكون أفقيا مهما تباينت القيمة بين المتحاورين ، في حين أن الأمر فهو في علاقة عمودية ، وفي اتجاه واحد . في الحوار سؤال وجواب وحجاج ، في الأمر لا سؤال إلا للاستفسار لا لإبداء الرأي ، كالشأن العسكري ، بين الجنرال والجندي أمر وطاعة . بما أن الله قد اختار أن يحاور إبليس فهو جعل الحوار أفقيا وترك المجال لمحاوره أن يناقش وأن يحاجّ ، بل ترك له المجال للطلب والرجاء ، وقُبل طلبه : رب أنظرني إلى يوم يبعثون / فإنك من المنظرين . يستمر إبليس في التمرد والعصيان : فبعزتك لأغوينهم أجمعين ، إلا عبادك منهم المخلصين . يكون الجواب في موضع آخر من القرآن [إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ - سورة الحجر – الآية 42] .
لم يحار الله إبليس فقط بل حاور آدميين ، منهم إبراهيم عليه السلام : [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ- سورة البقرة – الآية 260 ]
إبراهيم : رب أرني كيف تحيي الموتى ؟
الله : أولم تؤمن ؟
إبراهيم : بلى ، ولكن ليطمئن قلبي .
الله : فخذ أربعة من الطير ، فصرهن إليك ، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ، ثم ادعهن يأتينك سعيا ، واعلم أن الله عزيز حكيم .
كان الحوار بنفس المواصفات ، حوار أفقي رغم التباين القيمي بين الذات الإلهية وشخص المخلوق . أما الحوار الثاني مع الآدمي فقد كان مع الذي مر بقرية وهي خاوية على عروشها . نتوقف عند هذا الذي مر على قرية ، وفي هذا السياق ننقل حرفيا قول سيد قطب في هذا الشأن قبولا وتبنيا حيث ورد في "في ظلال القرآن : من هو '(الذي مر على قرية ؟ ما هذه القرية التي مر عليها وهي خاوية على عروشها ؟ إن القرآن لم يفصح عنهما شيئا ، ولو شاء الله لأفصح ، ولو كانت حكمة النص لا تتحقق إلا بالإفصاح ما أهمله القرآن .فلنقف نحن – على طريقتنا في هذه الظلال – عند تلك الظلال )" . هذا موقف بانسحابه على النص القرآن بكليته نتجنب الكثير مما حدث بين المسلمين من جدال لا طائل من ورائه وصل حد إراقة الدماء في بعض المواطن . عودة إلى الحوار الإلهي بين الذات الإلهية – وهو الخالق – والمخلوق في شخص هذا الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها . [أوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – سورة البقرة - الآية 259] . في هذه الآية سرد وحوار . الجزء السردي : أوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ . يأتي بعده الحوار .
الله : كم لبثت ؟
الذي مر على قرية .. : لبثت يوما أو بعض يوم .
الله : بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها – كيف ننشرها – ثم نكسوها لحما .
جزء سردي يتخلل الحوار : فلما تبين له ...
الذي مر على قرية .. : أعلم أن الله على كل شيء قدير .
ثلاث حوارات بين الخالق – وهو الخالق – والمخلوق – وهو المخلوق – اقتصر الحوار الذي دار بين الله وإبليس على القول ، في حين أن الحوارين الآخرين امتزج القول بالفعل . وهو التجربة الامبريقية ، والحجة العملية . لسائل أن يتساءل ما الذي جعل الحوار الأول يفتقد العنصر الامبريقي ؟ الجواب أن العنصر العملي قد تم تحقيقه إذ سبق أنه شاهد إبليس عملية خلق آدم ، وهو مقتنع بذلك ، يبرز في قوله – أي إبليس - : خلقتني من نار وخلقته من طين . وبذلك يتحقق الحوار بالجمع بين الحجة القولية والحجة العملية في الحوارات الثلاث .
هذه معايير الحوار بين الخالق – وهو الخالق – وبين المخلوق – وهو المخلوق ، من ناحية ، والحوار بين المخلوق والمخلوق . معايير الحوار بين المخلوق والمخلوق مر على مرحلتين في تاريخ المسلمين . مرحلة حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومرحلة الحوار منذ وفاة الرسول (ص.) إلى هذه اللحظة.
يوم السقيفة كان الحوار عموديا . المهاجرون في القمة ، والأنصار في القاعدة . منا – المهاجرين – الأمراء . ومنكم – الأنصار – الوزراء . هذا المنهج في الحوار مناف للإسلام ، سواء بالنص القرآني ، أو بوصايا الرسول (ص.) . لما ورد كعب بن زهير . جاء في سيرة ابن هشام أن كعبا بن زهير جلي إلى رسول الله (ص.) فوضع يده في يده وكان رسول الله (ص.) لا يعرفه ، فقال : يا رسول الله ، إن كعبا بن زهير قد جاء منك تائبا مسلما ، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به ؟ فقال رسول الله (ص.) : نعم . قال : أنا كعب بن زهير . – انتهى – لم يكتف رسول الله (ص.) بقبول توبته ، بل استمع إلى قصيدته التي مطلعها "بانت سعاد" ، لم يكتف أيضا بسماع القصيدة بل رمى عليه بردته . وإلى جانب كون الحوار بشروطه الحضارية كان التعامل شرعا يشترط الشفافية ، فقد جاء في كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر أن رسول الله (ص) أمر بقتل عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ففر عبد الله بن سعد بن أبي السرح إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة ، أرضعت أمه عثمان فغيبه عثمان حتى أتى به رسول الله (ص.) بعدما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له ، فصمت رسول الله (ص.) طويلا ، ثم قال لمن حوله «ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه» . وقال رجل من الأنصار : فهلا أومأت لي يا رسول الله ؟ فقال ، إن النبي لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين .
نلاحظ تمسكا شديدا بالسنة لدى ما يسمى بالسلفية بكل تفرعاتها بما في السنة كمصطلح – الحديث - من مآخذ ، إلا أن الحصار كان شديدا على كل من يناقش – مجرد المناقشة هذه القضية منذ أمد بعيد إلى اليوم وربما لغد.
بالنسبة للماضي ، جاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير ، حدث أبو معاوية الضرير يوما بحضرة هارون الرشيد بحديث احتجاج آدم وموسى ، فقال عم الرشيد : أين التقيا يا أبا معاوية ؟ فغضب الرشيد من ذلك غضبا شديدا ، وقال : أتعترض على هذا الحديث ؟ علي بالنطع والسيف ، فأحضر ذلك فقام الناس إليه يشفعون فيه ، فقال الرشيد : هذه زندقة . ثم أمر بسجنه وأقسم أن لا يخرج حتى يخبرني من ألقى إليه هذا ، فأقسم عمه بالأيمان المغلظة ما قال له أحد ، وإنما كانت هذه الكلمة بادرة مني وأنا أستغفر الله وأتوب إليه منها . فأطلقه . - انتهى - هكذا الحوار بين مخلوق – وهو المخلوق – ومخلوق – وهو المخلوق . نص الحديث كما ورد في كتاب صحيح البخاري ط دار ابن كثير / دمشق – بيروت الطبعة الأولى 1423 هـ - 2002 م : تحت عدد 3409 – ص . 843 . «حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "احتج آدم وموسى ، فقال موسى : أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة ، فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ، ثم تلومني على أمر قُدِرَ عليّ قبل أن أخلق" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فحج آدم موسى مرتين" ». نص نسب أنه حديث نبوي ، استعمل رجل في حضرة خليفة عقله في شأن هذا النص – والرجل عم للخليفة – لم يكن الحوار كلاما بكلام ولا رأيا برأي ، وإنما كان كلاما بسيف ، ورأيا بإعدام . وفي عصرنا اغتيل رشاد خليفة في مسجد بالولايات المتحدة الأمريكية يوم 31 يناير 1990 وتهمته أنه دعا إلى عدم الأخذ بالسنة النبوية وإنكارها حسب قوله عدم وجود دليل مادي على صحتها بالإضافة إلى تعارض أحكامها مع القرآن . من (المعرفة على الانترنت : رشاد خليفة - المعرفة ) . وهذا مبحث عميق الغور ، يتطلب معرفة دقيقة بالنصوص التي نسبت إلى الرسول (ص) ومعرفة دقيقة بكل ما سمي علم حديث بكل مجالاته وفروعه . ولعل أهم كتاب اعتمد المنهج العلمي في هذه المسألة وناقشها بموضوعية ، هو كتاب [صحيح البخاري نهاية أسطورة – رشيد أيلال . نشر دار الوطن الطبعة – رقم الإيداع القانوني بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية :
2017MO 0974 الأولى سنة 2017] . لو جاز لكاتب أن يحتج بنص كتاب كامل لاحتججت به كاملا نظرا لأهمية ما ورد فيه من حجج عقلية ونقلية في هذا الموضوع . على كثرة الكتب التي تناولت هذه القضية يكون للكتاب المذكور سبق وريادة في تناول المسألة من غير تجريح في الأشخاص ولا إسفاف في التعاطي.
ما نعانيه اليوم من قتل وسفك للدماء أننا لا نقارع الحجة بالحجة ، ولا نستعمل العقل في مسائل جوهرية لحياتنا في كل نواحيها . بل يؤلب المتمعشون بالدين العامةَ الغوغاءَ بدمغجة على المنابر في المساجد وفي قنوات تدر على أصحابها المليارات من اليورو والدولار . فتشحن النفوس الضعيفة لقتل مؤمن يعترف بالشهادتين ويؤدي العبادات الإسلامية كما أمِر بها .
ليس لأمة أن تنهض وهي تكفر العقل وتجعل كل من يستعمل عقله آثما ، وليس لأمة أن تنهض وهي تقزّم عقلاءها ومفكريها ونخبها . إذ يصدر سنة 1424 هـ - 2004 م . كتاب بعنوان "أعلام وأقزام في ميزان الإسلام" مؤلفه سيد حسين العفاني في مجلدين ، المجلد الأول 672 صفحة ، والمجلد الثاني 552 صفحة . لم يسلم من هذا المؤلف لا الأديب ولا الفيلسوف ولا المفكر ولا الشاعر ، لا من أثرى المكتبة الإنسانية بعصارة فكره وغزارة إنتاجه ، ولا من أسس لإصدار كتاب شهري بلغ اليوم عدد 466 كتاب في كل أبواب المعرفة من أدب وفن وعلم وفلسفة وتاريخ ، إذ أن سلسلة كتاب عالم المعرفة صدقة جارية وسنة حميدة استمرت حتى بعد وفاة باعثها الدكتور فؤاد زكريا ، لكنه في نظر سيد حسين العفاني قزم في ميزان الإسلام . أما عبد الرحمن الكواكبي صاحب كتاب يعد مفخرة في المكتبة العربية "طبائع الاستبداد" . لم يكتف سيد حسين العفاني بموت هذا الرجل بسم قدم له في فنجان قهوة ، فجعله قزما من الأقزام في ميزان الإسلام . القائمة طويلة ، وهذا الكتاب عار كل عربي ، عار على كل مسلم.
الله حاور مخلوقاته واستمع لحججهم ، جاء في كتاب التذكرة الحمدونية لابن حمدون ، وفي العقد الفريد لابن عبد ربه ، وفي حدائق الأزاهر لابن عاصم أن أعرابيا قدم على سلطان ومعه قصبة فجعل يقول : هاؤم اقرأوا كتابيه . فقيل له : هذا يقال يوم القيامة . فقال : هذا شر من يوم القيامة .، إنه يؤتى يوم القيامة بحسناتي وسيئاتي ، وأنتم جئتم بسيئاتي وتركتم حسناتي .
لست أدري كيف يزعم عاقل أنه مسلم وهو يقتل مسلما ، بل السذاجة والسخافة والبلاهة والبلادة أن القاتل يرجو الجنة بفعلته ، بأي إسلام يدين ، وبأي كتاب يقتدي ! والحال أن في القرآن "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابا عظيما - الآية 93 من سورة النساء" التفصيل لمن يقتل مؤمنا متعمدا:
• جهنم خالدا فيها .
• غضب الله عليه .
• لعنه .
• أعد له عذابا عظيما .
لا يختلف القاتل إن كان خليفة أو أميرا أو واليا أو من عامة الناس . لأن الناس سواسية في الميزان الإلهي . والقاتل ليس من باشر عملية القتل . بل من حرض عليها ، ومن عاون ولو بالإيماء . القائمة فيمن كان الحوار معهم ، كلام بسيف لا يعدها حصر لا في القديم ولا في الحديث ، ومازالت الدماء تسفك ، ومازالت الأوطان تضيع ، لا لشيء إلا لأن المخلوق أعطى لنفسه حقا أكثر من الحق الإلهي على نفسه.
• لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمّى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا . الآية 45 من سورة فاطر.
• ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. الآية 61 من سورة فاطر.
• لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألنّ عمّا كنتم تعملون. الآية 92 من سورة النحل.
• ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين . الآية 99 من سورة يونس.
والآيات في القرآن عديدة على أن الناس في اختلافهم في ألوانهم وفي ألسنتهم وفي أديانهم وفي عقائدهم من مشيئة الله ، لا من مشيئة البشر . ليس أبلغ ولا أبين ولا أوضح من هذا القول العذب الجميل السلسبيل [أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين] . لكن أمة يقال لها والله لو أمرت أحدكم أن يخرج من هذا الباب فخالفني وخرج من الباب الآخر فوالله لأقطعن رأسه ، أمة يقول فيها خليفة لو قال لي أحدكم اتق الله فوالله لأقطعن رأسه ، أي حضارة وأي رقي يرجى منها؟
حديث عن الحوار بين الحضارات ، حديث عن الحوار بين الديانات .. فيهرع الشيوخ المسلمون بعمائمهم وجلابيبهم ليجلسوا بجانب غير المسلم فيتصافحون ويتبادلون الابتسامات والمجاملات ، يبالغون في أن تؤخذ لهم صور كأنها الجواز لدخول عالم الحضارة والتقدم ، فتنشر صورهم في المجلات والصحف وتنتشر على شاشات التلفزيون . فينتفخون نفخة الديك والطاووس ، والحال أنهم لم يجلسوا مسلما بجانب مسلم ، لم يتحاوروا مسلما مع مسلم . وكل نفس حر يحاربونه ، وكل فكرة جديدة هي لديهم بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . الندب على برهان والعين على عدنان . تلك هي حالنا . ولا تقدم إلا بحوار حقيقي لا حوار مزيف . يغربل فيه تراثنا ، فلا مقدس دينيا إلا القرآن وما عدا القرآن إنتاج بشري قابل للنظر والتمحيص . وبالحوار يهدم الجدار بين السنة والشيعة كما هدم جدار برلين.


عبد الوهاب الفقيه رمضان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى