حيدر عاشور - قمر بني هاشم ألق الوجود وعنوان الشجاعة.. قراءة في كتاب (العباس بن علي، الوفاء الخالد) للباحث عبد الأمير عزيز القريشي

العباس-بن-علي-الوفاء-الخالد.jpg


تناول الباحث الكربلائي عبد الأمير عزيز القريشي في كتابه الموسوم (العباس بن علي ... الوفاء الخالد) في دراسة تحليلية لسيرة لمولانا أبو الفضل العباس عليه السلام في ست أبواب . حاول الباحث أن يبحر في مكنونات وخفايا السيرة الذاتية وتأثيرها النفسي على محبيه ومريديه .. فمن يخوض غمار تجربة البحث عن شخصية مخلدة ولدت من رحم الأئمة الأطهار وتربى بين أكنافها ونهل منها العلم والبطولة والشجاعة والحكمة والموعظة الحسنة والعدل... وهي عصمة الأنبياء والأئمّة فأبا الفضل العباس عليه السلام ليس من المعصومـين لكنه يمتلك بعـض خواصّ المعصومـين ، وهـذه ما أسماها البعض الباحثين وأهل العلم والتقوى بالعصمة الصغرى... وهو بحث فيه الكثير من المغامرة والتعب المضني ليولد كتاب في غاية الاهمية بعنوان (العباس بن علي ... الوفاء الخالد) وعلى مستوى عال من الدقة في الطرح والمعلومة واللغة .
في الباب الأول تناول القريشي نسب العباس عليه السلام في سبع فصول اشبع القارئ بتحفة النسب الشريف علوا وافتخارا لأنه أوّل مولود زكيّ للسيّدة الجليلة الفاضلة الصبورة أم المصائب (أمّ البنين ). أشرقت الدنيا بولادته واجتاحت موجات من الفرح والسرور بين أفراد أسرته، فقد ولد القمر الهاشمي المشرق الذي أضاء سماء الدنيا بفضائله ومآثره، وأضاف إلى الهاشميين مجداً خالداً وذكراً ندياً عاطراً ...
الباحث عبد الأمير القريشي أراد من شخصية أبا الفضل إيثارا في تراجيديا ألطف وهو يناصر سيدنا سيد الشهداء أبا عبد الله الحسين عليه السلام ... لان العباس عليه السلام يصفه القريشي في مقدمته بأنه أنشودة ألطف الخالدة التي رفع لواءها فهو معين الإمامة ومعلمه الأول أبوه أمير المؤمنين عليه السلام ثم المجتبى والحسين .
إي نسب ينتمي اليه العباس بن علي عليه السلام، هذه النسب الشريف الذي خرج به من صلب الأتقياء الأصفياء ... حاول القريشي استعراض هذا النسب في فصوله السبعة.. متناولا نسبه الوضّاء ... بطريقة شمولية للنسب ورجعية ابا الفضل العباس نسبا وشرفا والأطوار الإلهية التي مر بها والبيئة الإيمانية التي استلهم منها عقيدته وإيمانه ... فكان الباب الأول بحث مكتنز في المعلومة بين النسب الشريف وحياته وحياة من تأثر بهم وسار على خطاهم المباركة ... يضيف القريشي في سرد معلوماته دائما بلغة الضاد معاني الأسماء وبعض الكلمات التي تحتاج الى توضيح وفهم ومعنى كان يسعى الى تبسيطها لغرض الفهم والاستيعاب وشواهد كثيرة تثير الشجن والحزن لقوة مصدرها وجرأة طرحها .
الباحث عبد الأمير القريشي في الباب الأول لم يجعل أبا الفضل العباس غايته الوحيدة بل بحر في ربوع مولى الأرض ووصي صاحب الكون الأمير علي بن أبي طالب عليه السلام ،ونسبه وعائلته من أمه الهاشمية الفاضلة فاطمة بنت أسد ووالده وأخوته الميامين ودور أمير المؤمنين علي عليه السلام في بناء شخصياتهم في القيادة والإيثار .. أهمها محاوراته مع معاوية ص79 وهو من فصل السابع الذي يتحدث القريشي عن عقيل بن أبي طالب .. وحواراته مع الطاغية معاوية حين اتسم عقيل على درجة عالية من الشجاعة والبأس فكان قويا شديدا في ذات الله ... فكان لعقيل دورا بارزا وهو يمد أمير المؤمنين بالرسائل يستعرض له طغيان معاوية وزمرته ... هذه الرسائل من نوادر المخاطبات التي نستلهم ونتعلم منها الأصول والاحترام لما لها من عمق في العلاقة الأخوية العقائدية الأصيلة بين الأخوين والتي لم تعجب خصومهما والناصبين لهما العداء ..إذن هي رسائل مهمة في فترة قاسية على المسلمين وعلى الباحثين فك قدراتها الفكرية ورمزها اللاهية فهي رسائل يستوجب البحث في منطوقها الاجتماعي والسياسي والأخلاقي .
السيدة الجليلة (فاطمة بنت حزام الكلابية ) أم البنين
أما الباب الثاني بفصله الأول الذي يعد مدرسة في البحوث الدينية القيمة عن إنسانة يعجز القلم عن الكتابة عنها ويتوقف الفكر بمداه العقلاني عن فهمها والتقرب اليها وهي السيدة الجليلة الفاضلة قدسية العرب أم الشهداء أم المصائب أم الشدائد ..(فاطمة بنت حزام الكلابية ) أم البنين والله ذكراه بكاء حد الممات ومن مفاخرها أنها تلتقي في النسب مع النبي الكريم صلى الله وعليه والسلم وأمير المؤمنين عليه السلام في جدهم مضر وآبائه الموحدين حتى ادم .. فنحن في هذا الفصل في رحاب سيدتي ام العباس وحق لها أن تكنى باسم حامل راية سيد شباب أهل الجنة الحسين عليه السلام وهي كونية نورانية التي أضاءت حياة المؤمنين والموالين لسيد الوصيين .نحن مع آم الفداء وآم الوفاء وام النشامة وبنت الفحول وبنت الحمولة وباب والحوائج البدوية امة الزهراء الشفيعة الميسرة المخدرة شريكة زينب العقيلة في المصائب المضحية مبيضة الوجه... البكائية على الحسين الوفية الحرة زوجة أمير المؤمنين عليه السلام ..سيدة قلة نظيرها في رحاب هذه الدنيا هي صاحبة الإشارة والبشارة التي تعطي عطائها بذكر الحسين عليه السلام.. جميع الكتاب في مبحثه جمال وجمال باب الثاني بفصوله التسعة من الخصوصية العليا في بحث علاقة الروح في الجسد ما بين الماضي والحاضر علاقة ترابطية خفية بين محبي ام البنين ومن يعرف قيمتها وقدرها وكراماتها وفضاءات المشهد الحسيني الزائرين هناك علامات ودلالات نتحسسها بين قلوبنا الخافقة حبا بالحسين عليه السلام ونحن نتألم لجل مصيبته ومصيبتها ... الله اكبر ما أعظم المصيبة . وهي تستقبل نبأ الاستشهاد وظلم الظالمين .. بفقدان فلذت أكبادها:
لا تدعوني ويك أم البنين
تذكريني بليوث العرين
كانت بنون لي أدعي بهم
واليوم أصبحت و لا من بنين
أربعة مثل نسور الربي
قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تنازع الخرصان أشلاءهم
فكلهم أمسي صريعا طعين
يا ليت شعري أكما أخبروا
بأن عباسا قطيع اليمين
ويتواصل الباحث(القريشي) في بحر معرفته بمولانا أبا الفضل العباس عليه السلام ليدخل الى خصوصية عائلته الشريفة في الباب الثالث (العباس عليه السلام في بيته ) وقسمه الى ثمان فصول تحدث عن ولادته وتسميته ونشأته وفضائله واهم الكنى التي سميه بها (العباس ،أبو فاضل،أبو القربة،أبو قاسم ،ابن البدوية ،)اما أهم ألقابه (السقا ،قمر بني هاشم ،قمر العشيرة ،باب الحوائج ،حامي الضعينة،العبد الصالح ،الكفيل ،صاحب الراية او حامل اللواء ) . وقد بين الباحث في فصول هذا الباب علاقة العباس عليه السلام أخوته لامّه وأبيه وهم (عبد الله وعثمان وجعفر) رضوان الله عليهم إخوته من أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ودورهم البطولي في معركة ألطف ونصرتهم لأخيهم الحسين عليه السلام فأطلق عليهم آل علي ينصرون الحسين عليه السلام في كربلاء .. ليدخل الباحث القريشي الى حياة أبا الفضل العباس عليه السلام الخاصة وهي زواجه من السيدة الفاضلة (لبابة بنت عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ) وهي من البيت الهاشمي والدها كان واليا على اليمن من قبل امير المؤمنين عليه السلام .فيما كان الباب الرابع إجهادا نوعا ما في مكانة وحياة وصفات ابو الفضل العباس عليه السلام وقد أطلق عليه الباحث باب(مكانة العباس )عليه السلام في ستة فصول عميقة الغور عن المكانة العريقة لقمر بني هاشم وصفاته الشريفة قبل وبعد ملحمة ألطف والتي وثقها الكتاب عن أقوال الأئمة المعصومين عليهم السلام وهي الشهادة المثلى في قيمتها لما تربى عليه من الفضائل والكمالات وتعد سند ودليلا قاطعا ... فقال عنه زين العابدين عليه السلام (رحم الله العباس فلقد اثر،وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله زوج لبهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب ،وان للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة) ،وذكره الصادق عليه السلام فقال بحقه :كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الإيمان جاهد مع ابي عبد الله ،وأبلى بلاء حسنا ،ومضى شهيدا. وقد زار الصادق عليه السلام ارض الشهادة والفداء وبعد انتهاء زيارة الحسين عليه السلام زار قبر عمه العباس وقد استهل الزيارة بقوله (سلام الله وسلام ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين وعباده الصالحين وجميع الشهداء والصديقين الزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح عليك بابن أمير المؤمنين ) لا تحتاج هذه الزيارة الى إثبات فهي حق اليقين ولا تزال يزار بها سيدي ومولاي ابا الفضل العباس عليه السلام بثبات الإيمان .
لله درك سيدي يا أبا الفضل العباس على هذه المنزلة العظيمة عند الله والتي اخبر عنها الأئمة المعصومون وكراماتك العظيمة ... وهذه الرهبة التي تخلقها سيدي في كل الفاسدين والخائنين وهم يرتهبون ويرتعشون خوفا من مقدمهم اليك وجنوحهم تحت قبتك ... كذلك خاض الباحث القريشي مخاضاته البحثية عن مكانة العباس عليه السلام بنفس الباب الرابع في علومه وعبادته فكان عليه السلام فاضلا عالما عابدا زاهدا فقيها تقيا وذلك لملازمته لثلاثة من الأئمة المعصومين عليهم السلام يضاف اليها قوة الإيمان بالله في الصلابة والإباء والصبر وقوة الإرادة والرأفة والرحمة والوفاء ...كان يبصر بين عينيه أثر السجود لكثرة العبادة وكثرة الصلاة والسجود .. وأي عبادة أزكى وأفضل من نصرة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وحماية بنات الزهراء عليها السلام ...وكانت عيون الفاطميات به قريرة وعيون الأعداء منه باكية مرعوبة .
فكان أبا الفضل فعلا بابا للحسين كما كان امير المؤمنين باب الرسول الكريم .. (انا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب )هذا قول رسول الله صلى عليه واله وسلم .
أبا الفضل أن الباب للسبط مثل ما أبوك علي كان باب للأحمدا
اما البواب الأخرى كانت غنية في دوره البطولي في صفين وألطف وجهاده واستشهاده وكراماته بعد الشهادة وبحثا مميزا عن مقامات الكفين الأيسر والأيمن ومزارات وقد جمع الباحث كل ما قيل من الشعر المنظوم في حقه عليه السلام وقد ذكر الباحث (257) من المصادر والمأخذ التي اعتمدها في بحثه وقد بوبها للأمانة البحث على شكل عشرة فهارس تدل على إن الباحث يجيد بقدراته هذا العمل الشاق والصعب والذي قلنا عنه لا يخلو من المغامرة واعتقد إن عبد الأمير عزيز القريشي قد نجح في مغامرته ليخرج لنا كتاب (العباس بن علي) الوفاء الخالد بمستوى عالي من البحث والتقصي فلم يغادر صغيرة وكبيرة من شواهد وكرامات أبا الفضل العباس عليه السلام .






تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى