مزمل الباقر - العمدة أحمد الرفاعي ( 1 - 5 )

اردت ان احتفي بطريقتي مع الشرفاء بالعزيزة مصر ( نساءاً ورجالاً) أولئك الذين خرجوا للشوارع وتمترسوا بميدان التحرير في 25يناير 2011م فخلعوا مبارك ثم خرجوا للشارع وتوزعوا على شاطئ الاسكندرية – الذي لم يكن في تلك اللحظات التاريخية شط الغرام بأي حال من الأول – وبتاريخ 30 يونيو 2013 فخلعوا مرسي.

تاريخ مصر النضالي سيرة طويلة تحتاج لمجلدات فقد تعددت اشكال النضال وتنوعت اساليبه من انتفاضات شعبية إلى حراك سياسي عبر النقابات والاحزاب وغيرها من التنظيمات التي تعنى بالشان السياسي وتسعى دوماً لاحداث تغيير في المجتمع وبالحديث عن الاحزاب المصرية ودورها في النضال لابد ان اتوقف عند محطة التجربة الشيوعية المصرية ونضالها في مواجهة القوى الرجعية وحملها لشعلة التنوير لمجتمع مصري اكثر دراية بحقوقه السياسية.
عند الحديث عن نضال الحركة الشيوعية بمصر بتادر للأذهان عادةً شخصيتين نضاليتين لم يكن رحيلهما اثراً بعد عين، احدهما أحد ابطال قضية الشيوعية والتي اشار إليها شاعرنا العظيم محمد الحسن سالم حميد في رائعته ( عن إذنك يا مصر ) والتي اتمنى ان يوفقني الله في مقال آخر للحديث عن هذه القصيدة العصماء، اما البطل فهو شهدي عطيه الشافعي والشخصية الأخرى تحمل اسم: أحمد الرفاعي.

أحمد الرفاعي احد الشرفاء المصرين ولكنه لم يعاصر هاتين الثورتين أعلاه ، بل عاصر احداث عظام في حياته التي قضاها بين عامين ( 1920 – 1999م) وبعد عام من رحيله صدر عن : دار الثقافة الجديدة، كتاب في ثلاثة مئه وثلاث وعشرين صفحة من القطع المتوسط يحمل عنوان ( أحمد الرفاعي.. يساري متميز ) يلقي بالضوء على هذه الشخصية المتميزة.

الكتاب مقسم إلى جزئين: الجزء الأول يعني بشهادات احد عشر كاتباً هم على حسب ترتيب النشر: الشاعرة ملك عبد العزيز ( قصيدة: لا فقر ولا قهر )، أنور عبد الملك ( عاش كفاح الشعب المصري)، رفعت السعيد (العمدة) ، شريف حتاته (النوافذ المفتوحة)، عبد الله الطوخي ( سفر في حياة عظيمة ) و( عينان على الطريق)، كمال القلش ( أحمد رفاعي – بطل مقاومة بور سعيد) ، بهيج نصار ( مقتل شهدي عطية الشافعي )، جمال عبد الحميد ( رفقه … من زمن الفرسان )، محمد جمال إمام ( ورحل فارس قيادي نبيل )، ابراهيم خليفة ( احداث ومواقف في الحركة العمالية المصرية من 71 – 1973 )، وتختم الشهادات بإفادة للعضو السابق للجنة المركزية بالحزب الشيوعي السوداني والرئيس السابق لتحرير صحيفة الميدان السودانية الراحل المقيم الاستاذ: التجاني الطيب بابكر بمقاله الذي عنونه بـ ( الكفاح المشترك بين الشعبين المصري والسوداني).

الجزء الثاني والأخير من الكتاب خصص للوثائق ويحوي ( مذكرات لم تكتمل ) وهو عبارة عن توثيق لبعض من سيرة احمد الرفاعي مأخوذة من كتاب لدكتور رفعت السعيد حمل عنوان ( هكذا تكلم الشيوعيون )، و من مطبوعة قضايا فكرية بعدديها الحادي والثاني عشر بتاريخ يوليو 1992م عن سبعون عاماً على الحركة الشيوعية المصرية- رؤية تحليلية – نقدية، اضاف كتاب ( أحمد الرفاعي – يساري متميز ) في جزئيته الثانية التي تعنى بالوثائق، ضم ورقة احمد الرفاعي في تلك الرؤى التحليلية والنقدية للمسيرة الشيوعية بمصر وقد حلمت عنوان ( المواجهة المباشرة مع العدوان الثلاثي في معركة بور سعيد)، ويختتم الجزء الثاني من الكتاب بل الكتاب بأكلمه بمعرض صور لأحمد الرفاعي بصورة فردية او في معيته آخرين.

يشير الغلاف الخلفي للكتاب إلى ان التجربة الشيوعية بمصر جزء لا يتجزأ من تاريخ مصر الحديث وصراعها الوطني الاجتماعي والثقافي. ويشير إلى أن احمد الرفاعي هو أحد رموز هذا النضال باعتباره أحد رموز ( حدتو ) الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني وكبرى التنظيمات الشيوعية بمصر.

تختم الاضاءة الخلفية للكتاب بهذه الفقرة التي اود ان اوردها بحذافيرها لشيء في نفسي: ( هذا الكتاب رسالة إلى شباب مصر صانع المستقبل وصاحبه لإعمال العقل واستخلاص الدروس المستفادة لتستعيد مصر عافيتها السياسية بنوع جديد من (( الكادر السياسي)) للخروج من المأزق التاريخي الراهن في زمن المتغيرات العالمية المتسارعة).

الصفحة الخامسة من الكتاب تحوي بورترية لأحمد الرفاعي وتقابل الصحفة الرابعة التي جاءت موقعه بأربعة كلمات: من اوراق احمد الرفاعي. سأنقلها بحذافيرها أيضاً لجمال نصها، حيث يقول أحمد الرفاعي فيها: ( تذكرت القرية في هذه الفترة، وأنا استمع إلى أعضاء مجلس الثورة وهم يهاجون الحياة الدستورية والحرية والنحاس باشا وأحسست بعدم الراحة وهم يسخرون من الديمقراطية على أساس انها تشحن في عربات الكارو وهم ذاهبون لإعطاء اصواتهم للباشا أو البيه .. ولكن لم يقدموا صورهم ومسيرتهم وهم يهدمون عدوان صدقي على الحياة الديمقراطية والدستور. ولم يقدموا موقفهم وهم يصوتون رغم الكرباج والعمدة وحزب الوفد ليأتي بالأغلبية، حقيقة أغلبية لم تصل إلى 99.9% ولكنها كانت أغلبية حجبت السراي وأحزاب الأقلية وتبعدهم عن السلطة .. أحسست في هذا الوقت أن الثورة قد فرضت نفسها وصياً على الشعب، عليها أن ان تعطيهم فقط وليس له الحق أن يطالبوا. عليهم أن يأكلوا وفي نفس الوقت عليهم أن يصمتوا عن أي كلام فيه إساءة للثوار.
كان هذا أول درس تعلمته من قريتنا عن الحرية، ولذلك توقعت بعد هذه الأحاديث التي يدلي بها رجال الثورة أن يقوموا باعتقال كل من يفكر او يتحرك حتى ولو كان شريكاً لهم بالأمس. أحسست باتجاه الريح فتركت منزلي حيث بدأت الاختفاء).

الصفحة السادسة من الكتاب تحوي صورة هربت من ملف الصور مزيلة بالكلمات التالية: ( أحمد الرفاعي يخطب في أروع مظاهرة عرفها تاريخ بور سعيد إبان العدوان الثلاثي عام 195، انتهت بكسر حظر التجول).

كتب الاستاذ محمد يوسف الجندي في مقدمة كتاب ( أحمد الرفاعي- يساري متميز) إشارة إلى دور ( حدتو) في تاريخ النضال المصري ويصفها بانها ( كانت تحرص دائماً على الصلة بالجماهير والارتباط بها، والاحساس بمشاعرها ونبضها. )وهي الحركة التي التحق بها أحمد الرفاعي الذي يصفه الكاتب في هذه المقدمة بأن ( من أهم صفات أحمد الرفاعي أنه كان دائما يتحرك بين الناس ومع الناس). ويستشهد محمد الجندي بحادثة استشهاد صلاح بشرى ابن مدينة عطبرة وأحد السودانيين الذين التحقوا بتنظيم الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني ( حدتو ) إبان دراسته بمصر. يقول الكاتب في مقدمة الكتاب ( وعند استشهاد صلاح بشرى الطالب السوداني الذي قتله السل وإهمال علاجه في سجن مصري تزعم المظاهرة التي قادت وتوجه إلى السودان في الطائرة التي اقلته مع الجثمان إلى السودان وقادت المظاهرات التي هتفت بسقوط الملك وكشف للمسئولين الحقيقيين عن مقتل صلاح بشرى). ( الكتاب ص7).

وقبل ( حدتو ) تشير المقدمة إلى ان احمد الرفاعي كان عضواً في منظمة القلعة ( وهي منظمة صغيرة بقيادة مصطفى هيكل وعندما طرحت قضية الوحدة انضم إلى الحركة المصرية للتحرر الوطني التي اتحدت مع اسكرا وكونتا الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني).

وتشير المقدمة إلى الزائعة الوحودية في شخصية أحمد الرفاعي ابان الانقسامات التي كادت ان تعصف بتنظيم (حدتو) وكيف ان احمد الرفاعي ظل متمسكاً بخيار الوحدة، فقد اسرع بتحقيقها في مباحثات من أجل الوحدة مع منظمة ( نحو حزب شيوعي) وقد نجح في ذلك مع زكي مراد. ثم ساهم في تحقيق ( وحدة حدتو سنة 1954 مع 6 منظمات صغيرة أخرى وساهم في تذليل كل العقبات لتحقيق هذه الوحدة وتكوين ” الحزب الشيوعي المصري ” الذي اختير في لجنته المركزية) ( الكتاب ص 9).

ثم عاد احمد الرفاعي مرة اخرى للنضال في سبيل الوحدة ( حتى تمت مع تنظيم الراية وتكون الحزب الشيوعي المصري ” المتحد ” ثم قدم مع باقي رفاق الموحد التنازلات لتتم الوحدة مع تنظيم العمال والفلاحين لتكوين الحزب الشيوعي المصري في 8 يناير 1958. وبعد الافراج عن الشيوعيين عام 1964 كان مع الوحدة في حزب واحد بقيادة جمال عبد الناصر ولهذا دخل التنظيم الطليعي ساعياً إلى تحقيق وحدة كل القوى الاشتراكية) ( الكتاب ص9).

وبذكر عبد الناصر يورد صاحب المقدمة تبرير احمد الرفاعي لتأييده لثورة يوليو فيقول: ( كان تأييدنا لثورة 23 يوليو نابعا من مشاركتنا فيها عضويا وسياسيا إذ كان لحدتو تنظيم في داخل الجيش، يساهم مع تنظيم الضباط الأحرار، بل كان معظم اعضائه في تنظيم الضباط الأحرار. وكان العمل في الجيش يرجع إلى معظم أعضائه في تنظيم الضباط الأحرار. وكان العمل في الجيش يرجع إلى منتصف الأربعينيات، باعتباره فصيلا من الفصائل الوطنية، ولم يكن تنظيم الضباط الأحرار إلا صورة من صور الجبهة الوطنية، فقد كان برنامجها يتشابه مع برنامج اللجنة الوطنية للطلبة والعمال، بل يكاد يتطابق معه). (الكتاب ص 9)

اولى هذه الشهادات التي حواها كتاب ( أحمد الرفاعي – يساري متميز ) هي قصيدة الشاعرة: ملك عبد العزيز والتي نشرت بمجلة أدب ونقد بالعدد 172 بتاريخ ديسمبر 1999م وحلمت عنوان ( لا فقر ولا قهر ) اقتطف منها هذه الجزئية:

أذبت حياتك الخضراء
كي تتخضر الصحراء
وعشت السجن والمنفى
لكي تتحرر الأوطان
لا ذل ولا أسر
لكي يتحرر الانسان
لا فقر ولا قهر
وجدت بأمنك الغالي
وجدت بروحك الحرة
وعفت المنصب العالي
وعفت الصيت والشهرة

ومن الصفحة الرابعة عشر من الكتاب والتي حوت الابيات أعلاه، انتقل لمقال ( عاش كفاح الشعب المصري!) بقلم دكتور أنور عبد الملك يتحدث فيها عن الفترة التي عاش فيها احمد الرفاعي. ويعده من ( رعيل الكادر الوطني التقدمي الثوري للمرحلة التكوينية لثورة مصر في عصرنا. ) إلى أن يقول ( .. وقد تم ذلك بشكل ساطع حول مجموعة من الافكار والرسائل التي صبت في إطار تحقيق برنامج التحرر الوطني والتنمية المستقلة مع احياء الثقافة الوطنية وبناء جيش الوطن، وسيادة قوى الشعب العامل في إطار الجبهة الوطنية المتحدة التي اتخذت صورتها السياسية والتنظيمة الأولى في ” اللجنة الوطنية للعمال والطلبة ” في ربيع 1946، والذي كان أحمد الرفاعي منها ولها) ( الكتاب ص17).

من كتاب ( سيرة ذاتية لمناضلي اليسار ) للدكتور رفعت السعيد ينشر ( أحمد الرفاعي – يساري متميز ) مقالاً حمل عنوان ( أحمد الرفاعي .. العمدة ) يبتدره رفعت السعيد بهذا التعريف الجميل:
( الاسم : أحمد الرفاعي السيد
الاسم الحركي: عاكف
تاريخ الميلاد: 24 ابريل 1920
محل الميلاد: طناح – دقهلية
المهنة: محام – محترف ثوري
( لأنه ظل ريفياً دوماً، وربما بسبب هامته المهيبة. أو ترفعه على ضغوط الحكام، أو لهجته الفلاحية غير المتعمدة، أو التصاقه المستمر بالفلاحين ومشاكلهم. عشقه العاشق للأرض والنبات .. حديثه المتيم عن القرية وأيام الصبا، ربما بسبب هذا كله أو بعضه ناداه السجناء دوماً العمدة، ارتضوا له هذا الاسم .. وارتضاه هو أيضاً. )

اتوقف ها هنا مع مقدمة رفعت السعيد لمقاله ( أحمد الرفاعي .. العمدة ) على ان اواصل لاحقاً بإذن الله.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى