ظافر الجبيري - أساطير البيت

قدِمتْ من بلادها إلى بلاد جديدة ، وكأيّ كائن بشري، سيكون اسمُها العلامةَ الفارقةَ لوجودها، ولا ذنبَ لها أن تجده ملازمًا لها كنفَسها الذي تتنفّسه ،وكخطواتها التي تحملها أينما سارت . استقبلتْها الأسرةُ باستغراب من الاسم الذي لم يتعوّدوا عليه نطقا و لم يعرفوا له معنى ، هكذا راحوا ينادونها : إيروَس !

في أيامها الأولى ،لم يسألها أحدٌ عن معناه، انصبّ اهتمام الاسرة على عملها أكثر من أي شيء آخر ؛ وذات مرة، سمعها الرجلُ تنطق اسمها إيرُوس، فناداها به ،لكنّ ربّةُ البيت استرابتْ من التغيير بدون مشاورتها ، ولم تكتف بذلك، بل قالت ما قالت عن نبرة صوته، وهو ينادي المحجّبة الآسيوية ،و بعد التنبيش في جيوبه وجوّاله، انتقلت إلى الشبكة العالمية للبحث، لم تَتعب من بحثٍ طويل أوصلها إلى معترك الأساطير الإغريقية ،واصلت البحث و(دَعْبست) في مملكة الشكوك، و سألتْ نمّاماتِ جمهورية الظنّ ! ثم قالت :

- "يبدو لي معكَ قَصدٌ في تغيير اسمها !"

نفى عن نفسه العلم بما تقصد، ورأى أسطورة الثقة تتهاوى ، وفي محاولة أولى، اشترى الكثير من الحرص من سوق الأمان، فوجده بضاعة مضروبة. لكنّه ،ولكي يرتاح غيّر الاسم إلى ( روس ) ومع الوقت ،تحرّف الاسم الجديد عفويًّا ودون قصد، ليستقرّ على ( روز) ، فصاحت به :

- "آها.. وَرْدة ! لماذا تسمّيها روز !؟"

قرّر أن يكْفر بالأسماء وبتغييرها إلى الأسهل ، فهل ينادي الجاويّة باسم أبيها مثلًا :

( يابنت عبدالرحمن)؟ ربما لو فعلَ ،سيَدخل الشكُّ أكثر إلى قلب ذات الشكّ المتحفّز، وستقول من جديد بأنه يرفع مكانة الخادمة ويتودّد لها بهذا النداء !

في يوم من الأيام القاحلة ،دخل البيت ، فلم يسمع أحدًا يردّ السلام أو يرحّب به ، ولحاجته إلى الشاي والماء ،قرر سريعًا أن يناديها :

(يا غلام)! نطقها مانعًا ابتسامةً تتجاذب شفتيه.

لم تُجِب العاملة الغارقة في تنظيف المواعين ، ولم تفهم شيئًا ولم تلتفتْ ، لكن السيّدة والبنات اجتمعْن سريعًا بين يديه، و بصوت شبه واحد:

"حرام عليك لا تلعب في اسمها و تحتقرها ! "

شعَر رجل البيت، وكأن في الأمر متاهةً لا تنتهي، كيف لم يفكّر أحدٌ في الكائن الغريب ، فالصراع المبهَم يدور حولها، حول اسمها دون أن تعي شيئًا ، استبدّ به التفكير، ليصل إلى احتمالٍ جنونيّ دار بخلده، ومن واقع الارتياب الضارب في الأرجاء ،راح يفكر في أعماق نفسه: ربّما قريبًا ستقرأ عن الغلمان في العصر العباسي ،وستلعب بها الظنون من جديد ،ولم يبق إلا أن تسافر العاملةُ قبل نهاية عقدها ويُستغنى عن عملها بمعجزة ، أو يَقترِح على سيّدة الرِّيبة أن تختار للعاملة اسمًا على ذوقها الخالي من الشك!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى