محمد عزيز الحصيني - أرمي الحصى في بئر وأنتظر

أصوات وموسيقى زرقاء
أرمي الحصى في بئر تزدحم الأصوات فيها. عسل وماء:
هو مزاج القمر سيد المكان. إوزيلهو. هل يطير المعنى صوب غمامة في الزقاق؟ جفل المعنى كما يجفل الحجل.
وجاب حدائق النوم حارس الحواس بجلد أفعوان وأوراق مدبوغة. سأبحث عن جملة الخلاص. من أجل هذا يتحير الشعراء خلف القبائل. كان علي إذن، أن أتهجى فواتير الشراب بأجفان دانتي، ثم أقرأ السلام على الموتى. لكن تلك الأجساد المائية تتراءى لي كالقبعات، وتولح لي على الهاوية. هكذا أحمل الموسيقى الزرقاء في دمي، وأنتظر على السلم بنفس الحجج والكلمات. أرمي الحصى... وأهجو البنفسج.
ما تقوله عيون الموتى
أقف وأصرخ: أيها الحديد، تزوج الطرقات وابسط يدك الطويلة على برية ترعى فيها الكلاب. اجعل الوساوس مقتسمة بينك وبين العارفين بخطط الغابة وأسرارها. لشدما قرأت عن الخلاء الذي يزحف نحو المداخل. لكن مسافات الضوء كانت تدنو كالعويل من الأرصفة. وحين تكلم العرافون بأفواه لا تجادل، كانت الثروات قريبة من نزواتي: أكوام من التراب والجماجم أخالها رذائل أو طواغيت. ثم أنزل إلى النهر بعيدا عن الحقائق وأفاعيلي. هناك ما يشبه عيون الموتى في ما يجرفه السيل والأفكار. العرافون كالضيوف الغرباء خلف الأبواب. كانوا يقدمون لي زهرات ثلج بيضاء وخضراء مع كل فجر. لكنني أعرفهم الآن، واحدا واحدا، ينعمون في الكثبان. رعايا الغابة السوداء. أشم عرقهم في الأفاريز وتشع افة نسيانهم في أوردتي.
كأس الندامى العابرين
من أية جهة يأتي الماضي؟
من أي وبر تسيل القبعات؟
وهذا الحيوان السيد الذي يحك
أقدام الجميلات بعيدان الكبريت،
كيف يشعلن شبقا؟
أضحك وأتقدم بالكأس التي تصدمنا
بالندامى،
وبالصرير نفسه
حيث طريقانا يتقاطعان.
حين نصعد إلى دخان الغابات
نقارع فكرة بفكرة:
أنت ترى العالم مهروقا في قارورة.
وأنا أعد فضائل البحر
على اليابسة.
أغازل المراكب
وأعير الصواري
بالشيب.
الجدران وحدها تأخذ شكل الأسماك:
إذن،
لابد أن تغلق كل النوافذ،
ويدخل النجم القطبي متسللا
إلى صفحة الوفيات.
ذاك أول شيء أفكر فيه
وأنا أقرأ عن حسنات العقل
وإطاعة الحواس
أمام اللوحة المغدورة.
لعبة الحواس
لم يكن بورخيس شجاعا حين علق كتاب الرمل في أرجوحة الميناء. كانت الصبايا يقشرن البصل فوق براميل النبيذ وهو واقف. ظل واقفا وراء الباب يقرأ. يحدق دون توقف، ثم يقرأ في محارة قطنية ويتساءل: من زود الثعالب في الصحاري من شلال المجرات؟ لم يكن يعرف أن أتباعه كانوا يسرجون الخيل في حانة مجهولة. ورغم العمى كان يقدر ساعة الرمل وهي تحث الوقت الي النافذة في انتظارهم. الحكمة أن يحملوا مباخرهم ويخلطوا دخانها بماء الورد وشيء من ريش الطاووس، ثم يصيخوا السمع إلى هذا الرجل الحائر بين الغرباء.
الصبايا يحدسن ماببال الشاعر. لكنهن يكشفن عن سيقانهن ويتأوهن من حرقة الدمع. سيؤوب الأتباع.
وسيظل بورخيس ناكتا بالوعد، مشدوها بلعبة الحواس.
خطوط المدن الميتة
نقرة نقرة،
يصعد الفراش
من القبعات،
ويطفو الحمام العجيب فوق المدن.
ما الفرق بين حركة الأجسام
في الضوء،
والعطر المتفسخ
في يديك؟
يضرب الرسام قماشته
بمخلب مجنون،
ويطري علي اقتراسه للقرف
الطافح من اللوحة.
بين الخطوط موجات من اللعاب المشبع
بالصفائح والأحجار.
وثمة هياكل بشرية تسيل.
ثم تمطر القناطر بعضلاتها المتورمة،
يقبض الرسام على الفراغ المندس
بين جفنيه.
القرميد يجعل الحواس قادرة
على الهلوسة،
لأن خطى الشاعر لن تغادر
هذه الساحة المحمية بالأعشاب
وخيوط الصنوبر.
سأجفف أسمال المفردة التي تتطاير
في الريح،
وأرعى سعادة الخزف
وسط مخاطر البخار المحدقة
بالجملة الأولى في السطر:
الخوخة
تشبه مزلاجا،
والطرق
ثقيلة في النعاس.
ماذا نقتسم على الطاولة؟
كان العالم مقتسما بيننا،
على طاولة نرد،
فأصبح خريطة من الأوتاد،
صار إصطبلا تتبارى فيه الخيول
من أجل الفوز بالنأمة.
الشموع غريبة،
ومع ذلك فإنها تذكي الليل،
وتجعل القمر عموديا،
بضوء مرتعش على ظهور الدواب.
الحيوانات ليس لها ما تخفيه،
غذاؤها الألم،
وسعادتها الأجسام المتلاحمة في الأثير.
حين كان العالم مقتسما بيننا،
لم تكن العوانس تدق
أبواب حظهن مرتين.
كان الصباح
ربانا عجوزا قاده النقرس
إلى هذه الطاولة:
قسوتنا أصبحت
انطباعية،
ونحن لامرئيين.



* الاتحاد الاشتراكي يوم 15 - 05 - 2009

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى