حنان عبد القادر - طيف.. قصة قصيرة

طيف

ساعـات مضت ، وهذا الركن لا يضم إلاي وهواجسي ، وذاكرة مرهقة بتفاصيل خائبة ، وامرأة حمقاء .

جلس أمامي ، .يشير للنادلة , تأتيه غنجة بنظرة معجبة , قفز قلبي , كم وسيم وجهك يحيى . ياالله! لو قدر لي أن أعرفك في أوج شبابك ؟ بالتأكيد لم تفرق عن هذا الوجه شيئا سوى لحيتك الكثة ، وفلجة أسنانك المثيرة .

نسخة بالكربون من " يحيى عبد الفتاح " في عنفوان الثلاثينات , بياض الفودين ، تصفيف الشعر، الحركة العفوية لأصابعك ، تتخلل خصيلات الحرير المرفوعة فوق جبينك.، " الأنسيال " الفضي حول معصمك الأيسر يتلألأ بين شتلات العشب المنمقة على ساعدك .

الجو يحمل وسوسات البرد القادمة في غفلة المتوجسين , وأنت أنت ، مفتخر بقدك الرياضي ، صدرك المملوء عنفوانا تشرعه في وجه الصقيع .

تملأني ثقتك بنفسك إحساسا بالضعف أمام نفسي .

كنت تدفعني للحياة بجرأة ، للتعبير عن الذات بصدق أمام حياتنا الكاذبة ، ولما لم تستطع معي صبرا تركتني أواجه ما بقي من العمر وحيدة , آه يا يحيى ! , كم مرة هذه الوحدة, تجرفك إلى غاباتها ، وحوشها تفترسك نفسا نفسا ، لا تترك لك سوى اجترار الأحلام ، وذكريات العمر الذي مضى .

تحتسي كأس ليمونك تهمس لي : أحبك

- أصمت

- تبسط ذراعيك ، تضمني

- أرتجف.. أصد عنك

- تقول : ألا تحبينني ؟!

- قلبي يصرخ : بلى , بلى أحبك , بكل ما فيّ من رغبة في دفئك .

تطل في نافذتي روحي : عيناك رائعتان ، تنبئاني بعمق حبك , انطقيها إذن.. أحب أن تتلمسها أذناي كما تلمستها روحي, قولي أرغبكَ كما أنت , حرري هذا الصمت من سجن خجلك ,

- الخوف يكبل روحي.

تركتني أجتر ذكرياتي ، لكنك عدت.. في لحظة تمنيت فيها البكاء على صدرك .

عدت يا يحيى لتحيا روحي, ضمني, دع جسدي المشتاق إلى وخز أعشابك يطفئ غلته ، دثر شفتي بقبلاتك , أتوقد . أرتمي عند قدميك باكية أيامنا التي ضيعتُها.


تصرخ الروح : أحبك , تومضها عيناي : أحبك , تطلقها شفتاي زغرودة فرح, أحبك , ألف ألف أحبك.

تجمدني دهشة عينيك ، يوقظني صوتك على حمق جديد :

- عفوا سيدتي , هل قلت شيئا ؟!!

ألملم نفسي المبعثرة , أنسحب إلى قوقعة الروح متوارية عن نظرة قاتلة في عينيك ,

تقف في إباء ، تضع " بلوفرك " الأسود فوق كتفك اليمنى , تمر طيفا كما جئت , ونظرتك المتوجسة , تكفنني من بعيــــــــد .
  • Like
التفاعلات: وليد الزوكاني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى