حاتم بابكر عوض الكريم - المحاكمة.. فصل اول من رواية

اشارة حمر اء

كنت طريح فراشي المزركش بخيال طفل مريض لم يختبر بعد قسوة الواقع ،وتناقضات تفاصيل حركة الكون المركبة، كنت اهزي علنا بطموحاتي المجهضة ، فانزلقت لجب سحيق من العجز والفشل فاخذت اسب حظي العاثر الذي وثق صداقتي بعالم الظلمات، والمجتمع السري في بلاد لايبرع ساكنيها الا في صناعة الاسرار، وحبك الاحبيل ،ونشر الحسد الكريه، والسحر الاسود. الان الان دون مواربة ساكشف الجزء الفارغ من الكوب ، اقصد من حياتي حيث استسلمت للوهم ،فاصطادتني دون وعي مني اخطبوطات المتعة بازرعها العديدة، ولاني تجرعت الخبث والدهاء منذ ماقبل التكوين فاكنت جاهز للتبدل القمىء، فاخذت ارسم صورتي التي اريد في اذهان من حولي ، فاثرت الغبار عن جذري العائلي ،ويقينا صارت حقيقي مخفية لامجال لاحد كائن من كان، لاكتشاف سقوطي المريع الذي لايعلمه سواي، فانا ساقط التفكير والسلوك وادارة المال ،بل في علاقاتي الاسرية،فانا في الظاهر ابدو حكيما كبوذا ، وفي اعامق روحي المركبة المعقدة التي ادرك كنهها بدقة مقاسة بكتب السماء والارض اني احط واخبث من مشى على الاض، وربما اني شيطان الانس، الصورة الاولى اعرف اني اجترحتها حين انحرفت عن ذلك الانسان العاقل الهادىء ،وتماهيت في روح تيار الوقت الجامح بشهواته ، وتطرفه الذي يصدر خشخشات غير مسموعة ثم يلوك اي الذكر الحكيم كي يجمل وجه كامل القبح ، تشكلت حياتي من هزيمة في قبول التعاليم ، والاوامر التي ابرع في وعظ الناس بها، ولا ارى ضروة ملحة كي التزم بحرف منها، هكذا خلقت متمرد عصي على التطويع والترويض. عشت حياة غرائبية لا فرصة فيها للتراجع لحظة واحدة للوراء ،لمداعبة تيار الهواء الساذج الذي يسقط اوراق الشجر قبل الشتاء ،فتبدو الاخلاق كامحارم السلفان التي يمسح بها الزجاج ،ولابد ان تذهب للمكب بعد ان تزيل الغبار، ويصبح الزجاج يبرق لمعانا، ولاقيمة تفضلية للمحارم.، لهذا صرت امام نفسي شخص غرائبي غرائزي منعزل، وامام الناس شخص هادي برىء وامام القانون طائع خاضع ، ولي شخصيات عديدة غيرها تنتجها الحاجة اقصد الضرورات.. وقديما قيل:" الحاجة ام الابتداع والاختراع".صورتي مرتبكة لن تجد مطلق صورة لي في ذهن من حولي ،فلم اعبر عن فكرة واقعية، او حكمة اورسالة. دوما تتداخل الاشياء في ذهني المرتبك ما بين الحافظ للنصوص ، والمستسلم لاحلام الهزيان المريض ، او ذاك الموسس بمس الجن ، اوالساقط عمدا في غيوبة اخترعها لنفسه فاحلم صاحيا،ونائما بعالم الفضائل، او الخبائث ولذائذ تافهة لاوجود لها الا في ذهني ،ودائما تداهمني الكوابيس الصور العجيبة التي تضحكني - تبكيني ،او تشدني لاسفل سافلين، وتخلق لي اسطورة عالمي الخاص.اني انا محمود هاشم دياب معلم الصبيان في مدرسة الخليفة عثمان بن عفان في تلك الضاحية المجهولة للمدينة العريقة -العاصمة . الوقت نهاية قرن ،اوبداية قرن جديد حسب تصوري للتقويم المهم الزمن الكائن في يومياتي،حظة تاريخية جديدة، مهدت لها الاكتشافات والبحوث والعلوم والتكنولوجيا والاتصالات، لاسترقاق لم يشهده الناس منذ ان اكتشفوا انفسهم في الارض ،لذلك حق علينا ان نطلق عليها، لحظة الاستهبال والاستحمار . لا اعرف كيف تلاشت المسافة بين واقعي ،واحلام يقظتي ،فصرت جنرالا ثائرا في القوات المسلحة ،اقود رفاقي الضباط في ثورة انقلابية ،لاعادة بناء السلطة في مشروع اعادة صناعة هيبة للدولة، وتاصيل الحقوق. لا ادري كيف حدث ذلك ولماذاو......,؟؟االمهم بعد ان دار الزمان دورته انا قابع في مبحبسي اعزي نفسي ، بانه الواقع الاليم ، ام انها احلام عابرة ، او هي اوهام العاجز الذي يتوهم دنيا من مخيلته ،كما يتوهم المريض النفسي طائر في الهواء يسابق الريح ، يكابرانه شخص سوي . لن اكابر باني رايت كابوسا فاقدني توازني ،فاصبحت سيكوباتريك او ان مامررت به مجرد طيف متوهم ،علق بذاكرتي ،او هي اطغاس احلام دارت بذهني من خلال رواسب حكاية سمعتها ،اوتخيلت اني رايتها كما يرى المصاب بهزيان الحمى اوهامه ،لكنها الوقائع العنيدة التي استمرت عقود ثلاث اثرت فيها وتاثرت بها ورسمت دوري في الحياة. خلاصة الامر اني رايت نفسي ورفاقي الضباط، قد سيطرنا على الحكم وصار من المحتم علينا تسير دولاب الدولة، كنا مجرد اشخاص تم تاهيلهم لادارة العنف والحروب، لا معرفة لنا بقيادة الاصلاح المزعوم وادارة الدولة واقامة العدل، اصبحت الزعيم المطلق القائد العالم الملهم للبؤساء من الناس ،وانا لا اعرف ما الفرق بين "القائد" و"الصعلوك"، ،فصورة السلطة في ذهني غمامة هلامية ،اكتسبتها من معلوماتي المتواضعة عن ايام "الملوك" و"الخلفاء" و"السلاطين" لا افرق بين "الحرب الباردة وتوازناتها" و"الاحلاف السياسية الاقتصادية العسكرية" "والنظام الاقليمي" و"المجتمع الدولي" . بسلطة الامر الواقع صرت القائد ليس لرغبتي او تخطيطي، ربما لان رفاقي الضباط هم الذين ضغطوا علي ان اتحمل مسؤلية التغيير الذي توهمومه - ولم ارغب فيه، المهم رجحت اختياري تم باعتباري الرتبة الاعلى بينهم ،او لانهم اردوا ماارادو لشىء اضمروه لي ،او انهم قاموا باختياري دون اسباب معلنة معقولة او خفية غير معقولة، او الاختيار تاسس صدفة، وربما ان في الامر اجندة خفية تتجاوز حدود خيالي العادي البسيط ،فامر الاختيار اعتقد انه اكبر من خبراتي ،انها لعبة السياسة واطماع الحكم في مجتمع يعتقد ان السلطة هي جمع المال ،واذلال الرجال والكذب البلطجة والاستهبال ،وكل انواع الانحطاط الفكري والسلوكي، رغم ذلك تظل السلطة امل ومشتهى الكبار والصغار. المهم وجدت نفسي اقوم بعمل غريب ومهمة قاسية لئيمة لم اتدرب عليها ،ولم انظم نفسي لانجازها ،ولا احبها ولم اشتهيها من قبل ومن بعد، ولكي اوضح الامر بتفاصيلة الدقيقة كيف تالمت اعتمدت في رصد مشاعري، ومادار في اعماقي على يومياتي ،منذ لحظة وعي باني الزعيم الملهم المهاب المطاع حتى تلك اللحظة التي اكتشفت اني رهينة ايدي حديدية احتاج لكل مكر الانسانية من الابد الى الازل، كي اتحرر منها واستعيد نفسي وحريتي. هنا الان ادون سجل تفصيلي لكل مراحل "الحلم " "الكابوس"" الوهم" او "الواقع الاليم" او تلك الحالة تنتاب من يعيش الاصاب بالغيبوبة ،او هي "لوثة السلطة"، المهم عرفت بدقة انقسام الشخصية بين ما اعددت نفسي له وما صار واقعي بالصدفة المحضة او المؤامرة المخططة حيث برزت لي تناقضات المسؤلية، والطموحات الشخصية- لي ولمن حولي- ولذة اطلاق الاوامر التي تنفذ دون مناقشة او مراجعة، وضغط الحاشية في الاصلاح المرسوم لي خطوة خطوة في ارض قاحلة جدباء لاتعطي غير الشقاق ،وعمق الرغبات الجامحه التي لا تنتهي مطامعها وخيباتها الفاسدة .لم اكتشف انا محمود هاشم دياب مساري الذي فرض علي برغبتي او دونها، فقد ظللت رهنية الخبراء والمستشارين ولم اعرف من انا "حمار" ام" بشر" حر العقل والارادة ام مستلب الراي والقرار؟ اعتدت ان تاتيني التعليمات والاملاءات من الاستشارين في صيغ خفية ايحائية مغلفة، فاستجيب لدوري في تلك "المهزلة" السلطة بسياط الصمت ،واظهار العظمة ،ومن ثم ما علي غير التنفيذ دون مراجعة من احد مهما علا ،فالطبيعي اني عجزت عن انجاز تطلعاتي، ولم اخدم من وضعني في هذا الموقف ولاادري من خدمت بانفاز التعليمات والاوامر!! فقد تحملت الاثقال، وبصراحة لم تتغيير الاحوال العامة للناس، بل انا من تبدلت حياته للاقبح وتغيير ظروفي تراجع للواراء حتى اني لم اعرف نفسي فقلت في نفسي ما حدث لي!! فقد كتبت في يومياتي عشر الف مرة هذه العبارة ) ( ماذا احدثت هذه المسولية في انا محمود هاشم دياب من تغيير وتبدل؟ وماذا اصابتي من تحولات عقلية وروحية جعلتني ادرك معنى احتقار الذات ،الحق الحق اقول فقدت نظرتي الواثقة في نفسي والكون. لماذا قبلت هذه المهمة التافهة التي اثرت على شخصيتي الهادئة المتزنة فتحولت لذلك الانسان النهم الجشع القاسي الخبيث الطماع الذي يامر فيطاع مهما كان الطلب والامر، هل الان انا ميت ام حي بشر ام مسخ؟؟؟ صراحة انا حي كميت او ميت يتوهم الحياة!!)).


---------------------------------------------------------------------------------------في ساحة الحرية على مقربة من تيار الظلام حين ينزل على الارواح كابوس الهتاف الداوي فتصاب الجموع المحتشدة بالدهشة حين يلامس الخطاب الانفعالي الامال والتطلعات.اجد نفسي اهزي للحشود المترقبة للمفيد الجديد في خطابي الذي اعددته لحظة قضاء الحاجة في المرحاض. تصورت باطلا انهم يعتقدون في قدراتي الخارقة اكثر من "عصا موسى" التي شق بها البحر كما ورد في "الاسفار القديمة". لم انتبه اني صرت اسير الحكماء والعلماء والاستشارين ادور حيث داروا ،لا املك القدرة التي بها اشق عليهم "عصا الطاعة" فانا بمعنى الكلمة "رهينة" "مستحمر" "مستعبد" تتنزل على الاوامر من "اعلى" " من السماء" او "من رب السماء" لا ادري انها من سادتي الذين ظننت اني بمشاركتهم اصبحت قائدهم وسيدهم .... لم اتصور اني اخضع لهم، وافعل مايريدوا دون انطق بكلمة ،اي اني اصبحت العوبة اخطاب الخطاب الذي اعدوه لي بالايحاء بدقة وعناية ، اوقع اوراق لااجد الوقت الكافي لفحصها ودراستها . المهم في ساحة الحرية امام الجموع المحتشدة انطلق لساني انا محمود هاشم المحاصر بالمعرفة القديمة التي سقطت فجئة على قلبي "من السماوات العليا" "كالصحف " انها اقول غيري تنزل علي من افواه الخبراء فتسقط على الناس ماء، وتهلك نفسي كالحصب بالحجارة ،او هي كسقوط اورق الشجر الجافة حين يبارح الخريف وتبيض الارض بفعل الجفاف الشتوي الذي يزور الارض في ميعاده ولايتاخر . امام الجموع كنت اشعر اني اهزي بالاكاذيب المبرمجة كحكاياتنا الطفولية الذيذة التي مازالت تنظم سلوكنا حين ننشد الاصلاح فنقول: (مانريد )ثم نقول قال :(الله اوالرسل اوالانبياء اوالشيوخ اوالقسس اوالحاخامات) لا ادري هل هي "اقوالي" هي ام "اقوالهم " ام هي "هرطقات" ((الانبياء الكذبة او الانبياء الصادقين)) سيان فعند السقوط تتطابق الاشياء عندي لافرق!!.. فالحقيقة التي لااحتاج ان اجادل فيها اني لم اكن افكر مطلقا ناهيك عن اصنع قرارات او اقود جيش وادبر امر شعب. لهذا الان الان بعد كل تلك الدورة الطويلة وانا في انتظار المحاكمة على جرائمي او الجرائم التي ارتكبت باسمي، لا انفك اسب علنا العقل المبرمج الجامد الذي يشد في فروة راسي شدا ،فصار قاسي كقسوة الصخور الجبلية، وسخافة جارتنا في الحارة مريم العرافة "الوداعية"، التي تبيح لنفسها دون حياء ادعاء معرفة المستقبل – لافرق بين مريم "الوداعية " وعقلي عقل الانسان المبرمج الخاضع للاستشارين لاتفاقهما في تشتيت المعرفة للسيطرة على ما يدور في اعماق الناس من احلام. لم اكن ادري ما اقول حين اقف مخاطبا الجموع الواهمة والمتوهمة اني ادرك ما اقول فهنا تتطابق "التطلعات" و"الاحابيل" حين تدفع جميعها للكارثة التي تهد تطلعات الملائين ، فترتد خبية الرجاءات حين تنقلب الحقائق لتخريب عالم قائم من اجل عالم واهم او متوهم، فتضيق الزواية الحادة او تنفرج زاوية الاكاذيب التي لا تعد ولاتحصى ،فيتحرك الناس في اتجاه المجهول للمنظور المعكوس المشيد دوما بالخداع ضد الاشياء ومنطق العقل، كرسم شائه بفرشاة رسام ماهر تخصص في تجسيد الاحابيل وتلوين الاكاذيب وتشويه الجسد الانساني الرائع، باسقاطه عمدا في عمق الهاوية. اخذت في خطابي ارسم والون بالكلمات تطلعات الناس وامالهم الواهمة ،ولا املك حل لاحد سيئا ولا اتوقع جديدا فلا تحول للواقع المريض ،ارسل لهم عكس ما اعلم ،فادعي اني القادر على كل شىء والعارف لمساري وخياري، فازرع الثقة للتتحول الجماعل للخضوع والاستسلام والتماهي مع العجز. الشىء الوحيد الذي افهمه ان الواقع المتحرك بمرونة كذوبة جامحة بمحدوديتنا الجماعية لايقيم وزنا للتفكير والعقل، بل يثمن العواطف والدعاية الكاذبة فالغاية "العلو" و"الثراء" و الانتفاخ الغبي وتحقيق الامال الخاصة لاناس صنعوا كرسي الذهب الذي جلست عليه وخطط مصيري واضاف لي في نهاية المطاف سيل من النعوت "الفاسد""الافاق" "السفاح؛. فالتناقض بين الظاهر والمعلن يحدثان اضطراب في السلوك من اجل هذا اعتقد ان كلماتي كانت جوفاء مائعة لاتخرج من قلبي بل ينتجها عمق حلقي كبخار جاف داوي كدوي "الانفجار العظيم" لحظة الخلق الاولى او "كما يدعي العلماء"،آنئذ تتعرى روحي ،اما عقلي الصارم عقل المعلم البرىء الذي اقحم اقحاما في لعبة الخداع "السياسة" فادرك طبيعتي التي اخفيها بمكر ودهاء واتجرد من كل المكياجات التي كم برعت فيها وانا اقف متحدثا في المنصة كي استر بها عوراتي وابرر بها انحرافي المجنون المتهور، فتظهر لي صورتي الحقيقية امام نفسي ويسقط تماسكي الروحي الذي حافظت عليه طوال عقود من الركض خلف الاهداف المحدودة اللذيذة التي صنعتها لي ذاتي البسيطة، وعقلي الطيب البرىء. تحايلت واستعنت بكل القدرات الخفية الكامنة في عمق روحي كي اخفي انحسار "فحولتي" العقلية وتنامي "الهورمونات الانثوية" في مخيلتي، وانا اتغمص دور الجنرال المخلص الذي لا ادري كيف تورطت فيه؟ ولماذا انا هو القائد والزعيم؟، فلم اعد قادر على "الانتصاب الذهني" لاداء اعمالي العادية، وانعكست رغبتي الانسانية ،وتوتر عقلي ، ليعلن عن جنوني امام نفسي ، وشعرت بهواني واحتقاري لذاتي، واستخفافي من نهر الحياة الجارف بتعقيداته الفجائية المشحونة بالرهبة والدهشة ،وتطلعاتي الحلوة ، وفي ذات الوقت تحرضني روحي بان العين ترى الاشياء البعيدة والقريبة ولكنها لاترى نفسها الا بمرآة اي بالمصداقية مع النفس واشباع شىء من الامانة لا اعرف تسميته ،ولايوجد له تعريف، و هو ممسوح من "قواميس المعرفة" ، و"كتب الارض والسماء" اوحساب الازمة المعتملة توترا غائم في دواخلي المتطلعة للصعود الكاذب لدنيا من الزيف الخرب، اشتهيها او رايتها بديلا لواقعي المناهض للتطلع السوي الناضج .كنت اسمع الاصوات تشدني للاستمرار في عملية الخلاص الذي رغبت فيه الناس الذين اخدعهم واجرهم جرا للضياع بمعسول كلام "الخبراء" نعم ليس كلامي فقد اوحى لي به الاستشاريون وانا الالة الصماء العاجزة التي تقوم باعلان القرارات او قل "دعارتهم وشذوذهم" مكرهم وخداعهم، وانا لا املك لنفسي خلاص هناك قوة خفية في اعماقي تدعوني للمضي قدما في صناعة عالم جديد من الاكاذيب والاحلام غير الموجودة حتى في من كتب "الوصايا والناموس" فالسؤال الجدي هل هذا العالم له صورة في ذهني يمكن استلهامها وتجسيدها ام هو محض تلفيق لا اساس له ولاتسنده قواعد؟ هل انا كنت موافق عليه وارغب فيه وقادر على التضحية من اجله؟ فمن المستفيد من ميلاده ومن المتضرر من وجوده؟ و......؟ و...........؟.

ما اتعسني من مخلوق متناقض حقير! مازلت احاول التملص من قراري الذي اتخذته بارادتي، وافقت ان اكون العوبه، مطية لغيري وافقت على انجاز اهداف غامضة فكيف اكون استدرجت وانا الذي فرحت لما جلست الى مجموعة الضباط وشرحوا لي مخططهم لم اعترض لم اطالبهم بان يكشفوا من يقف خلفهم؟ لقد انقضى وقت طويل بين ذلك الحين وبين هذه اللحظة التي احصد فيها ثمار عملي، يعود في ذهني شريط الذكريات، الماضي كله. فالان وانا في الحب الانفرادي اشعر بحزن كاو حين اتذكر اني سعدت بقرار الضباط حين بلغني به محمد احمد بوجهه النحيل الشاحب، وعينيه الصارمتين اللتين تنظران الي نظرات طويلة ملحة كي ارفض العرض اكثر من انها تشجعني له، كانه يدعوني لافهم ما في ذهنه، حتى اذا ادرك انني لا افهم، وانني تحت تاثير الدهشة ، ابتسم ابتسامة غامضة لا اجد لها تفسير حتى اليوم، كنت افكر في نجاح الحركة وهو كان يفكر فيما بعد النجاح، مد لي يدة الحاسمة، بحركة متوقعة، مهنئا لي فهو اول من اطلق علي لقب سعاد الرئيس... هو الان بعيد عني، وانا الان اعرف كل شىء، سر ابتسامته الصفراء الغامضة، ولكنني لم انفذ بعد الى جميع اسرار تلك اللحظة لماذا كان ينظر لي نظرة غريبة تعبر عن الشفقة اكثر من تعبيره عن الاعجاب والامتنان.

احس باني كنت مغفل، هذا الاحساس بالغباء جعلني افكر انني في تلك الليلة بالذات فقدت مها حبيبتي وتوام روحي. امر غريب: الان وانا في حبسي الانفرادي متمدد في بلاط الزنزانة، مهزوما فاشلا وحيدا مهجورا من الذين احببتهم والذين احبوني والذي نافقوني المشاعر، تظهر لي صورة مها عثمان فجاة، تعيد لي ذكرى المشاعر الطفولية، لحظة جزئية من لحظات حريتي، اعيد النظر فاكتشف ان تلك العلاقة في وجداني تكتسي معنى جديد، تفسر لي ما لم اكن قد فهمته حتى تلك اللحظة.

---------------------------------------------------------------------------------------

في فراشي اللعين انظر للسماء فارى استار "البيت العتيق بمكة" تمد لي لسانها هازئة بانقسام عقلي فاشعر بالقرف من نفسي فاخذ في تكرار تلك الكلمات "الكتابية المقدسة" التي احس انها الان مفرغة المحتوي وهي الان خاوية ومنقطعة من كل اصل وجذر وطاقة ايجابية او سالبة رغم ذلك تتصل بروحي كي لااخيب ظن الحشود المعولة على الوهم فاندغم في انغامها ولحنها وتحملني مخارجها الهتافية وهي تنادي لي بالمضي قدما، للحظة لذة تسري في جسدي كسريان السم الزعاف، فشهوت نفسي ان اشبع رغبة كامنة في اعماقي، بان استفيد من العدل اواحصد ثمار العدل، اما ان اقيم العدل فلم تخطر على ذهني، ولا اعرف كيف يكون العدل قائما في الواقع، ومجسد على الارض قاعدا على السراط المستقيم. كنت دائما وانا اخاطب الحشود في حيرى من امري ، لا ادرى ما قلت وما اقول، اشعر اني افتح فمي فتخرج منه جماعات من الضفادع وهي تنق نقيقا مرعبا مزعج لقلبي، واحيانا اسمع من جوف بطني صوت غريب غامض يؤشر لي لالتباس المعاني وانكسار الصور وانهيار المباني وسقوط القيم لم اكن انا محمود هاشم دياب المعلم متعود على الكذب وصناعة الاحابيل فقد كنت معلم صبيان بيسط راضي بحياتي لا احتاج للنفاق و الكذب!! فكيف ولماذا انا في هذا المنزلق الوعر القاسي؟؟؟؟؟؟. يخرج صوتي مبحوح مهزوم مشوش مائل بزاوية منحرفة تجسم عظم المؤامرة التي حيكت لي حين افرغت من كل تجاربي ووعي وطاقتي في فهم تصارع الاتجاهات الاعراق القبائل الاموال الاهواء والامزجة فصرت دمية في مولد "صاحبه غائب "فتركت مهمة تعديل مشاعري عقلي لغيري.فقد خدعوني لما سرقتني لمضغ نظريات السوق والازمات الدولية فالاكتشاف في حد ذاته كارثة بعد الدهشة يقود للصدمة القاتلة، ويعيدك مكسور الخاطر للحظة التي "استحمرت" ثم ادراك خسارة الروح وتفاهة العالم الذي اجبرت على مراجعته والعمل فيه "اجير" في ثوب "ملك" لم ارغب في ذلك حتى على مستوى الاحلام ومايراه النائم في نومه من كوابيس ولكن هذا ما حدث بالضبط طوال عقود من الانتفاخ الكاذب. في هذا السجن الذي احس فيه بالحرية ، اختبرت حقيقة زيف "السلطان" ودجله ولوعلمت ماهو الشقاء الموعود به حتى في الاحلام لمانمت لاحلم بدور" الجنرال المخلص" الذي ادخلي في طاحونة الالم هذه.. ومن ثم جعلني اختبر هذا الطريق الوعر المفضي "لهاوية اللاعودة" وحكايات الضياع الطفولية واغاني سحرالتناقض حين يكررها اليسار وهواة الايدلوجية، والانقسام الروحي حين ياتي في خطابات رجال الدين والتشتت الذهني لجيل صدمته الحضارة التكنولوجية المعولمة.



* المحاكمة.. رواية
حاتم بابكر عوض الكريم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى