حاتم قاسم - عصافير العودة.. قصة قصيرة

الصمت يسدل رواقه على كل شيء ، ذكريات الأمس محفورة على مرايا الذاكرة والحلم ينام ملء جفونـه ، كان يدرك أن اللقاء قريب ، والنحل يعرف مرعاه يتوجس صوت العصافير على أشجار الكينا والخروب، يشده صـوت اليرغول أغاني الحصاد ين في مواسم العطاء ونسائم بيارات البرتقال تعطر المشهد بجمالها كانت تمر أمام عينيه كشريط سينمائي ، صور تتزاحم من هنا وهناك تتراكم فــي شغاف القلب تنتظر العودة، حتماً سنعود ، حتماً سنعود قالها بأعلى صوته بينما كانت عيناه تحدقان في الأفق البعيد ، إلى هناك ، إلى هناك يا بني انظر ، كانت الكلمات تشدني وهو يحدثني عنها ، أشار بباكورته إليها ، انظر إلى تلك الكروم ، هناك يابني ، كنا نعيش، ومازال طيب الأرض يعيش في قلوبنا والعصافـير مهما غـادرت حتماً ستعود إلى أعشاها كنت أدرك عمق المعاناة أتلمسها في حروف كلماته ، مع كل شهقة زفير، مع حلمه الغائر في عينيه ، مع زقزقة العصافير قبل الرحيل ، مع كل أمنية تـــشرع أبوابها لشمس الصباح ، مع أول شعاع ينبثق من شغاف القلب يحمل في طياته نبضات المعاناة ، أسدل ظره الحاني على الجدار، قال وهو يربت على كتفي : الفراق صعب يا بني ، والغربة مرة!!!!

تنهد ملتقطاً أنفاسه التي تعلو وتهبط كموج البحر يعلوها بحة ٌ في صوته ومد يده إلى جيبه وأخـرج أوراقــاً رثـه أكل الدهــر عليها وشرب ، وبدأ يتمحصها ، أتعرف ما هذه الأوراق؟؟

قلت باستغراب: لا ، علت وجنتيـه ابتسامة ثم قال: خـذها إنها أمانة ، احفظها لديك ، و اجعــل أبناءك يحفظونها من بعدك ، ازداد شوقي وتلهفي لمعرفة ما تحمله هذه الأوراق في طياتها ، و لكن سرعان ما وقعت عيناي عليها و كانت الفرحة تطير من قلبي لا تجد متّـسعا ً لشدتها ، حلماً كان ينام ملء جفونــي، إنها صكوك إثبات الملكيه ، همس في أذني مودعاً ، حافظ عليها ، حتماً سنعود ، حتماً ســنعود، حتماً سنعود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى