خوسيه ساراماغو - الأحلام لا تصل الى مصاف حكمة جدتي.. ترجمة : خضيراللامي

ان اكبر رجل حكيم عرفته في كل حياتي ، هو رجل لا يعرف ان يقرأ ويكتب . فهو يستيقظ مع أولى تباشير الفجر الذي يتباطأ فوق الارض الفرنسية ، ينهض ذلك الرجل من فراشه صباحا ويغادر الى الحقل ليقود الى المرعى نصف دزينة من الخنازيرالتي يقتات عليها هو وزوجته .وهما جدي وجدتي من امي اللذين يعيشان على هذه الندرة ، في تربية هذه الخنازير، وبعد فطامها يبيعونها في قرية ازينهاغا القريبة ، في محافظة ريباتيخو .وكان إسميهما على التوالي، خيرونيمو ميرينهو وخوزيفا شايكسنها . وكلاهما أميان . وعند حلول الشتاء ، حينما يزداد برد الليل وينجمد الماء في الابريق المركون الى جانب المنزل يذهبان الى الزريبة ليجلبا صغار الخنازير ويضعانها في فراشها ، ويغطيانها في بطانية سميكة ، وتتسرب حرارة الانسان لتخلص تلك الخنازير الصغيرة من معاناة الانجماد و من موت مؤكد . ورغم انهما كانا انسانين رقيقين ، فان روحيهما الرقيقة ، اللتان تدفعانهما الى هذا السلوك بهذه الطريقة ،في الحقيقة ، ليس اشفاقا على تلك الخنازير الصفيرة ، وانما ما يقلقهما هو ان يوفرا خبز حياتهما . وهذا شيء طبيعي لدى الناس ، الذين يريدون ان يديموا حياتهم . ولا يتعد تفكيرهم اكثرمن توفير ضرورات الحياة . وقد ساعدت جدي مرات عديدة في تربية هذه الخنازير ، ومرات عديدة في حرث مزرعة الخضار المجاورة للمنزل . كما قمت بتقطيع الخشب لاستخدامه في النار ومرات عديدة راوغت حراس الحقول لاقوم بضخ الماء من بئر القرية وحمله على كتفي ، يحدث هذا مرات عديدة ، وبطريقة سرية . كما أذهب مع جدي مع طلوع الفجر ايضا ، مسلحا بمذراة القمح ، حاملا الاكياس والحبال ، وجامعا القش المتساقط الذي يستخدم علفا للحيوانات . واحيانا ، وفي ليالي الصيف الساخن ، وبعد العشاء ، يقول لي جدي : ” يا خوزيه ! سننام هذه الليلة معا تحت شجرة التين هذه .” شجرتا تين كبيرتان ثمة، ولكن هذه الشجرة هي الاكبر والاقدم عمرا ،ولا يعرف احد عمرها كل من يسكن المنزل . وفي اثناء هدوء الليل ، ومن بين اغصان الشجرة العالية ، تظهر لي نجمة ، ومن ثم تدريجيا تتوارى خلف اوراق الشجر . واحول نظري ، باتجاه آخر ، لأرى نجمة أخرى ترتفع من خلل المشهد ، مثل نهر يجري بصمت في فضاء السماء . ثم اشاهد التلأ لؤ الجلي لدرب التبانة ، وطريق سانتياغو ، الذي ما زلنا نطلق عليه هذا الاسم في القرية . وبين النوم واليقظة ، واثناء الليل الآهل بالقصص والحكايات التي يسردها ويسردها جدي : أساطير وأشباحا ورعبا واحداثا غريبة وامواتا قديمة، شجارات وعصي واحجارا . وكلمة اسلافنا توقظ ذاكرتي التي تجعلني مستيقظا وفي الوقت ذاته ، تهدهدني بعذوبة . بعدها لا اعرف ان كان جدي قد توقف عن سرده ، حينما ادرك انني رحت في اغفاءة او انه مستمر في الحديث للاجابة عن اسئلتي التي يضعها في الحسبان. وكنت اطرح عليه بعض الاسئلة حينما اجد نفسي بين النوم واليقظة . وماذا حدث بعد ذلك ؟ ربما يكرر بعض الحكايات لنفسه كي لا ينساها او بمعنى آخر كي يغنيها بتفاصيل جديدة ، كما يفعل الجميع في ذلك العمر . وليس ثمة حاجة للقول ، انني رحت اتخيل جدي خيرونيمو انه عارف بكل علوم العالم ، وعندما ينبلج الضياء الاول يوقظني تغريد الطيور ،حينها لا يكون جدي هناك ، فهو يغادر الى الحقل مع ماشيته ، يتركني أغط في نومي ، وبعد ان استيقظ ، اطوي البطانية الخشنة وانطلق حافي القدمين الى القرية – وما زلت اتذكر القش لاصقا في راسي – وحين بلغت الرابعة عشرة من عمري ، انتقلت من حرث الحقل الى حقل زريبة الحيوانات القريبة من المنزل . وحدث ان اقتربت جدتي منا ، ووضعت امامي ابريقا كبيرا من القهوة ، وبعض اقراص الخبز ، وسألتني ، ان كان نومي مريحا الليلة الفائتة ، وكنت اقص عليها احلامي الرديئة التي تستولدها حكايات جدي . وكانت غالبا ما تطمئنني ، وتقول لا تحلم كثيرا فالاحلام لا صلة لها بالواقع . في ذلك الوقت فكرت ان جدتي هي الاخرى ، إمرأة حكيمة جدا ، بيد انها لا تصل الى مصاف حكمة جدي الذي ينام تحت شجرة التين والى جانبه حفيده خوزيه . ويستطيع ان يحرك العالم بكلمات قليلة . وبعد مرور سنوات رحل جدي الى مثواه الاخير . وفي هذا الوقت اكون قد اصبحت راشدا ، وادركت بعد كل ذلك ان جدتي تؤمن هي الاخرى ، بالاحلام ، ولم يكن لديها ثمة سببا اخر ، غير الجلوس امام كوخها ، إذ انها تعيش وحيدة الان ،ومافتأت وهي تحدق في النجوم الكبيرة والصغيرة المبثوثة فوق راسها تردد هذه الكلمات :” العالم جميل جدا ، ومن المؤسف جدا ان يغادره المرء ! ” بيد انها لم تقل انها تخاف الموت ، ولكنها تاسف لانها تغادر الحياة . كما لوان حياتها الصعبة وعملها الشاق في تلك اللحظة النهائية تستقبل فيها نعمة السمو وكلمات الوداع الاخيرة . ومشاهد الجمال الاخير . وكانت تجلس امام الكوخ وهي لا تشبه اية إمرأة اخرى في كل العالم ، كما كنت اتخيل اناسا يعيشون فيه وينامون مع الخنازير الصغيرة ، كما لو كانت هذه الحيوانات اولادهم . والناس ياسفون على مغادرة الحياة لان العالم لديهم جميل ؛ وجدي خورونيمو راعي الخنازير وسارد الحكايات ، كان يحس بالموت يقترب منه ليقتطفه مما يدفعه الى ان يقول للاشجار ، وداعا ايتها الاشجار ! ويروح يعانقها واحدة بعد الاخرى ، والدموع تنهمر من عينيه ذلك لانه يدرك انه لن يراها مرة اخرى !
وبعد سنوات عديدة ، كتبت لاول مرة عن جدي خيرونيمو وجدتي خوسيفا ” لم اقل حتى الان ان جدتي كانت وبشهادة الكثير من الذين رأوها انها كانت امرأة فائقة الجمال ” وأدركت اخيرا ، انني كنت احول الناس العاديين الى شخصيات ادبية . ربما كانت تلك طريقة امارسها كي لا انساها . فكنت ارسم واعيد رسم وجوهها بقلم الرصاص الذي استطيع من خلاله ان اغير الذاكرة واللون او انير وتيرة الغباء وضيق افق الروتين اليومي ، كما لو ان هذا القلم يخلق فوق خارطة غير مستقرة من ذاكرة ولا واقعية خرافة هذا البلد الذي يقضي الانسان فيه حياته . وبالمقابل ، يحفز على حيويتي لرسم شخصية جدي البربري المبهمة . وتقودني هذه الكلمات الى قليل او كثير الى الصورة القديمة لهما ( الان مضى عليها ثمانون سنة ، ) يظهر جدي وجدتي وهما واقفان ، جميلان وشابان ، وهما يواجهان الة التصوير والمصور لحظة التقاط العدسة صورتيهما ، ويظهر وجهاهما جلال التعبير ، ربما ثمة رعب امام الصورة التي لا يمكن ان تعاد بنفس التعابير الحالية ، لان اليوم التالي ، هو بالتاكيد يوم آخر .. كانت امي متكئة بذراعها اليمنى على عمود طويل وتحمل بيدها وردة ، ووالدي يضع يده على كتفها يطوقها مثل جناح . كانا واقفين ، خجولين ، على سجادة منقوشة بالاغصان ، وتشكل القماشة خلفية ارضية خادعة للصورة التي تظهر بريق الفن المعماري النيوكلاسيك المتنافر . وقلت :” سياتي اليوم الذي اسرد فيه هذه الاشياء ، مهما كانت الاستثناءات تحول دون ذلك ” وجدي البربري القادم من شمال افريقيا هو جد اخر ، راع للخنازير ، وجدة ذو جمال ، وجدان ؛انيقان وجادان مثل وردة في صورة – اي نسب اهتم به ؟ واي شجرة افضل من غيرها اتكيء عليها ..
كتبت هذه العبارات قبل اكثر من ثلاثين سنة تقريبا ، و ليس لدي هدف اكثرمن اعادة بناء وتسجيل حيوات اولئك الناس الذين يولدون ويكونون اقرب الى كينونتي ،واعتقد ان لا شيء آخر بحاجة الى توضيحه لهؤلاء الناس الذين يرغبون ان يعرفوا من اين اتيت وما هي الاعمال التي انجزتها ، وكيف تحولت خطوة بعد خطوة الى هذا الحال . بيد انني كنت على خطأ ، لان البايولوجيا لا تحدد كل شيء ، وكما هو الحال مع الجينات ، ولا بد ان يكون الغموض في مساراتها كي تخلق رحلاتها الطويلة جدا … وشجرة سلالتي ( وانك ستغفر لي افتراض تسميتها بهذه الطريقة لانقاص مادة نسغها ) لا تفتقر الى تفرعاتها في ذلك الزمان بسبب مواجهات الحياة المتعاقبة ، لتنبجس من النسب الرئيسي حسب، ولكنها تفتقر الى من يساعد على تنمية جذورها ليكتشف اعماقها المطمورة ، وهي تفتقر ايضا الى من يستطيع ان يؤكد متانة ونكهة ثمرها ، والى من يوسع ويعزز قمتها ليجعل منها حامية للطيور في رحلاتها وبناء اعشاشها . وحينما رسمت والديٌ وجديٌ بالصور الادبية ، حولتهما من اناس عاديين مخلوقين من دم ولحم الى شخصيات جديدة ، لبناءات اساليب مختلفة لحياتي . وكنت ودون ان الحظ ، اثر المنعطف الذي ابدعته اخيرا عن طريق تلك الشخصيات ، والشخصيات الاخرى ، كانت مادة شخصيات ادبية فعلا ، مخلوقة نحو الافضل او الاسوأ ، بدرجة كافية او غير كافية ، في الربح او الخسارة ، في الاكتفاء او عدمه ، كل ذلك هو نادر ولكنه كثير ، وهو الذي خلق مني ذلك الانسان الذي يقف امامكم الان : صانع هذه الشخصيات ؛ ولكن في الوقت ذاته ، هي التي صنعت مني كاتبا مبدعا ، كلمة بعد كلمة ، وجملة بعد جملة ، وصفحة بعد صفحة ، وكتابا بعد كتاب . وكنت منغرسا في ذوات تلك الشخصيات التي خلقتها . واعتقد انني من دونها لن اكون هذا الكاتب الذي يقف امامكم الان . ومن دونها لن تكون حياتي قد لاقت كل هذا النجاح الذي ازعم انني قد حققته .
والان استطيع بكل وضوح ان ارى اولئك الذين كانو اساتذتي في الحياة ، واغلب اولئك الذين علموني مشقة العمل ، فضلا عن مجموعة من الشخصيات في رواياتي ومسرحياتي التي اراها تعبر الان مباشرة ، تمر امام عيني ، اولئك الرجال والنساء المصنوعين من الورق والحبر ، اولئك الناس الذين اعتقد انني قدتهم بوصفي ساردا اخترتهم طبقا لنزواتي وطوعتهم لرغباتي كصانع، مثل دمى ناطقة ،اعمالها لا تؤثر علي اكثر من عبء وتوتر خيوطها التي احركها حيثما اشاء .اولئك الاساتذة دون شك هم لوحة طرزتها بيدي واسميها H. الشخصية الرئيسية للقصة التي ربما اشعر بطريقة ما ، بعقلانية المعرفة المضاعفة ( معرفة المؤلف ولكن ايضا بطريقة حديث المؤلف الموسوم ( كراسة الرسم والخط Manual of Painting and Calligraphy. الذي علمني صدق و نزاهة القرار والمراقبة دون الاستياء من الاحباطات وامكاناتي الخاصة ، كما انني لم استطع الايحاء ولن استطيع ان اجازف عبر حبكتي المتواضعة في حرث الارض وكل ما تركته هو امكانية الحرث بعمق نحو الاسفل باتجاه الجذور جذوري وجذور العالم ايضا . وان قدرت ان اسمح لنفسي بطموح متواضع وهذا لم يعد لي بالطبع ، ان اكمل نتائج الجهود التي بذلتها . ولكنني اليوم اعتبرها واضحة في كل اعمالي من الان فصاعدا قد رضخت للهدف والمبدا .
ثم جاء رجال ونساء الينتيخو Alentejo، وهم ذات الاخوة الذين صادرت الدولة ارضهم ، التي تعود ملكيتها الى جدي خيرونيمو، وجدتي خوسيفا ،وهم فلاحون خام اضطروا الى بيع سواعدهم القوية للحصول على اجور العمل الذي نستطيع ان نقول عنه سيئ الصيت ، وتحسين ظروفهم ، والحصول مقابل ذلك ،على الحد الادنى من متطلبات حياة اناس مهذبين وحضاريين ، نحن فخورون ان نكون سعداء في ان نطلق على حياتهم، حياة نفيسة ، مقدسة ، او شريفة ، واعرف اناسا بسطاء قد خدعتهم الكنيسة ، ومقترفي جرائم، ومستفيدين من السلطة والاقطاعيين وملاك الارض .واعرف اناسا تحت نظر الشرطة بشكل دائم . والناس وفي اوقات كثيرة هم ضحايا تعسف العدالة المزيفة ، وثمة شخصيات تنحدر من ثلاثة اجيال من عوائل فلاحية ، منذ بداية القرن العشرين الى ثورة نيسان 1974، التي اطاحت بالدكتاتورية وهم يتحركون في نسيج رواية : النهوض من الارض ” ، The Risen from the Ground ، و هذه الرواية تنهض من الارض مع هؤلاء الرجال والنساء ، هم اناس حقيقيون في البداية، ثم شخصيات بعد ذلك . وقد علموني كيف اصبر وكيف اثق واتعامل مع الزمن . انه زمننا ذاته الذي بنانا ودمرنا في الوقت ذاته . بيد ان الشيء الوحيد الذي لم اكن متاكدا من عملية استيعابه بقناعة هو شيء صعب الى حد ما ، ومن نوع تلك التجارب التي تحولت فيما بعد الى قوة فاعلة لدى تلك النسوة واولئك الرجال : وبالطبع ، ان هذا موقف صارم ازاء الحياة . ان هذا الدرس علمني وما زال بعد مرور اكثر من عشرين سنة ساكنا في ذاكرتي ، وفي كل يوم يمر علي اشعر بحضوره في اعماق روحي مثل شيء يناديني بالحاح : انني هنا ، الان على الاقل . وسياتي الوقت الذي سيسرد علينا حكاية الينتيخو .
ما هي الدروس الاخرى ، التي ساتلقاها من شاعر برتغالي ، عاش في القرن السادس عشر ، والف Rimas and glories ، الريماس والامجاد ،و تتحدث عن الضياع ، والتحرر من السحر والوهم الوطني في Lusiadas ، كان عبقرية شعرية بامتياز و يعد اعظم شاعر في ادبنا ، ولا يهم مبلغ الاسى هذا الذي سببه الى فرناندو بيسوا . ليس ثمة درس من دروسه أفيد منه ، وليس ثمة درس يمكن ان اتعلمه ،في وقت افدت من ابسط الدروس التي يقدمها لي لويس فاز دي كاموس Camoes Luis Vaz de في انسانيته النقية ، على سبيل المثال ، التواضع الكبير الذي اظهره عندما راح يطرق الابواب للبحث عن شخص يرغب في طبع الكتاب الذي الفه ، بما يتصل بمعاناة ازدراء الجهلاء للدم والسلالة ، ولا مبالاة واحتقار الملك وحاشيتة المتسلطة للشعب، وسخرية الناس التي يقابل بها الجمهور الشعراء ، العقلاء والمجانين . على الاقل مرة واحدة في الحياة .وكل مؤلف يريد ان يكون او سيكون لويس دي كاموس، حتى وان لم يكتب قصيدة … Rios So bolos ،ومن بينهم النبلاء ورجال البلاط ، ومفتشو المخابرات المقدسة ، وغراميات الايام الخوالي . وبين الم القصيدة ومتعة كتابتها .كان هذا الرجل المريض العائد صفر اليدين من الهند ،الذي ابحر مرات عديدة للحصول على ثروة ، كان هذا الجندي الذي فقد بصر احدى عينيه ، المنكسر نفسيا ، انه الرجل الغاوي ، الذي لا يملك شروى نقير، لن يجعل قلوب النساء تخفق في البلاط الملكي الذي كتبت عنه مسرحية سميت : ماذا افعل بهذا الكتاب ؟ ومثلت على خشبة المسرح وبنفس العنوان: ماذا افعل بهذا الكتاب ؟ ويتكرر في نهايتها سؤال اخر ، ماذا تفعل بهذا الكتاب ؟ والحقيقة المهمة والوحيدة حتى وان كان لديه جوابا كافيا : ماذا ستفعل بهذا الكتاب ؟ انه مرة اخرى ، تواضع كبير ان يحمل تحت ذراعه رائعته الادبية ، وليس من العدل ان يرفضه العالم ! انه التواضع الكبير ايضا ،والعناد ايضا . واراد ان يعرف ما الذي يضمنه المستقبل للكتب التي نؤلفها الان ؟ وفجأة شعر بالشك ان كان هذا الزمن سيستمر طويلا وان استمر فالى اين ؟ والسبب المطمئٌن هو اننا لن نسمح للاخرين بخداعنا ..
وهنا ، ياتي رجل الى العالم اخذت الحرب يده اليسرى ، وتجيء إمرأة الى هذا العالم تحمل قوة غامضة ، ياالهي ! انها ترى ما تحت جلود الناس . اسم الرجل بالتزار ماثيوس ويكنى ب : الشموس السبع ، وتسمى المرأة بليموندا وتكنى بعد ذلك ب: الاقمار السبعة ، لانه من المنطقي جدا حينما توجد شمس لا بد من وجود قمر . وهذا هو الحضور الهارموني الوحيد الذي يوحد بين احدهما بالاخر ، من خلال حب يجعل الارض جديرة بالحياة . وثمة قس كاثوليكي يسمى بارتولوميو الذي اخترع عربة قادرة على السفر الى السماء ، تحلق دون وقود ، و تسيرها مشيئة الانسان ، الارادة التي يقول عنها الناس بامكانها ان تفعل اي شيء ، والارادة التي لا تفعل ، والارادة التي لا تستطيع ان تفعل شيئا وما تعرف كيف تفعل ، وحتى الان ما ارادت ان تفعل ، لتكون شمس وقمر ذلك الرجل وتلك المرأة . هؤلاء البرتغاليون الثلاثة الذين عاشوا في القرن الثامن عشر ، قرن الخرافة وافكار الغرور وجنون عظمة ملك ، شيد ديرا للرهبنة ، وقصورا للحكومة والكنائس ليذهل فيها العالم الخارجي ، اذا كان افتراض ذلك العالم غير محتمل ، في ان يملك عيونا لرؤية البرتغال ، عيون مثل عيون بليموندا العيون التي ترى ما خفي … وهنا ، ايضا ، تاتي الاف الحشود والاف الرجال ، بايد سميكة ومتسخة ، واجساد منهكة ، بعد ان بقيت سنوات وسنوات ، ترفع الحجر بعد الحجر ، لبناء جدران الدير الصلبة وغرف القصر الفخمة ، والاعمدة والابراج الهوائية للكنيسة ، وقممها المعلقة في الهواء . واصوات نسمعها آتية الينا من قيثارة سكارلاتي دومينيكو ، ولا ندري ان كانت تضحك او تبكي تلك الاصوات – هذه هي قصة بالتزار وبلوميندا . وما قدما من درس لزمن طويل ، يعود الى زمن جده خورونيمو وجدته خوسيفا ، واستطاع ان يكتب عبارات تقترب من عبارات الشعر ، بالاضافة الى حديث المرأة والاحلام التي تحمل العالم في مداره ، ولكنها احلام ايضا توجهها الاقمار لذلك نرى روعة السماء في مخيلة الرجال ، وما لم تكن مخيلتهم هي السماء اذن ، لتكن هي السماْء .
وفي مرحلة المراهقة ، تعلم بعض الدروس ، تعلم من نصوص كتب بعض الدروس ، تعلم بعض النصوص حينما كان في المدرسة التقنية في لسبون ، وكان مهيئا لمهنة ستكون بداية حياته العملية: الميكانيك ، كما سيتعرف على بعض الشعراء الجيدين . وخلال ساعات المساء الطويلة كان يقرأ عشوائيا في المكتبة، رغم وجود فهارس للعناوين ، دون الاعتماد على مرشد ، لا احد ينصحه ، وبمتعة البحار المبدع كان يخترع كل مكان يكتشفه ، ولكنه بدأ الكتابة في مكتبة المدرسة الصناعية،كان الكتاب الاول له: سنة وفاة ريكاردو ريس The Year of the Death of Recardo Rias…. وهناك ، وفي احد الايام كان الشاب الميكانيكي ( في السابعة عشرة تقريبا ) قد اكتشف مجلة اسمها ، Alenta، تحتوي على قصائد موقعة بذلك الاسم ، ومن الطبيعي ، ان تكون معرفته بالخارطة الادبية فقيرة في بلده . وقد اعتقد انه الشاعر البرتغالي ريكاردو ريس ، ومع انه ، اكتشف ان هذا الشاعر هو فرناندو نوغويرا باسوا الذي وقع اعماله باسماء شعراء ليس لهم وجود الا في مخيلته واطلق عليهم heteronyms ، وهي كلمة غير موجودة في قواميس ذلك الوقت ،ولهذا السبب ، كان من الصعوبة بمكان لصانع ان يعرف ما ذا تعني تلك الكلمة .( الآن تعني التبعية او فقدان تقرير المصير . المورد الحديث 2009.. المترجم ) وقد تعلم ذلك الصبي كثيرا من قصائد ريكاردو عن طريق الحفظ ، (” ان تكون عظيما كن واحدا “) ولكن بالرغم من انه كان شابا وجاهلا للامور ،فهو لا يستطيع ان يقبل ذلك العقل الكبير ،ولا يستطيع ان يتخيل حقا ، دون ندم . الخط المتشدد في الحياة ويعتقد ” ان الحكيم هو الذي يكون مقتنعا بواقعية مشهد العالم ” واخيرا فالصانع الان ، الذي وخط الشيب رأسه إمتلك حكمته الخاصة ،وامسى مقتدرا على كتابة رواية ليظهرفيها شاعر الاوديسا ويظهر ايضا فيها شيئا عن مشهد عالم 1936، حين وضعه خارج ايامه القليلة الماضية : ان احتلال الراين لاند من قبل الجيش النازي وحرب فرانكو ضد الجمهورية الاسبانية وخلق سالازار للميليشيا البرتغالية كانت طريقته في السرد : هنا هو مشهد العالم وشاعري المعبر عن الالم الجلل وغطرسة الشكوكية . استمتع ، اشاهد ، منذ ان امسيت حكيما .
انتهت، سنة موت ريكاردو ريس ، بهذه العبارات الحزينة جدا ” : هنا ينتهي البحر ، هنا ، تنتظر الارض .” وهكذا ، اذن ، لم يعد ثمة اكتشافات جدية يقوم بها البرتغاليون ، كما لم يعد امامهم غير الانتظار اللانهائي المحتوم ، لمستقبل غير منظور ، انه قدر اعتيادي … و على صانع الروايات بعد ذلك ان يتخيل انه ما زال ثمة بحث عن امكانية ارسال سفن مرة ثانية للمياه ، وعلى سبيل المثال ، تحريك الارض ومن ثمة الانطلاق نحو البحر ، والقطاف السريع لاستياء البرتغاليين الجمعي ، نتيجة الاحتقار التاريخي لاوربا ( واذا ارتأينا الدقة هو ثمرة استيائي انا …) والرواية التي كتبتها ثمة ،هي – طوف الحجر – موضوعتها ، انفصال جزيرة ايبيريا كلها عن القارة وتحويلها الى جزيرة طافية ، وتحريكها بلا مجاديف ، وبلا ابحار ، ودون رفاصات ، باتجاه جنوبي . وتغطي كتلة الحجر المدن ، والقرى ، والانهار ، والغابات ، والمصانع ، والاعشاب ، واراض مزروعة ، بناسها وحيواناتها ” في طريقها الى يوتوبيا جديدة : واجراء لقاءات ثقافية للجزيرة مع شعوب في الجانب الاخر من المحيط الاطلسي ، وبهذا يكون التحدي – وستراتيجيتي تذهب الى ابعد من ذلك – وممارسة دور الخنق على المنطقة من قبل الولايات المتحدة الاميركية … ورؤية اليوتوبيا الثانية ترينا هذا المخيال السياسي اكثر قوة واستعارة انسانية : ان اوربا كلها ، ستنتقل الى الجنوب لخلق موازنة في العالم كتعويض عن تعسفها الكولونيالي الراهن والماضي ، وهكذا ، فان اوربا في نهاية الامر، ستكون مصدر الوثنية . اما شخصيات الرواية : إمرأتان وثلاثة رجال وكلب وكلهم يسافرون باستمرار الى الجزيرة ، كلما ثار المحيط عليهم . والناس تتغير ليجدوا في دواخلهم اشخاصا اخرين وسيتحولون ( ويهملون الكلب لانه لا يشبه الكلاب الاخرى )، وهذا ما فيه الكفاية لهم ..
واستحضرالصانع الزمن البعيد لحياته التي مارس فيها تصحيح تجارب الطبع : وهكذا ، اذا اردنا القول،انه في : طوف الحجر،The Stone Raft ، قد غير المستقبل ، ولا نستطيع ان نقول كلاما سيئا عن تغييرالماضي ، وكتبت رواية اسميتها : تاريخ حصار لسبون ” في الوقت الذي كان مصحح تجارب الطبع يصحح كتابا بنفس العنوان ولكنه ،اي الكتاب ليس رواية بل ، تاريخ حقيقي عن حصار لسبون .وقد اتعبني التفكير ، كيف ان ” التاريخ ” يستطيع ان يدهشنا ، ويقرر ان يستعيض كلمة ” نعم “ب “لا ” ويدمر سلطة ” الحقيقة التاريخية ” وكان ثمة رجل بسيط مصحح تجارب طبع ، يدعى رايموندا سلف ، يتميز عن الاخرين ، باعتقاده ان كل الاشياء لها جوانبها المرئية ، في الوقت ذاته لها جوانبها اللامرئية . لذا ستبقى معرفتنا ناقصة بالاشياء ، ما لم نتمكن من معرفة كلا الجانبين للاشياء . وقد تحدث عن هذا بطريقة تاريخية هكذا : يجب ان اذكركم ان مصححي التجارب الطباعية هم افراد جادون ، ويملكون تجارب كثيرة في الادب والحياة ، ولا تنسوا ان كتابي يتعامل مع التاريخ ” وعلى كل حال ، انني لا املك نوايا قصدية في توضيح تناقضات اخرى . وفي رايي المتواضع ، يا سيدي ( هنا يخاطب ساراماغو رئيس الاكاديمية السويدية لجائزة نوبل – المترجم ” ان كل شيء ليس ادبا هو حياة ، والتاريخ ايضا هو تاريخ بصورة خاصة ، وبدون نوايا سيئة . وهذا ينطبق على الرسم والموسيقى ، فالموسيقى مثلا ، تقاوم منذ الولادة الاتية والذاهبة ، ان تحرر ذاتها من الكلمة ، والرسم هو لا شيء ، اكثر من ادب ينجز عن طريق فرشاة الرسم ، وهنا ، انني اثق بكم ، لا تنسوا ان البشرية قبل معرفتها بالكتابة ، بدأت بالرسم . وهنا ، ايضا اذكركم بالمثل الشعبي : اذا لم يكن لديك كلب ، اذهب واقنص بالقطة .” بعبارة اخرى ، ان الانسان الذي لا يستطيع الكتابة والرسم ، كما لو انه طفل . ماذا تحاول ان تقول، بعبارة اخرى ايضا ، هل ان الادب موجود قبل ان يولد ؟ نعم ، يا سيدي ، بطريقته للكلام ، انه موجود قبل ان ياتي للكون ، وانه لمما يدهشني ، انكم افتقدتم نداءكم الباطني ، يجب ان تكونوا فلاسفة ، او مؤرخين ، يجب ان تكون لديكم نزعة تمييز للتمرد ، تحتاجونها لهذه المعرفة . وانكم بحاجة الى التمرين الضروري ، ماذا يستطيع رجل بسيط ان ينجز عملا ما دون تدريب؟ انني اعد نفسي اكثر من محظوظ حينما جئت الى هذا العالم وانا احمل جيناتي بانتظام ، بيد انني ما زلت خاما ، كما كنت ، وحينما كنت طفلا غرا لم اتلق تعليما خلال المدرسة الابتدائية . ويمكن تقديم نفسي على انني حاصل على تعليم ذاتي ، وحاصل على ثروتي بجهود ذاتية ، وليس ثمة ما يخجلني ، فالمجتمع في الماضي يفتخر بتعليمه الذاتي ، ثم جاء التقدم ووضع نهاية لذلك ، والتعليم الذاتي الان يعبس بوجه اولئك الذين يكتبون اشعارا مسلية ، وقصصا تعتمد على ثقافة التعليم الذاتي ، اتمنى لهم حظا سعبدا ، ولكن ما يتعلق بي يجب ان اعترف انني لا املك موهبة في الابداع الادبي ، وكي تكون فيلسوفا ايها الرجل ، يجب ان يكون لديك احساس حاد بالسخرية ، ونزعة تهكم متميزة ، وهنا ، اتساءل مع نفسي كيف حدث ان تكرس نفسك للتاريخ ، وللعلوم الجادة والعميقة ، انني اسخر من الحياة الواقعية .
، وما يدهشني دائما هو ان التاريخ ليس حياة واقعية ، بيد ان الادب هو الحياة الواقعية ، ولا شيء آخر غيره ، ويمكن ان نطلق عليه تاريخا ، وهكذا ، انك تعتقد يا سيدي ، ان التاريخ هو حياة واقعية ، وبالطبع ، اعترف انني ، اعني ان التاريخ هو حياة واقعية ، ولا شك في ذلك ، وما ذا سيحل بنا اذ كان مصحح بروفات الطبع يؤشر لنا علامات الحذف الطباعية . هو غير موجود اصلا . انه من العبث ان نضيف ان صانع الروايات قد تعلم مع رايموندو سلف درسا في الشك ،كان ذلك عن الزمن .
حسن ، ربما ان تعٌلم الشك هذا ، هو الذي دفعه الى كتابة رواية : The Gospel According to Jesus Christ، واستطرد ايضا ، كان عنوان الرواية نتيجة خداع بصر ، ولكن من الانصاف ان نسأل إن كان ذلك ، مثالا شفافا لمصحح تجارب الطبع الذي بقي طيلة هذا الوقت ، يهيء الارضية من اي منطلق ستتدفق كتابة الرواية الجديدة ، وهذه المرة ليس النظرمن خلف صفحات العهد الجديد ،New Testament بحثا عن التضادات ، ولكن من اجل انارة مظهرها الخارجي ،مثل لوحة يسلط عليها ضوء خفيف لاظهار وضوحها ، وآثار تقاطعاتها ،وظلال تقعرات سطحها . هكذا يقرأ الصانع ، وهو الان محاط بالشخصيات الانجيلية ، كما لو انه لاول مرة، يقراوصف مذبحة الابرياء ، ثم يستمر بالقراءة ، بيد انه .لم يستطع ان يفهم في ذلك الحين ، ثمة شهداء في الدين عليه ان ينتظر ثلاثين سنة ليصغي الى مؤسس لفظ كلمته الاولى( هنا يعني المسيح ، المترجم ) ، ولم يقدر ان يفهم لماذا كان الشخص الوحيد الذي فعل ذلك كي لا يجرؤعلى انقاذ حيوات اطفال بيت لحم ، ولم يستطع ان يفهم حاجة المسيح الى مشاعر الحد الادنى من المسؤولية ، والندم ، والذنب ، وحتى الفضول ، بعد عودته وعائلته من مصر .ولم يستطع ايضا ان يناقش ليدافع عن ضرورة موت اطفال بيت لحم لانقاذ حياة المسيح : والاحساس العام البسيط هو ان يشرف على كل الاشياء على الارض وفي السماء . هل هناك من يذكرنا ان الاله لم يرسل ابنه الى الارض ، وبشكل خاص مع بعثة فداء ذنوب البشرية بقطع راسه من قبل جند هيرود وهو في الثانية من عمره … وفي الانجيل الذي كتبه الصانع بعناية شديدة ليكون دراما عظيمة كي يدرك المسيح ذنبه ،وسيقبل عقوبة ذنبه الذي اقترفه ويقتاد للموت في الغالب دون ان يبدي ادنى مقاومة ، كما لو ان هذا اخر ما تبقى له في الحياة لتوضيح اعترافاته وكشف حساباته للعالم. وانجيل المعلم ليس في النتيجة اسطورة تنور الكائنات المقدسة والالهة ، ولكن قصة كائنات انسانية قليلة هدفها محاربة سلطة لا تستطيع دحرها. والمسيح الذي سيرث النعل القذرالذي انتعله والده في طرقات مدن كثيرة ، سيرث ايضا المشاعر التراجيدية في المسؤولية ، والذنب اللذين لن يحرمانه حتى عندما يرفع صوته من اعلى قمة الصليب ،” ايها الناس ، اغفروا له لانه لا يعرف ماذا فعل ؟ ” والاشارة هنا بالتاكيد الى الرب الذي ارسله الى هناك ، ولكن ربما ايضا ان كان ذلك الالم الاخير ما زال يذكره بوالده الحقيقي الذي عممه على الناس ، وكما تستطيع ان ترى الصانع الان قام برحلة طويلة في انجيله المهرطق وكتب الكلمات الاخيرة عن حوار المعبد بين المسيح والناسخ ” الذئب هو ذئب ياكل جروه بعد ان يلتهم والده ، الذئب الذي تتحدث عنه الان ، قد التهم والدي ، وسياتي حالا دورك والذي من حولك ايضا ، وهل سبق لك ان التهمك ذئب ؛ ليس التهام حسب ، انما يتقيأك ايضا!
هل ان الامبراطور شارلمان لم يؤسس ديرا في شمال المانيا ، وهل ان ذلك الدير لم يكن من اصل مدينة ميونستر ، وهل ان ميونستر غير راغبة في الاحتفال بالذكرى المائتين بعد الالف بعزف اوبرا حرب القرن السادس عشر المرعبة بين البروتستانت والكاثوليك ،فان الصانع لم يكتب مسرحيته Nomine Die IN، اكثر من هذا ، دون مساعدة اخرى، اكثر من انارة خفيفة لمبرره ،فانه اي الصانع سيؤل الى متاهة غموض القناعات الدينية ، تلك القناعات التي جعلت ببساطة البشرية يقتل بعضها بالبعض ، وماذا راى ،مرة اخرى غير هذا ، رأى قناع التسامح البشع ،ذلك التسامح في ميونستر تحول الى حمى جنون ،ذلك التسامح الذي اهان حركة مزاعم كلا الطرفين في الدفاع عن نفسيهما . لان ما حدث ليس مسالة حرب باسم إلهين متحاربين ،ولكنه حرب باسم إله واحد ، إلههما ، وقد عماهما الايمان ، ايمان البروتستانت وايمان الكاثوليك على حد سواء لمدينة ميونستر ،وكانا غير قادرين على تفهم الوضوح التام لكل التجارب : وفي يوم القيامة، حينما ياتي الطرفان ويتقدمان لتسلم الثواب او العقاب ، على اعمالهما التي اقترفاها في الحياة الدنيا ، اما الاله – ان كانت قراراته محكومة بمنطق شبيه بمنطق الانسان – فانه ، بهذا سيدخل الجميع في الجنة ، لسبب بسيط جدا ، هو ، انهم جميعا امنوا به . والذبح الفضيع في ميونستر علم الصانع ان الاديان بالرغم من انها اقسمت كلها ،لم تعتاد ان تجلب الناس كلهم ،معا وان العبث لجميع الحروب هو حرب مقدسة ،معتبرة بذلك ان الاله لا يستطيع حتى وان استطاع اعلان الحرب على نفسه .
العمى ، فكر الصانع ” جميعنا عمي ” ثم جلس ، وراح يكتب ” العمى ” ( العمى رواية لساراماغو . المترجم ) ليذكر اولئك الذين ربما يقرؤون هذه الكلمة . وربما نضلل العقل حينما نحاول ان نهين الانسانية ،ذلك ان الكرامة الانسانية ،تهان كل يوم من سلطة عالمنا، وان موقع الكون حلت محله الحقائق الجمعية ،لذلك فقد الانسان احترامه عندما فقد احترام الاخرين ،ومن ثم فان الصانع كما لو انه يجرب طرد الارواح الشريرة بالرقي والتعاويذ التي نشرتها الوحوش بسبب عمى العقل ، راح يكتب ابسط القصص : احد الاشخاص ينظر بوجه الاخر ، لانه ادرك ان الحياة ليست شيئا مهما يطلبه من الانسانية .ورواية كل الاسماء ، غير مكتوبة ،كل اسمائنا هي هناك . اسماء الاحياء واسماء الموتى .
ختاما ،الصوت الذي يقرأ هذه الصفحات يريد ان يكون صدى اصوات موحدة لشخصياتي ، فانا لا املك كما كنت صوتا اكثر من اصواتها ، واعذروني ان كان بدا لكم هذا قليلا ، فهو شيء كثير بالنسبة لي ..


* خطبة خوزيه ساراماغو امام الاكاديمية السويدية في ستوكهولم اثناء تسلمه جائزة نوبل عام 1998..
ترجمها من اللغة البرتغالية الى اللغة الانجليزية تم كروسفيلد وفرناندو رودريغو..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى