مولود بن زادي - بريكزيت: خيارات بريطانيا بعد نهاية المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي

إنه الحدث الأكثر تعقيدا وجدلا في تاريخ المملكة المتحدة.. حدث فرَّق شمل المقاطعات البريطانية، وجعل أسكوتلندا تهدد بالانفصال عن بقية المملكة المتحدة، وهدد بانتشار الفوضى في إيرلندا بعد سنوات طويلة من الأمن والاستقرار نتيجة مسألة الحدود بين إيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة وجمهورية إيرلندا الجنوبية المستقلة، أحد أعضاء الاتحاد الأوروبي، وفرَّق شمل الأسرة الواحدة في بريطانيا وأثار جدلاً لا سابق له: استفتاء حزيران (يونيو) 2016 الذي نشأ عنهما صار يعرف باسم الـ ”بريكزت” أو طلاق المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
واليوم، وبعد مفاوضات ماراتونية لنحو عامين، لم تستطع بريطانيا التوصل إلى اتفاق يرضي كل الأطراف ويسمح لها بالخروج من الاتحاد الأوربي دون تعرضها لآثار كارثية بحكم ارتباطها الوثيق بالاقتصاد الأوربي. فإلى أين تتجه المملكة المتحدة؟ وما هي خياراتها المتبقية لحل قضية بريكزيت الشائكة؟

بعد استفتاء حزيران (يونيو) 2016، الذي شهد تفوق التصويت بالخروج على البقاء بنسبة ضئيلة 51.89 مقابل 48.11، باشرت رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي التي خلفت رئيس الوزراء المستقيل ديفيد كاميرون، مفاوضات طويلة ومعقدة للتوصل إلى اتفاق يخدم العلاقات المشتركة بين بريطانيا والاتحاد، ويجنب بريطانيا الخروج من التكتل الأوربي بغير صفقة يوم 29 آذار /مارس 2019.
والآن، بعد سنتين من المفاوضات الشاقة، كل ما استطاعت رئيسة الوزراء التوصل إليه هو اتفاق لا يرضي الأطراف المتنازعة في غرفة العموم البريطانية. فقد عبَّر جل أعضاء البرلمان البريطاني عن رفضهم هذا الاتفاق الذي لم يحل مشاكل عالقة وبالغة الأهمية مثل مسألة الحدود بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا الجنوبية، ولا يلبي مطالب دعاة الخروج ولادعاة البقاء. فبعد قرارها عرض الاتفاق على البرلمان للتصويت عليه يوم 11 كانون الأول / ديسمبر 18، تراجعت رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي على قرارها عشية الموعد تجنباً لهزيمة ثقيلة لمشروعها هذا الذي ما فتئ يواجه انتقادات شديدة، ليس من أعضاء المعارضة فحسب، بل أيضا من أعضاء حكومتها، ما أدى إلى استقالات بالجملة ومن الحجم الثقيل، كان آخرها وزير الجامعات والعلوم سام جيماه الذي قدم استقالته من منصبه في الحكومة يوم 30 تشرين الثاني 18، واصفا الاتفاق ب "الساذج".

ومع اقتراب موعد خروج بريطانيا من التكتل، يزداد التساؤل عن خيارات هذا البلد والبديل أو البدائل الممكنة في حالة رفض البرلمان البريطاني صفقة تريزا ماي.

صفقة تيريزاماي: هي صفقة مكلفة، حسب دراسة للمعهد الوطني للدراسات الاقتصادية والاجتماعية، إذ يمكنها أن تكلف الخزينة البريطانية 100 مليار جنيه استرليني في السنة بحلول عام 2030، مع توقع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.9 بالمائة سنويا، وانخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر بنحو 21 بالمائة. صفقة تيريزا ماي تلقى معارضة كبيرة من الجناح المساند لخروج بريطانيا من الاتحاد والذين يشعرون أنه يخدم أوربا بالدرجة الأولى، ولا يلغي ارتباط بريطانيا بالاتحاد. الصفقة تواجه انتقادات من أكبر تنظيم في المعارضة، حزب العمال بزعامة جيري ميكوربين، وحلفاء الحزب الديمقراطي الاتحادي الأيرلندي، وحزب الديمقراطيين الليبراليين، والحزب الوطني الأسكتلندي والحزب الوطني الاسكتلندي، فضلا عن الجناح الموالي للاتحاد الأوربي داخل حزب المحافظين. لكن،قد يضطر نواب البرلمان لمساندة صفقة تريزا ماي في التصويت المؤجل والمتوقع في العام الجديد خشية نتائج خروج بريطانيا بغير صفقة. فصفقة تريزا ماي، رغم كل النقائص، تبقى أفضل من لا صفقة.

الخروج بدون اتفاق: يعني ذلك انتهاء الشراكة البريطانية الأوربية يوم 29 آذار /مارس. يتوقع أن يكون هذا الخيار كارثيا لأن الاقتصاد البريطاني ليس مهيأ بعد لمثل هذا التغير الكبير. يتوقع أن يؤثر ذلك سلبا في المنتجات البريطانية التي تصدر إلى أوربا وقد تؤدي إلى توقفها. سيؤثر أيضا في المواطنين البريطانيين إذ قد يؤدي إلى تشكيل طوابير طويلة على الحدود معبداية فرض إجراءات الجمرك والهجرة. ويحذر بنك إنجلترا بأن الخروج بدون صفقة سيؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة8 بالمائة وارتفاع نسبة البطالة إلى 7.5 بالمائة. لكن، مع استمرار رفض تريزا ماي عرض حلول أخرى بديلة في حالة تعثر صفقتها وقرارها الأخير تأجيل التصويت على خطتها إلى منتصف شهر كانون الثاني /يناير 2019، وهو ما لا يترك متسعا من الوقت لترتيب بدائل أخرى، فإنّ خيار الخروج بدون صفقة يبقى واردا.

استفتاءثان: تعارضه رئيسية الوزراء البريطانية التي أكدت منذ استلامها مقاليد الحكم أن مهمتها هي تنفيذ نتيجة الاستفتاء وإرادة الشعب المتمثلة في خروج بريطانيا من الاتحاد مؤكدة أن بركزيت يعنيبريكزت. الجناح الموالي لخروج بريطانيا أيضا يعارض هذا الخيار على أساس أنه مخالف للمسار الديمقراطي المعمول به.

مباشرة بعد إعلانها تأجيل التصويت على صفقتها، سافرت تريزا ماي إلى أوربا سعيا للحصول على تنازلات جديدة من بروكسل، لتعود من رحلتها خائبة الأمل. لتؤكد أوربا فيما بعد على لسان رئيسة الوزراء الإيرلندية أنه لا يمكن إعادة فتح ملف المفاوضات.
. وفي الوقت الذي بدأ فيه العد التنازلي لخروج بريطانيا من الاتحاد، تزداد الانشغالات والمخاوف من احتمال تعثر صفقة تريزا ماي وخروج بريطانيا من غير اتفاق.

هل ستحال القضية إلى الشعب البريطاني؟
ومع عجز تريزا ماي عن تقديم صفقة مقبولة ترضي الأطراف المتنازعة، وعجز البرلمان البريطاني عن حسم المسألة، لعل الخيار الأفضل والوحيد القادر على حسم المسألة للأبد هو إخضاع المسألة لتصويت الشعب. لن يكون هذا الاستفتاء بالضرورة مخالفا للقواعد الديمقراطية لأنه سيكون حتماً مختلفاً عن الاستفتاء الأول، يعرض من خلاله على الشعب البريطاني خيارات الموافقة على صفقة تريزا ماي، أم الخروج من غير صفقة، أم إلغاء بركزيت كلية والبقاء في الاتحاد. الاستفتاء سيسمح للشعب البريطاني بالتصويت اليوم على بركزيت وهو يعلم تماما ما يعنيه ويدرك نتائجه وآثاره على بريطانيا والمقاطعات البريطانية والمؤسسات التجارية والمواطنين، وهي معلومات كان يجهلها المواطن البريطاني عندما صوّت في استفتاء 2016.فحسب استطلاع للرأي في مجلة «فورين بوليسي»، أكد 1،1 مليون بريطاني، من أصل 17،4 مليون صوّتوا للانفصال عن الاتحاد، أنهم غيّروا رأيهم بعد صدور النتائج وسيُصوّتون لأجل البقاء في الاتحاد إن تأتى لهم التصويت مجددا. ما يعني أنّ طلاق بريطانيا والاتحاد الأوربي قد يلغى أو يؤجل حمايةً للصالح العام والمصالح المشتركة والروابط الوثيقة المتشابكة التي ترمي بجذورها في أعماق التاريخ، والتي يمكن مقارنتها بالعلاقات البشرية. فالأولياء أحياناً يضطرون إلى إلغاء قرارات الطلاق على مضض لأجل الأولاد والروابط المعقدة والمصالح المشتركة.

مولود بن زادي – كاتب جزائري بريطانيا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى