بانياسيس - الفتاة التي لا تبتسم.. قصة قصيرة

كان يتحدث الى صديقه بصوت يرتعش جراء ضربات عجلات قاطرة مترو الانفاق ، الصوت المزعج للقطار لم يخفي كلماته الواضحة ، فالمترو خال تماما الا منهما وأنا ..كان يحكي:
- تعمل في مكتبة ، إنها فتاة لا تبتسم أبدا رغم جمالها الفتان ، جسدها بض وممشوق ، تصعد على سلم خشبي قصير لتعيد رص الأدوات المكتبية.. كنت اختلس النظر الى ساقها المكتنزة من تحت تنورتها الواسعة. لا اخفيك انني كنت استدعي هذه الساق الى مخيلتي في ساعات الاحتقان. كنت اتمنى ان تنظر لي او حتى أن تنظر الى نكتة في هاتفها ثم تضحك. غير أنها كانت كضابط عسكري في ساحة حرب..توزع أدوات المكتبة على الجبهات بصرامة. أمد لها بأوراق لا قيمة لها طالبا تصويرها. تأخذها بسرعة وحاجباها الهلاليان يقترنان ببعضهما دون ان تنظر لي.. انقدها الثمن فتأخذه وتلقي به بغير اكتراث في درج صغير. كنت أمر يوميا لأراها وهي تجلس صامتة كتمثال العذراء .. لا تفعل شيئا .. بل تضم رموش عينيها وتزم شفتيها وتتجمد. اللعنة يا رجل.. انها قاسية جدا .. انها لا تملك اي مشاعر .. لا تمنح أي شخص ضوءا أخضر ليكسر جدار الاغتراب بينها وبينه...
صديقه كان ساهما وكأنه لا يستمع له ، ينظر باستقامة نحو نافذة القاطرة المسرعة لكن الأول لم يأبه لذلك بل استمر:
- هل قابلتك فتاة كهذه من قبل؟ أشك... هل هي غاضبة من شيء ما؟ هل هي كائن حي؟ إذا لماذا هي كذلك.. كيف اخبرها بما أحس به؟
رن جرس خاطف لطيف معلنا الوصول الى محطتي.. حملت حقيبتي ، ونهضت من المقعد ، ووقفت منتظرا انفتاح باب القاطرة...لكنني التفت نحو الشاب وقلت:
- فتاة المكتبة..
انتبه لكلامي فقال بحيرة:
- ما بها؟
قلت بصوت بارد:
- إنها عاشقة.. عاشقة حتى الثمالة...فابتعد عنها..
نظر لي بعينين زائغتين وظل مبهوتا.. وفزع عظيم يحطم قلبه. لكن الباب انفتح فخرجت ، سرت لبرهة ثم تحرك القطار وتجاوزني .. لمحت وجه الشاب..كان يبكي ملقيا برأسه في حضن صديقه غير المكترث... فانفجرت من الضحك...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى