إبراهيم الحسيني - غروب.. قصة قصيرة

من نافذة سیارته " الشیفرولیه" لم المعلم خمیس الدمھوجي, وھو یتحسس فخذیه وركبتیه, میدان باب الشعریة في عینیه: محلاته , مقاھیه , عماراته , إعلاناته , إشارات مروره , عوامید إنارته , أرصفته , أشجاره , نواصیه,عشب حدیقته المسورة أسیاخ حدیدیة , شریط الترماى الذي یخترقه ,أتوبیساته , سیارته الأجرة والملاكي , جامع سیدي الشعراني , رجاله , نسوانه , فتیاته, فتیانه , معلمینه , صبیانه.
- وصلنا یا معلم.
أكثر من نصف عمرك , قضیته ھنا یا خمیس , وقفت یا ما على رجلیك مع الخبازین تحت العامود , اشتغلت في كل الأفران , باللیل والنھار طولجیا , سحلجیا , عجانا , تلدنجیا , فرانا , وساعات تروح مع أصحاب المخابز بلطجیا- ضربت وضربت , جرحت وجرحت - نمت في القھاوي والجناین , على أسطح البیوت , مع العفاریت والأشباح في القبور , بین أجولة الدقیق و الفیران والعرس والصراصیر , وتحت أقدام الفرانین , على حصیر سیدي الطشطوشي , وسجاجید سیدي الشعراني , مدد یا حسین , بركاتك یا طاھرة , جریت یا ما وراء الأتوبیسات , و نطیت من الشمال في الترمایات , وفى عز البرد:كنت تفتح صدرك , تعریه للریح والمطر , وأنت تحمل أقفاص الخبز فوق رأسك , تمیل بالدراجة ھكذا , حتى تكاد تلامس الأرض من الیمین , وتمیل ھكذا حتى تكاد تلامس الأرض من الشمال , وتغنى:
" یا عزیز عیني , وأنا بدي أروح بلدي"
وشفت النسوان عرایا , تلصصت علیھن في الحمامات , السمینة والرفیعة , البضة و"المرھرطة" , البیضاء والسمراء , ونمت معھن في الكرخانات.
فتح المعلم خمیس باب السیارة الخلفي , حمل ساقیه من ثنیتي ركبتیه , القاھما على الرصیف , وھو یزحف بمؤخرته , إلى أن تمكن من الإتكاء على حافة الباب , فوقف حتى ھدأت أنفاسه , واستدار منحنیا بجذعه , یجر عكازیه من قاع السیارة , ثم وضعھما- ھكذا- تحت إبطیه , وتأمل جلبابه "الجوخ" بأكمامه العریضة , وحذاءه "الأجلاسیه" , وحملت إلیه نسمة ھواء , رائحة الكباب والكفتة والطرب والجوافة والعنب والبرقوق والمشمش والمانجو , تنھد بعمق ومضى ینقل عكازیه في طریقه إلى مقھى الصنایعیة , وعلى بعد خطوة منه رمضان السواق , والوقت بین المغرب والعشاء.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى