محمد عجلان - هل ما زلنا في حاجة إلى الدين ؟!

ربما يبدو عنوان المقال صادمًا لكثير من المتدينين، فهم يعتبرون أن الدين لازم بشكل دائم، وأن دوره لا يتغير بتغير الزمان أو المكان؛ بل يرى كثير منهم – أيا كان دينهم – أن العصر الذهبي دائماً جاء في الماضي، في الوقت الذي بُعث فيه الأنبياء والمرسلون، وأن الحاضر والمستقبل لا يمكن إلا أن يكون صورة باهتة لهذا الماضي السحيق. لكن ما نريد أن نؤكد عليه من البداية أننا لا نتحدث عن الدين بصفة عامة، ولكن عن الدور التنظيمي للدين، أي دور الدين في إدارة شؤون الدولة، كما كان الحال في فترات طويلة من التاريخ، حين كان الدين حاضرًا بقوة؛ بل كان محركًا للكثير من الصراعات والحروب، فالحروب الصليبية كانت أسبابها “الظاهرة” دينية، وكذلك الغزوات الإسلامية، وكل دين وضع منظومة من القوانين لضبط علاقات الأفراد داخل المجتمع، ولضبط علاقات المجتمعات بعضها ببعض، فكما ورد في القرآن: “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا”. ودور رجال الدين في القرون الوسطى الأوروبية وفي ظل الدولة الإسلامية حتى هذه اللحظة لا يخفى على أحد؛ لدرجة أن سلطة رجال الدين المسيحي في القرون الوسطى فاقت سلطة الحكام، إذ كانت تُعرف سلطتهم باسم السلطة الروحية في مقابل سلطة الحاكم التي عُرفت حينها بالسلطة الزمنية.

لكن؛ بعد سقوط هذا الدور في الغرب الأوروبي، واستمراره بشكل أو بآخر في العالم الإسلامي، لا بد أن نسأل أنفسنا: هل البشر بالفعل ما زالوا بحاجة إلى مثل هذا الدور؟ وما النتائج المترتبة على استمرار الدين في أداء دوره في إدارة شؤون الدولة ؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تستوجب منا أن نضع في اعتبارنا عدة أمور، أهمها أن التاريخ الإنساني شبيه بشكل أو بآخر بتاريخ حياة الفرد، من حيث الطفولة والمراهقة والشباب والنضج .. الخ. فقد مرّت البشرية بهذه المراحل جميعها، مرحلة طفولة الجنس البشري حيث الإنسان البدائي الذي يتعرف بدهشة على العالم المحيط به، ثم مرحلة المراهقة حيث الصراعات لا ضابط لها ولا رابط، وصولاً للمراحل التالية على ذلك. ربما يردّ أحد القراء الأعزاء قائلاً إن المجتمعات ما زالت تعاني من الحروب والمجاعات والصراعات بكافة أشكالها، لكن ما يتجاهله من يطرح مثل هذا السؤال، أن نضج الإنسان / الفرد لا يعني ألا يقع في الخطأ، ولكن حين يقع في الخطأ تكون لديه آليات الخروج وحل المشكلات التي واجهته بنفسه، بخلاف الطفل الذي ربما قضى الخطأ البسيط على حياته.

هنا بُعد آخر لمسألة دور الدين وضرورة تجاوزه مع تطور الوعي الإنساني، ألا وهو أن حضور الدين في إدارة شؤون الدولة على مدار التاريخ، قد جاء بنتائج كارثية لم تكن هي المقصود الأول من وجود الدين، فمن المفترض أن تحث الأديان على التعاون وحب الآخر واحترام آدميته، لكن باستقراء بسيط للتاريخ سنجد أن قتلى الحروب الدينية شرقاً وغرباً ربما تفوق غيرها من الحروب، فقد تقاتل المسلمون مع المسيحيين، وتقاتل المسلمون مع بعضهم بعضًا، فصراعُ السنة والشيعة عمره مئات السنين، وقد بدأت هذه الصراعات منذ الصدر الأول؛ فقد تقاتل الصحابة أنفسهم، وضاع الآلاف في هذه الحروب الدامية، في وقتٍ كان الجميع فيه يرفعون رايات الدين في حروبهم.

وكذا الأمر في المسيحية؛ فقد تقاتلت المذاهب المسيحية المختلفة، واستمرت هذه المجازر في الغرب إلى حين نشأة الدولة الحديثة التي أبعدت الدين عن السياسة وإدارة شؤون الحكم. فقامت حرب الثلاثين عامًا بين الكاثوليك والبروتستانت، التي قضت على حوالي 40 % من البروتستانت، وقيل إن ألمانيا قد فقدت في هذه الحرب حوالي نصف سكانها، وقد اشتركت في هذه الحرب الوحشية معظم القوى الأوروبية الموجودة فيما عدا إنجلترا وروسيا.

ونجد من خلال طرفي الصراع أن الأمر قد تجاوز صراع الأديان، ووصل إلى صراع المذاهب التي تنتمي إلى الدين نفسه، وإذا كان بعضهم يرى أن هذه عيوب تطبيق، فعيوب التطبيق لا يمكن التغافل عنها، والتاريخ يؤكد ذلك، ومن ثم فإنه طالما أن البشر غير قادرين على تجاوز عيوب التطبيق، فعليهم تجاوز هذا الشكل من إدارة العلاقات القائم على أساس ديني، خاصة أن ثمة أشكالاً جديدة أثبتت جدارتها، وأنها قادرة على إدارة شؤون البشر دون التورط في صراعات الانتماء الديني والاختلاف المذهبي.

تعليقات

ر
الأخ محمد السلام عليكم وبعد:
قلت"لكن ما نريد أن نؤكد عليه من البداية أننا لا نتحدث عن الدين بصفة عامة، ولكن عن الدور التنظيمي للدين، أي دور الدين في إدارة شؤون الدولة"
أنت هنا كما زعمت لا تتحدث عن الدين وإنما عن الدور التنظيمي للدين، أي دور الدين في إدارة شؤون الدولة وهو ما يتناقض مع طلبك التجاوز عن دور الدين دون تحديد والذى معناه رمى الدين فى سلة مهملات التاريخ بقولك:
"هنا بُعد آخر لمسألة دور الدين وضرورة تجاوزه مع تطور الوعي الإنساني"
ومن ثم لا نعرف هل تريد رمى دور الدين فى القمامة أم الدور التنظيمى للدين مع أنه لا يوجد فرق بين الاثنين فالاثنين واحد لإذا نزغت ما تقول عنه الدور التنظيمى أصبح الدين غير موجود لأن الدولة فى النهاية هى مجموع الأفراد
وأما قولك"لكن ما نريد أن نؤكد عليه من البداية أننا لا نتحدث عن الدين بصفة عامة، ولكن عن الدور التنظيمي للدين، أي دور الدين في إدارة شؤون الدولة، كما كان الحال في فترات طويلة من التاريخ، حين كان الدين حاضرًا بقوة؛ بل كان محركًا للكثير من الصراعات والحروب، فالحروب الصليبية كانت أسبابها “الظاهرة” دينية، وكذلك الغزوات الإسلامية"
من قال أن الدين كان حاضرا فيما تسميه أنت الحروب الصليبية والغزوات فلم تكن الحروب المذكورة سوى حروب دينية لا تنتمى للإسلام ولا حتى للمسيحية فليس مجرد التمسح فى الصليب وأورشليم أو القدس أو غير ذلك معناه أنها حروب تنتمى للدين المعروف وإنما هى حروب الأغنياء مع الضحك على الفقراء للحرب باسم الدين ليجنوا من خلفها الأموال والممالك
وأما الغزوات فليست فى النص المصحفى سوى حروب رد اعتداء وليس كما تحكى روايات التاريخ الذى أكثر من 99% منه كذب
وأما قولك "ودور رجال الدين في القرون الوسطى الأوروبية وفي ظل الدولة الإسلامية حتى هذه اللحظة لا يخفى على أحد؛ لدرجة أن سلطة رجال الدين المسيحي في القرون الوسطى فاقت سلطة الحكام، إذ كانت تُعرف سلطتهم باسم السلطة الروحية في مقابل سلطة الحاكم التي عُرفت حينها بالسلطة الزمنية."
واما قولك بوجود سلطة لمن سموهم وأنت معهم رجال الدين فليس فى المسيحية المحرفة سلطة فهناك العديد من النصوص التى تطالبهم بالخضوع للسطات الحاكمةأشهرها "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله فلله " وأيضا "
لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة،لأنه ليس سلطان إلا من الله،والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله،حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله،
والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة" [1-2].رسالة رومية
ومن ثم فتلك السلطة لم تكن من المسيحية وإنما كانت من صنع الأغنياء الذين حرفوا الدين للحصول على الدنيا باسم الدين وكذلك ما أسميته رجال الدين عندنا فلا يوجد فى الإسلام رجال دين لهم سلطة فالسلطة لله وحده كما قال تعالى" إن الحكم إلا لله" والحكم يقصد به مجموعة الأحكام المنزلة
وأما قولك"
هنا بُعد آخر لمسألة دور الدين وضرورة تجاوزه مع تطور الوعي الإنساني،"
فهو قول كل من يدعو للعلمانية أو أى نظام أخر بشرى فهو يستبدل ما يسميه الدين بدين أخر هو العلمانية أو الديمقراطية أو غير هذا وهو ما أسميته الأشكال فى قولك:
"من ثم فإنه طالما أن البشر غير قادرين على تجاوز عيوب التطبيق، فعليهم تجاوز هذا الشكل من إدارة العلاقات القائم على أساس ديني، خاصة أن ثمة أشكالاً جديدة أثبتت جدارتها، وأنها قادرة على إدارة شؤون البشر دون التورط في صراعات الانتماء الديني والاختلاف المذهبي"
الدين أى دين أى الشكل أى شكل ما هو إلا مجموعة أحكام تنظم العلاقات ومن ثم فالاشكال التى تظن أنها ليست دينما إنما هى الأخرى أديان جديدة أو قديمة ومن ثم فأنت وغيرك تستبدلون دينا بدين
وقولك بأن الأديان الجديدةأى الأشكال قادرة على شئون البشر فهو وهم فمن تظنه يقيم الحروب الحالية أليس النظام الديمقراطى أو النظام العلمانى أو النظام الشيوعى ؟
وأما قولك :
"ألا وهو أن حضور الدين في إدارة شؤون الدولة على مدار التاريخ، قد جاء بنتائج كارثية لم تكن هي المقصود الأول من وجود الدين، فمن المفترض أن تحث الأديان على التعاون وحب الآخر واحترام آدميته"وكذا قولك"كن باستقراء بسيط للتاريخ سنجد أن قتلى الحروب الدينية شرقاً وغرباً ربما تفوق غيرها من الحروب"
فهو وهم فالدين الموجود فى معظم فترات التاريخ كان هو دين الأغنياء حتى وإن سموه مسيحى أو إسلامى او يهودى أو رومانى أو اغريقى.... فالدين هو لعبة الأغنياء فى عصور الظلم التى هى تمثل معظم عصور البشر
واما النتائج الكارثية فالأشكال الجديدة الشيوعية فى روسيا والاشتراكية القومية فى ألمانياوالفاشيستية فى إيطاليا والرأسمالية فى فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وكلها يدعى الديمقراطية والعلمانية التى تقول بقدرتها على إدارة شئون البشر هى من أقامت الحروب العالمية ولو حسبت ضحايا ما تسميه الحروب الدينية أو الطائفية على مر العصور لوجدت ان عشرات الملايين الذين قتلوا بسبب اشكالك الجديدة تفوق أعدادهم بكثير فقد كان ضحايا الحربين فوق المائة مليون فضلا عن حروب كثيرة كحرب الكوريتين وفيتنام واعدامات البلاشفة وحروب أمريكا الجنوبية وحروب الخليج المتعددة
وأما قولك :
"أن التاريخ الإنساني شبيه بشكل أو بآخر بتاريخ حياة الفرد، من حيث الطفولة والمراهقة والشباب والنضج .. الخ. فقد مرّت البشرية بهذه المراحل جميعها، مرحلة طفولة الجنس البشري حيث الإنسان البدائي الذي يتعرف بدهشة على العالم المحيط به، ثم مرحلة المراهقة حيث الصراعات لا ضابط لها ولا رابط، وصولاً للمراحل التالية على ذلك"
فهو قول بلا دليل قول مبنى على نظرية التطور دون شهود عيان فهل عشت أنت او غيرك فى تلك العصور حتى تكون قادرا على الحكم على تلك العصور أليس المنهج العلمى مبنى على المشاهدة والمعاينة ؟
ومقولة التطور البشرى ليس عليها دليل بل إن هناك آثار تجعلها حطاما تذروه الرياح كأهرامات مصر الحالية المزعومة لقد عجز عصر التقدم العلمى عن إقامة الصروح التى بناها الأطفال المزعومين وحتى عجز عن فهم كيف بنيت ؟
لو راجعت ما يكتبه البعض عن آثار القدماء لوجدت أنهم اكتشفوا انهم وصلوا للحاسوب والصاروخ والطاءرة وهى موجودة فى رسومات بعض المعابد
كلمة أخيرة
بدلا من التقول على الأديان كلها دون تمحيص راجع مثلا الدين الذى تتسمى باسم رسوله(ص) راجعه فى المصحف والذى أوقن أن كثير من العلمانيين لم يقرئوه وإنما هم يأخذون المعلومات عنه من الشيوخ وكتبهم وليس من النص الاصلى
رضا البطاوى
 
أحلم بوطن يضع حدا لتدخل الدين في السياسة، و يخضعها لمراقبة المؤسسات الديمقراطية، لكن مثل هذه النظرة تبقى مجرد حلم.. فأنا لا ..أومن أيضا بإمكانية إحداث قطيعة نهائية مع القيم الدينية لمجتمع.
هناك تدخل دائم للقيم الدينية في الحياة العامة، حتى في أكثر الدول علمانية على الأرض، لو تابعت النقاش السياسي في فرنسا، ستجده في أكثره دائرا حول المسلمين و الإرهاب الإسلامي، و كيفية إدماج المسلمين، كل السياسيين الفرنسيين يتمسكون بالعلمانية، لكن كثيرا منهم يتحدث أيضا عن الأصول المسيحية للدولة... ضمن خطابات كراهية تريد إقصاء المسلمين عن إدارة شؤون المجتمع.
هو ليس خطاب أقلية، هو خطاب يمين متطرف تزداد شعبيته لدى عموم الشعب بشكل مطرد، لذلك... يخطئ من يظن أن المجتمعات الغربية أقصت الدين من شأنها العام.. لأنه حاضر بقوة كبيرة و حاسمة ضمن حملاتها الإنتخابية و بشكل شبه يومي في أقوى مؤسساتها: الصحافة و الإعلام.
ماكس فيبر،أحد مؤسسي علم الإجتماع، كان قد تحدث في زمنه عن تأثير العقيدة الكالفينية في نشأة الرأسمالية و تطورها، و لديه كتاب هام حول هذا الموضوع، قد لا يعجب الكثير من الماركسيين الذين لا يرون في الدين غير نتيجة ميكانيكية لصراعات القوى ضمن البنية التحتية...
أقول هذا مع أنني أظن نفسي ماركسيا، ماركسي أثبت التاريخ خطأ تصوراته، و علماني أثبت التاريخ خطأ انزلاقاته..
الدين يا أخي محمد عجلان، ليس مرحلة بائدة ضمن مسار خطي تطوري للفكر البشري، إنه جزء من طبيعة الإنسان، كالحلم.. كالفرح.. كالبكاء.. كاليقين و الثورة.. لذلك يستبعد جدا أن نعوضه بشكل آخر للتفكير...
باستطاعتنا طبعا، الحد من سلطة الكهنوت، تقليم أظافره.. لكن العقائد مع ذلك ستبقى، بخيرها و شرها..
ما قلته عن تبرير الأديان للحروب و الدماء صحيح.
لكن هل هو خطأ الأديان فعلا...
الإنسان مجرم بطبيعته، محب للدماء و القتل، و هو مستعد لتبرير خطيئته بأية إديولوجية.. النازية لم تكن دينا.. لكنها كانت كافية في عيون النازيين لإشعال أكبر حرب في التاريخ...
الدول الغربية لم تعد في حاجة للإله لتبرير حروبها.. إنها تفعل ذلك اليوم باسم الدمقراطية.. و حتى باسم العلمانية التي ندعو إليها.
 
أعلى