محمد عجلان - دفاتر الشهوة. ‏

عرِفتْ حين استرجعتْ شريط نظراته، أنه كان يختزن صورتها في دفاتر شهوته. لم تكن فوق مستوى الرغبة، لكنها كانت صريحة وتكره لصوصية الشبق. ضبطته متلبسا بنظرة، بينما كانت تجلس إلى مكتبها الذي يقع في مرمى ولعه بها. جلست تستجمع طاقة المواجهة، ثم صبّت نظراتها على عينيه مباشرة، ارتبك ولم يصمد في ساحة عينيها سوى لحظات. ورغم أنه رفع راية الضعف، إلا أنها لم تتوقف عن رميه بسهام التأنيب، قررت أن تحاكمه عن بعد. كلما استرق النظر نحوها كانت تقذفه بسؤال عن الذي طوته نفسه على مدى سنوات. كأنها تصب لعناتها على نفسه بأثر رجعي، عوضا عن اختراقه جسدها. ظل مصلوبا من عينيه، بينما هي تحاسبه. وعندما اشتدت به الملاحقة، بعث لقلبها مباشرة برسالة دفء، كانت غريبة بين صندوق رسائله، أخبرها أن الاشتهاء لم يكن سيد الرغبة كما تظن، لكنه كان غطاء البعد، كلما أراد أن يتشبث بحضورها زرع ساحة الجسد بالرغبات اليانعة، لكنها لم تنبت إلا من ماء القلب. كانت أصوات المكاتب المجاورة تتساقط على أبواب أذنيهما، كأنها فقدت هويتها في الطريق وصارت مجهولة النسب. خفّت وطأة المعركة بين العينين، تحيرت من رسالته، لم تكن قادرة على التصديق، لكنها كانت راغبة في ذلك، فما كان منها إلا أن أرخت قبضة عينيها حول قلبه، أرادت أن تكتشف حقيقة ولعه قبل أن تُجْهز عليه. التقطت روحه أنفاسها، واستشعر أمانا محفوفا بالحذر، حاول قدر حنينه إليها أن يعاجلها برسالة أخرى، فاحتضن عينيها علي غير توقع منها، فارتبكت هي الأخرى، أشار بعينيه نحو النافذة، فإذا بالذكريات تتداعى على قلبها فجأة. حين وقفت في تلك النافذة تبكي، ظانةً أن لا أحد يراها، ثم فوجئت بيده تسند ألمها من الخلف، وحين فرحت بعودة والدها من رحلة العلاج، فكان قلبه يفرش الأرض أمام فرحها ورودا. لم تكن الرسائل التي تحملها تصرفاته تجاهها مجرد بريد من قلب زميل، إلا أنها لم تميزها في حينها، الآن فقط حين حاول الدفاع عن قلبه أمام سيوف العتاب تكشّفت الحقيقة. كان مفاجئا لها أن تتهدم أسوارها هكذا، لم تكن تمانع في أي شيء، لكنها المفاجأة قد أربكت مشاعرها، فما كان منها إلا أن تفك قبضتها تماما عن شريانه، كأنها أرادته أن يتدفق أكثر، لترى بعين اللحظة ما لم تنتبه إليه على مدى سنوات. حين ارتسم الهدوء على وجهها استجمع مشاعره أكثر، تأكد أن رسالته وصلت دون أن يسقط شيء منها عبر الصخب الذي يحدثه الزملاء في الغرفة، لم يتحركا من مكانهما، لكن روحين تقابلتا في منتصف الطريق لإعلان الهدنة لساعة من أمل. استحالت ذنوب شهوته فروض طاعة في ساحة روحها، فما آلمها منذ دقائق بدا كهدهدة تعزف على أوتار الروح فيطرب لها الجسد. هدأ قلبه على وقع ابتسامة بعثت بها علي حين لهفة، ساعتها عانق روحه التي لم تخذله ونجحت في إيصال مذكرة دفاعه أمام محكمة عينيها. كانت ساعات العمل على وشك الانتهاء، فجأة بعثت إليه برسالة لقاء عبر زميلتها التي تجاورها ::

– لدي رغبة في المشي على النيل..سأتركك ترجعين اليوم وحدك !

17 يناير، 2015‏
Print Friendly, PDF & Email

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى