بانياسيس - اللقطة الانسانية العجيبة في رواية الكهف

ربما ما شدني لكتابات ساراماغو هو أنها تحكي قصة ؛تحكي فحسب؛ مسألة أن تطرح الحكمة باستعلائية كالكتابات الشابة الناشئة الآن وما بها من مباشرة تقحم شخصية المؤلف داخل شخوص مؤلفه هي ما أبعدني كثيرا عن تتبع الجديد لدى هذا الشباب الرائع والمتعجرف في نفس الوقت. ساراماغو يختفي تماما ويكتب قصة ، وعلينا كقراء أن نبحث عن الحكمة ؛كل بحسب مقدرته؛ فإن لم تسعفنا ضآلة موهبتنا اكتفينا بالاحساس الطيفي الذي يعترينا ونحن نقرأ إنسانيتنا داخل النص.
في رواية الكهف التي قرأتها قبل سنوات لا زلت أتذكر ذلك السطر العجيب ، سطر لجملة واحدة ، اختزلت آلاف الجمل الانسانية التي كان على الكاتب أن ينحتها ليصف علاقة مرتا بوالدها ألجور ، هاذان اللذان كانا يعيشان سويا ومعهما زوج مارتا الشاب الغلبان ، حيث تبدو الحياة رغم شظفها المادي هانئة غنية بسلام الحب بين الشخصيات الثلاث.
ولا أعرف لماذا استيقظت هذا الصباح وتذكرت ذلك السطر في تلك الرواية ، حين نهضت مرتا واتجهت الى غرفة والدها ونظرت اليه وهو نائم لتتأكد من أنه لا زال يتنفس. فألجور لم يكن مريضا ، وساراماغو لم يضف لنا أي شرح ، لقد اكتفى بنقله لهذا المشهد العاطفي لنا دون أن ينبس ببنت شفة.
مرتا ذهبت لتتأكد من أن والدها لا زال حيا ، ويبدو أنها تفعل ذلك دائما ، فهي تراقب انفاسه ثم تقفل مطمئنة عليه.
هل يمكنني أن أضيف شرحا لهذه اللقطة البارعة؟ لا أعتقد ، كل ما يمكنني أن أقوله أنها لقطة تختصر حبا كبيرا يبلغ درجة الهاجس المزمن بالفقد. وهي لقطة تعكس حبا صامتا مختزنا في الأعماق تشي عنه الأفعال لا الأقوال. حين يكون القول أقل كفاءة من أن يمنح ذلك الحب استحقاقه المشبع من المعنى.
  • Like
التفاعلات: محمد الجرادي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى