منال الشيخ - انخساف ذاكرة رملية

أظنهم سيمضون بعد ما تلكئوا كل هذه السنين . في انتظار عقيم وفي تأمل رخيم يكاد يخدش حياء عذراء مدينتهم العجوز المتسترة وراء دهاليز تجاعيدها وأخاديدها المخترقة للأفنان . ربما نتحدث عن مدينة نعرفها وربما لا ربما يعتمرون الأكاذيب ويهندسون القرارات على أسقف الأسطح المنهارة ربما هذه هي المساومة وربما هذه هي الصفقة ان تفتح حقائب أحلامنا ونقتصد بأوهامنا ونلتقي بمن يدعون الأحادية على أرجوحة متسلقة ترنو و ترنو لتعزف من موج الأنفاس . حرقة الجوع و اقتراب الحنق الأخير …يتلألأ في ذلك الأفق.. يقترب من هذياني ، صوتاً وحضوراً، المسه بحزني ويتلمسني بشفرته الماسية ، اطلب منه العزف دون الغناء لان في ذلك تكفير لعوائي ، راقبته وتخيلته سيهبط عن المائدة المنزلية وسيخاطب ضمير الأباطرة كما خاطب منفى الكرادلة فأحكموا غطاء القدور الذهبية فصارت للمدخنة حلم آخر يتبخر ولون بندقي يرسم خارطة مهملة على عيني العذراء .. وهذه الآلام التي حملناها ولم تزل ..نخترق عينيه ونقف على انفه الموسوم بخذلان الزمن ..تركوه يذوي وهو يحكم قبضته على صولجانه كل شئ فيه تحكم الانكماش والافتقار الى الانتشار..قاربنا الى كشف النبوة ..فالليل اسود والنهار لاينتمي الى الكل..

والعبق الآتي من ماضٍ مرّ من هنا يغامر باستراق نظرة ومخالفة إشارة مرور قوافل الذكريات انهم يغتالون وجودنا لم نعد نحضى بنشأة ثانية منذ ان كنا مشائم طائرات مخالفات لمسيرة المجرات المحافظة نلمع ونتلمع ونسترق السمع الى أفواه السفر ، وترتب الأسفار ، كلٌ حسب أبجديته التي غامر بها وتلفظ بكنيتيه وثبت في هذا الفراغ المتخم والمزدحم بأراجيز تارةً تغني للموت وتارةً للحياة .. ثبت ذلك النسب الذي ظل يغاير ما هو سائر الأرصفة وأروقة الاختلاف المبتل بذلك التوافق الحنين .. رمزنا لبعضنا أسماء تعلمناها في منفانا وأخرنا أ يجاز النهوض ، هذه الرايات تكاد تمحي خارطتي وتخنق خندقي فكلما ذكرت أُ ختاً لأخرتي تلت واحدة لا أذكر أني دعوتها !! ونعود كي نتوسد ذات الآلام وذات الحلم .. نعود كي نعيد لكِ هذه القلادة وهذا العقد من الحرمان ونجري من أوردتك طلباً للحياة .. عذراً ..هرباً من الموت .. عذراً .. خلقاً للجوع .. رباه ، اخرجي كما أنت مستقيمة ومستقيلة ومغمضة الرأس على فكرٍ مشفر مزدانةٌ بثوبكِ الأبدي المناضل ضد حر وقات الشمس وظروف الطقس الممنتجة حاولت ان أروق لك وحاولت الرقي الى محياك لكني لم أجد سوى رأس وحيد يخاطب فزع المارة ويناقش الإسفلت ظروف ذوبانه ، بعين مغادرة مقفلة على الوجود.. يراعي ان لا يجرح خذلان الأرجل المسترسلة .. حاولت حملك في أكفان الليل .. حاولت شم عبق الاختيار ومروراً بهيجان الرمال المخترقة مسامات الليل الساكن المراقب لمداعبة أجنحة الفناء المحلقة بأصواتها السابقة لأحداث ليلةٍ دامية تعيد مجدها هذه الأصابع الناقرة على دفء القهر والشروع في محرمات الإزالة .خمسة عشر سنة ورياح الطوارئ تحيط بخصر المدينة .. مراوغة تلك النظرة التي ترمقني بها تارةً أحس أني المنفرد على الوتر المنفرد وتارةً أقابل هذا التساؤل بشيء من السخرية وشئ من السخرية وشئ من الآمان تحت ضوء العبور واختصار الأوردة على طريق مجدك المتدلي مثل عمر زائد وقبة فائضة عن الحاجة .
هذا الرهف الزائف القادم من جنوب الشرق العتيق مع أعاصير الذكريات وآلام الأوهام مسترسلة ومقدسة تحت وطاءة عبودتهِ الكلمات وما زال يغني عن حبيبته الضائعة ولم تصبها شضية اقتحام أو لغم جراءة ومازالت نائمة على جفن من ورد وغيبوبة ، أي أفقٍ نعانق وأي شفق نفارق … أرصفة الهول ما عادت تخيف مغني الحي ولا ترعب أصابع القدر المسير عبر الأثير.. صوته الرخيم وأضلاعه المثلثية المغادرة حجرة الإنعاش قبل رحيل الملائكة،ستتطهر ، وما زال متشبثاً بأظافره الناعمة مستلقياً على اكف الحمالين الحاملين ظهر العالم ونافورة الحياة الممتدة الى قاع الغياب …
اليس هذا هو الكرسي الهزاز الذي شغلته العام الماضي واحتميت وراء كل الستائر المخملية الحمراء وتفرعت ارياشاً ..قذفك اسهل من ولادة حرباء ...ويا ليتني تمنيت كل هذا قبل عشر سنين لانعكست كل الإشاعات حول عنقك الجميل وأضاءت لي حلماً كتبته قبل بلوغ أعمدة الرهبان متمنين افتراض الخطايا والنقر على الهاتف اللقيط الذي لا أجد له مسنداً أو مأوى غير جيبي المعتم من تخمة الأذلاء، يناقشون رسم ابتسامتها ويبتكرون واشنطن أخرى في ذلك الطرف من العين واكاد أميل الى جمع الخيوط الخضر من خصل شعره وإنارة نظرته الإباحية ومع ذلك نضل نضمه في جيبنا ونتلمسه لنعُد عمر مضيه في ثوانٍ وكانت آخر مرة .. في لحظة …تلألأت أحرف في ثنايا رعبه وترقرقت الاستمالة نحو رغبة شفافة لبناء الهذا..
- تعالي أيتها الأرض ....
تعالي لنبكي سوية ولنتساقط قطرات دموع على ثرى الغرباء ..تعالي أيتها الأرض امنحي الأفق فترة استراحة ..ضاق الزمان ذرعا بالوهج القاتل .. كنا نبعث مع التوابيت ولم نعلم أننا هيئنا خارطةموسومة باختلاجات ماضٍ لم يكن ماضياً أبدا .. وتلك الأرواح كانت هي من رسم الطريق .. منبعثة في أوكارها مثل صهيل مجسم ينبغي أن يكون عتقاً للارقاب ولكن صارت عبئاً للأوقات .. يتناثر مع كل انفلاق للقهر قطع خبز اسمر .. خبز على شكل كرة أرضية أو على شكل خاتم أيوبي .. ومع كل قضمة يصيبه عسر هضم ويلتهم الدود جسده بعد كل نوم .. أيتها الغالية لم تنكرين سارقيك ولم تعد أعاصيرك تبتلع أكل التفاح الأحمر .. ولم أجد ذلك الارتقاء الذي يمنحني نزولاً محترماً .. منحتيني كل هذا الألم وماذا افعل بمهجة متعبة تنتظر الانتقال الى رغبة مكبوتة تحت تراب أنفاسك .. صار الخط احمراً والرصيف بلون لساني المثقل بألفاظ التعتيق حتى عيناك يا غالية لم تعد تلك العينين كبلهما غبار الراجلة اخترقتهما فكرة انتقالك الى المنفى وبقائي أنا وهم على حافة العالم الآخر ننتظر خيمة وربما مقطورة متطورة بصنابير لاتصدأ مع دموعنا المالحة .. ننفض تراب الغربة عن أحلامنا ونختلف مع الساعة الرملية ونلغي وفائها لنا طوال عشرات السنين عرفنا فيها طعم اللون الأحمر لا يشبه أي طعم .. كان مثل ضحكة طفل طري يسرق نكتة مكوية من وجه أمه المليء بمواء الرقيق الاحوى ، قمنا بكل شئ ، جمعتُ أصابعي من كل الجهات ، قلصتُ تفرقي وتشتتي وصرت بعضاً من بعض ومنحت اللون الأحمر تلك الانطلاقة الرشيقة أن يكون مرسماً او منتجعاً اريح فيها بصري الخائب والخاسر في جولات رؤىً منتقاة عبر الأثير …
وهكذا شممت الليل الأفريقي …
عذرا.. هضمت ليلا افريقيا منافي لعدول العبيد عن وجهتهم الى الغرب..
مكان ما وجدت تخلت عن قيدوها بحرية وأنا بت بين ذرات الرمل محتمية تحت حيائها المستعار مقابلة بسمة محنطة في جدار المراوغة تحت تهليلات الإبادة والإعادة ورحلة الإضافة الى الآخر … لقت تعليمات بعدم نبوغها في ممارسة الموت واحتكار منافذ تلقيح الذاكرة الذابلة وظلت ترسم هذه الحروف القديمة،والألفاظ التي تحاول خرق معانيها دون جدوى لم يعد للشعر مكان في زمن باتت حدقات الأعين تغمض على حلم الكتروني ويستيقظ على شفرة حياة بديلة .. تلاقياً قبل ولوج الجمل واحكما إغلاق فمهما عن ما تعلماه وما رأياه عبر مرايا الانفراج ، مشغولة بقلع أناتي ارفق هذا الطلب مع رحيل دمي وراء غياهب الخوف...
ترتل .. تدمدم و تسلك طريقاً آخر مراقبة حبات التوحيد تزلق نحو الأخرى مزيحةً أمامها ساعة مملة أخرى .. ويتسرب الخبر عبر عفونة الجدران وتختار الكهولة فهي الأضمن للبقاء ، وهذا السكون وهذا الوجوم لا يشبه انفعالات أمسٍ إحمر من كثرة أحلامه الدامية ، وتنتشل روحها من جديد وتحمل حقيبتها اليدوية دون ان تخطئ عد اللحظات
- ((ان كنت أنسى فهناك مطرقة تذكرني أني ساعة مستعارة ))
ليس للزمن أثر على هذه الأرصفة البارحة بلطت البرجوازية الجبلية شوارع المعاقرة لدمنا واليوم يلمون ركام تخيل أنه خالد و صارت الأيدي تصفق والأحذية الفولاذية تسحب معها جراراتها المخضرة من املٍ في العودة لاستخراج البنسلين… تماديت كثيراً وطالت أظافرك ، لم يعد يتسع لخمسة ملاعق ، نحن هنا لا نؤمن ما لدينا هو افضل هل رأيت طيراً يحلق بدون جناح .. نحن نفعل .. نحلق بنقرة زر ، لممت في حياتك أسمالا ملؤها دمٌ وتراب وروح مهملة .. نحن نحمل على ظهورنا دهراً من الأوزار .. ليتك لم تناظرني في الحياة لاشيء يغلب عين رأت ..
لم نرطب الشمس بعد ولكن السنة البزوغ لا تشبه أسفنا الغارق في قباب تلت ليلة عيد لا يملكه الفقراء .. كل شئ بأصفارها الثلاثة وليلة البرق الأخيرة للقرن الراحل وفقيد التاريخ .. نحن الفقراء لم نسهر تحت شجر السرو ولم نلتقط أنفاس ندف الوهج المتناثر على النافذة لأننا لا نملك نافذة مطلة على القدر ولا نملك غزلانا فضائية تحمل إلينا بأحلام مؤجلة وترميها من فوهة الموقد الفاهم لصنف الامنا والمختوم غدرا من فصائل ذوات العشر الذي تملكه الأرواح في البيت القاني .. كل ما فعلناه أننا اطفئنا الدنيا باوصالنا المرجوة للعزوف عن ممارسة التقليب والتفكيك واستعرنا وجوم الفراعنة مخاتلة اعقابنا الذي ينتشي من غير توحيد للمواقف .. حقاً لم نكن أوصياء ليلتها ، قابلنا نبوغنا بتأجيلها ،أطعمنا أوردتنا تجاوزنا على مدى القرون المسومة حيث لا يتوقف الزمن عن الجري وراء الاحتضار الأخير ودائماً نبحث وننتظر الفطر العملاق وهل سيكون مسموماً أم سيكون غذاء الثقلين مسكونة بأرواح الملائكة الهابط من السماء السابعة..
لم نكن نعرف ان الشفاه تعرق احياناً وتتساقط ملوحة القبلات على طبق أحلامنا وتتآكل الذكريات لتشكل ثقباً أنيا آخر على مدى عمري .. حسبنا ان الهلام له طعم ثابت على لسان غفوتنا والعناق لا يعرف لون اللحم سوى المخمل الفرنسي الذي يغطي جسدي .. لا يشبهون ما نحن قادمون اليه .. جزء آخر لا يعرف الموت لا يعرف الغفوة، ولا يغادر نوراً أفاق منذ الستة أيام الاولى ودوار الإغاثة واستناد الخطايا إلى
كتف ولادة العصر،، يمضغ ليلاً قاتماً معتقا عبقاً مراوغاً يخال للبال ان لهم عوضا عن أناتهم … وتمكن العابرون من اجتياز الخطوط الحمراء فالإضاءة كافية والصوت واضح لنغتنم الفرصة عبر التحلي عن آرائك العزلة ونقذف المارة بأراجيز مخيلة عروس وتغادر دون ان تستدل الستار ويخاطر الحضور بانفلاق الرغبة وتختزن الزاوية المعطاة عمداً إحداثيات عروة المعتمرين حول حدثٍ لا ينافي الاختلاق .. ترى كم من الوجهاء سيتحمل فرقعة الحقيقة وكم من الأدعياء سيتخلون عن أربابهم وبين هذا وذاك يغادر أحد المعممين منصة التجريب ويتخذ له من إحدى هذه المصاطب معتركاً أفقيا نحو الجمود .. ترى هل ستعرف هذه الأنامل التي تتعرف على النول وتتخذ من هشاشة الايام غطاءً واقياً ضد الانحلال واختلفت الكلمات هذه المرة واقتربت النفس المختمرة من وجودي ، ونحوي ، بدأت تغادر كل أركان العقود ..وليت هذا التدرج يمنح فعلاً أخيرا كلما ألغيت واحدة تعندت التالية وكلما تصافحنا على ان نكون في أراجيزنا مثل الأمراء نعتلي المنبر ولا نرى غير وجه أساقفة يستقبلون أبواب ذابلة في كل ليلة وهذه الأمطار المغادرة والتي لا تقبل تكويني وهي موقنة بوجود مسامان إسفلتية على ظهر الحقيقة التي رسمتها قبل رحيل الاشبينات الى منصة التمرير الأحادي الاختناق..
كيف تهضم هذا الموقف وكيف تتمنى التحليق بعد كل هذه القرارات التي أصدرتها أرصفة المشاعر الآسنة والمتعفنة في جوف الاستسلام .. في هذا الطريق الطويل تبقى تلك الآلهة تشرع أفئدتها مقابل قضاء ليلة جافة في تمام الساعات الصفراء المطلة على حلبة الموترات المحمومة..
يورث هديل انفلاق لعقم مريديه وتدور الحلقة حول راس الكبير ويحدث الاحتلام عن خطيئة الكهنة لست أنادى من يلجم كبوتي ويخلق مائة قرص من غفلتي ولا اشرب الشاي المعتق في خانة العناق المغربلة لقوائم مزايدة على التقاء البحر والصياد .. حيث الثقوب المستهينة بألم العبيد ..
حلم مسنن يرقد أمامي يصافح الغيب ويحدث الأبرياء عن الأميرة والأمير حيث شربا او شربنا من عصير الصفحات الغبارية التنجيم .. تمنيت الجلوس أمامه وتمنيت تقمص أحقاده الأربعة التي لا اعرف لها غيا او قنوط لا اعرف ما لم يعرفه آبائي ..انا سليلة الوصف والشروع ..شنقوا لذلك الحق ولكننا لا نملك السماء ..
ما نملكه في رحم هطولها على البينة هذه الأرجوحة المرقعة بنسيانات الأجداد ،بعنا أحشائنا على ظهر الحمير في زمن اشترت الملائكة أبواب الفتح واقترنت بتلال مغتابة لخطوات القديسة المستنكرة لجز أزميل التوحد.. تلك الأزهار جمعتها في عروقها الآسيوية المغالطة لحقيقة الوأد كان أسرع من وصل القرميد الى سقف خزائن المعادلة المزكية لعرش آمة استفحلت من عنق زجاجة غارت في زبد الفنار..
هل عرفت الآن لماذا نسجنا كل تلك التلال الذهبية وهل تعرف لماذا انحرفنا نحو مضيق صدره المتأرجح بين لفافة مغلونة بنكهة الغروب ..وبين خلق جديد ينمو على كتف استحالة متورمة الاحتمال..

: منال الشيخ - العراق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى